في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
وسط تصاعد التوترات في شرق أوروبا واستمرار الحرب الروسية الأوكرانية، استضافت لندن قمة دولية تهدف إلى بحث آليات دعم أوكرانيا وتعزيز الأمن الأوروبي.
القمة، التي جمعت زعماء سياسيين وخبراء استراتيجيين، جاءت في وقت تواجه فيه الدول الغربية تحديات معقدة، تتعلق بمدى قدرتها على الاستمرار في تقديم الدعم لكييف دون الانزلاق في مواجهة مباشرة مع موسكو.
وعلى الرغم من الاتفاق العام بين المشاركين على ضرورة استمرار الدعم لأوكرانيا، إلا أن القمة كشفت عن خلافات في الرؤى بشأن النهج الأمثل، حيث انقسمت الآراء بين دول تطالب بتكثيف الدعم العسكري دون شروط، وأخرى تحذر من تداعيات التصعيد على استقرار أوروبا والعالم.
تحولات استراتيجية.. ما وراء دعم أوكرانيا؟
يرى نزار بوش، أستاذ العلوم السياسية في جامعة العلوم الإنسانية، أن قمة لندن لم تكن مجرد اجتماع لدعم أوكرانيا، بل كانت تعكس تحولًا أعمق في استراتيجية الغرب تجاه موسكو وإعادة رسم خريطة النفوذ الدولي.
ويؤكد بوش خلال حديثه لغرفة الأخبار على "سكاي نيوز عربية" أن "الحرب الروسية الأوكرانية لم تعد صراعًا إقليميًا فحسب، بل باتت بمثابة اختبار لمستقبل التوازنات الدولية. الدعم الغربي لكييف لا يقتصر على الجانب العسكري، بل هو جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى احتواء روسيا ومنعها من تحقيق انتصار قد يعزز مكانتها الجيوسياسية على حساب الغرب".
ويضيف أن الغرب يدرك أن نجاح موسكو في تحقيق أهدافها سيؤدي إلى إعادة تشكيل النظام الدولي، مما قد يشجع قوى أخرى، مثل الصين، على اتباع نهج مماثل في مناطق نزاع أخرى.
الأمن الأوروبي.. بين الدعم العسكري وتجنب التصعيد
من جانبه، يرى الباحث في الفلسفة السياسية رامي خليفة العلي أن القمة لم تقتصر على مناقشة المساعدات لأوكرانيا، بل تطرقت إلى مستقبل الأمن الأوروبي في ظل التهديدات المستمرة.
ويقول العلي: "لقد بات واضحا أن أمن أوروبا لم يعد يقتصر على حماية حدودها من التهديدات التقليدية، بل أصبح يتطلب استراتيجيات جديدة للتعامل مع الأزمات المستمرة، سواء من خلال تعزيز القدرات الدفاعية أو عبر سياسات أكثر واقعية تجاه موسكو".
وأشار إلى أن القمة كشفت عن تباين في مواقف الدول الأوروبية، فبينما تدفع لندن ووارسو باتجاه زيادة الدعم العسكري لأوكرانيا، تتبنى باريس وبرلين موقفًا أكثر حذرًا، يدعو إلى ضرورة إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة مع موسكو لتجنب تصعيد غير محسوب العواقب.
أوكرانيا في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية
في المقابل، يؤكد أوليكسي هاران، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الوطنية بكييف، أن الدعم الغربي لأوكرانيا، رغم أهميته، لا يمكن اعتباره ضمانة كافية لصمودها، في ظل التحديات الداخلية التي تواجهها البلاد.
ويرى هاران أن المساعدات العسكرية والمالية الغربية توفر لأوكرانيا فرصة للصمود أمام الهجمات الروسية، لكنها ليست كافية لضمان استقرار البلاد على المدى الطويل. وأن كييف بحاجة إلى إصلاحات سياسية واقتصادية جذرية، لتتمكن من تعزيز ثقة مواطنيها والمجتمع الدولي.
وأوضح أن الحكومة الأوكرانية تواجه ضغوطًا كبيرة، سواء من الداخل، حيث يطالب المواطنون بحلول اقتصادية ملموسة، أو من الخارج، حيث يتزايد القلق بين الحلفاء الغربيين بشأن استدامة المساعدات في ظل الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها أوروبا.
أوروبا أمام معضلة استراتيجية طويلة الأمد
أما الأكاديمي والباحث السياسي فادي حيلاني، فيرى أن القمة سلطت الضوء على التحديات الاستراتيجية التي تواجه الدول الأوروبية، حيث تسعى إلى موازنة دعم أوكرانيا مع الحفاظ على استقرارها الداخلي.
في حديثه مع "سكاي نيوز عربية"، يبرز حيلاني أن هناك وعيًا متزايدًا في العواصم الغربية بأن استمرار النزاع دون حلول سياسية سيتسبب في استنزاف الموارد الأوروبية، ليس فقط عسكريًا بل أيضًا من الناحية الاقتصادية والاجتماعية.
وتواجه الدول الأوروبية اليوم تحديات كبيرة تجعلها تبحث عن طرق لدعم أوكرانيا دون تكبد أثمان باهظة تؤثر على أمنها القومي واقتصاداتها.
وأشار حيلاني إلى أن هناك مخاوف متزايدة من أن تؤدي الضغوط الاقتصادية، الناجمة عن العقوبات على روسيا وارتفاع تكاليف المعيشة، إلى تراجع الحماس الشعبي لدعم أوكرانيا، مما قد يؤثر على استمرارية الدعم السياسي والعسكري لكييف.
مستقبل الصراع.. خيارات مفتوحة وسيناريوهات معقدة
مع اختتام قمة لندن، يبقى السؤال الأساسي: هل يستطيع الغرب الحفاظ على زخم الدعم لأوكرانيا، أم أن الضغوط الاقتصادية والسياسية ستفرض مراجعة شاملة للاستراتيجية الحالية؟
وبينما يرى بعض الخبراء أن استمرار الدعم الغربي ضروري لمنع انتصار روسي قد يعيد تشكيل موازين القوى العالمية، يحذر آخرون من أن تجاهل الأزمات الداخلية في أوروبا قد يؤدي إلى تصدعات داخلية تهدد استقرار الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.
ما هو مؤكد، وفقًا للمراقبين، أن القمة لم تكن مجرد اجتماع لدعم أوكرانيا، بل كانت مؤشرًا على أن العالم يعيش مرحلة إعادة تشكيل للنظام الدولي، حيث تلعب أوروبا دورًا محوريًا في تحديد المسار المستقبلي للصراع الدائر.