في خضم الأحداث المتسارعة التي يشهدها الشرق الأوسط، تحلل الصحف العالمية التطورات السياسية والعسكرية في المنطقة، لاسيما فيما يتعلق بمقترحات الحلول للأزمة في غزة.
في هذه الجولة الصحفية، نستعرض أبرز الأفكار التي تناولتها الصحف بشأن الحرب في غزة، وتأثيرها على الداخل الإسرائيلي، كما نلقي الضوء على تحليلات الصحافة الأردنية بعد اللقاء الأخير بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني.
ونبدأ بمقال كتبه توماس فريدمان في صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية يصف فيه مقترح ترامب بشأن غزة بأنه "مبادرة السلام الأكثر غباءً وخطورة من رئيس أمريكي في الشرق الأوسط".
ويتساءل الكاتب: "ما هو الجانب الأكثر رعبا في هذه الخطة: المقترح ذاته من جانب ترامب، أم سرعة موافقة مساعديه وأعضاء حكومته على الفكرة؟"
وبينما يصف فريدمان أعضاء الحكومة بـ "دمى تُحرك من رأسها"، ينبّه إلى أن الواقع ليس مجرد مسألة تتعلق بالشرق الأوسط فقط، بل نموذج مصغر لما يحدث داخل أمريكا.
ويقول إن ترامب في ولايته الأولى كان محاطاً بأشخاص يقيّدون أسوأ أفعاله، بينما يُحاط اليوم بأشخاص "يعيشون في خوف من غضبه إذا خرجوا عن الخط".
ويرى الكاتب أن خطة ترامب قد تنجح في أفلام السينما، لكنها لن تتحقق على أرض الواقع، لأن قبول الأردن ومصر أو أي دولة عربية أخرى للفلسطينيين على أرضها سيزعزع التوازن الديمغرافي للأردن، ويهدد استقرار مصر وإسرائيل، بحسب تعبيره.
الكاتب، الذي عمل سابقاً مراسلاً للبيت الأبيض وعمل في مكاتب الصحيفة في بيروت والقدس، يتوقع أن المسلمين في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط قد يخرجون في تظاهرات واسعة رفضاً لإجبار الفلسطينيين على مغادرة أراضيهم.
ويعتقد الكاتب أن خطة ترامب قد تكون أكبر هدية تقدمها الولايات المتحدة لإيران لتمكينها من العودة إلى الساحة السياسية في الشرق الأوسط. فمن خلال دعم مقترحات قد تثير استياء الأنظمة السنية الموالية لأمريكا، ستكون إيران في وضع يمكنها من تعزيز نفوذها في المنطقة على حساب الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة، بحسب فريدمان.
ويشير الكاتب إلى أنه يتفق مع وجهة نظر ترامب بأن حركة حماس "منظمة مريضة ومنحرفة" وأنها استخدمت الفلسطينيين "كقرابين بشرية لنزع شرعية إسرائيل عالمياً"، فضلاً عن تأييده لقول الرئيس الأمريكي بأن "غزة تحولت لجحيم".
لكن فريدمان يقول إن "أي عملية سلام بعد أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 لن تكون سهلة، وأن الحل المطروح بشأن التطهير العرقي هو فكرة خاطئة".
ويشير فريدمان إلى أن أحد أكبر مشكلات السياسة الإسرائيلية الحالية هو أن إسرائيل، تحت قيادة نتنياهو، ترفض تقديم بديل واقعي لحكم غزة، وأن نتنياهو يسعى لإبقاء الوضع كما هو، مستخدماً القوى السياسية الدولية لصالحه، بما في ذلك الولايات المتحدة.
وينتقد فريدمان أيضاً الموقف الأمريكي، إذ يرى أن ترامب يكرر نفس الأخطاء التي ارتكبها أسلافه، ويعتمد على خطط غير مدروسة وغير واقعية، وأن مقترحاته حول غزة هي محاولات "غير ناضجة" تهدف لإثارة الاهتمام دون تقديم حلول فعالة.
ويدعو الكاتب ترامب إلى اتخاذ خطوة جريئة عبر دعوة جميع الأطراف المعنية إلى التفاوض الجاد، "وتشكيل حكومة تكنوقراط قادرة على دعوة قوة حفظ سلام عربية للإشراف على غزة بعد القضاء على حماس".
ويختم الكاتب مقاله بأن مصالح أمريكا ونتنياهو ليست متوافقة، إذ "يسعى نتنياهو للبقاء في السلطة على حساب أي شيء آخر، حتى لو تطلب ذلك تأجيل الحلول السياسية أو الاستمرار في الحروب".
ويحذر فريدمان من تدهور العلاقات بين أمريكا ودول مثل السعودية، بالإضافة إلى تقوية إيران وزعزعة استقرار حلفاء أمريكا في المنطقة.
ويدعو أميخاي آتالي، في مقال كتبه في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد حماس، وأن تدفع الحركة ثمناً باهظاً مقابل أي ضرر يلحق بالرهائن.
ويطالب الكاتب حكومته باستخدام أساليب قاسية مثل "تجويع العدو وحرمانه من الماء، ليس بدافع القسوة على المدنيين الأبرياء، إن كانوا موجودين، ولكن كإجراء ضروري من أجل حماية الرهائن المختطفين".
ويرى الكاتب أن هذه الإجراءات تعتبر "ديناً يجب سداده" من أجل ضمان مستقبل وأمن الأجيال القادمة.
ويقول آتالي: "الأكثر رعباً من الفظائع التي ارتكبتها حماس هو أن إسرائيل لم تغير قواعد اللعبة بشكل جوهري بعد هذه الكارثة".
ويسأل الكاتب عما إذا كان العالم العربي، بما في ذلك سكان غزة الذين رغم خسائرهم ما زالوا يدعمون الهجوم، يدرك أن ما جرى "كان حدثاً غير مسبوق بالنسبة للشعب اليهودي في وطنه".
ويضيف: "الغزيون، رغم فقدانهم لمنازلهم وأعمالهم، لا يزالون يحتفلون بما يعتقدون أنه نصر، مما يعكس تناقضا واضحا في الفهم والتقدير للمأساة بين الطرفين".
ويعتقد الكاتب أن الرد غير الكافي من القادة الإسرائيليين والجيش في بداية الأزمة، عندما فشلوا في اتخاذ موقف حاسم، أدى إلى استمرار الوضع دون تغيير.
ويدعو إلى "فرض حصار كامل على الأعداء" وحرمانهم من أي شيء يمكن أن يساعدهم في البقاء على قيد الحياة، حتى يتم دفعهم تدريجياً نحو الحدود المصرية وما بعدها.
ويؤكد أن "سكان غزة يجب أن يفهموا، بشكل قاطع، العواقب التي ستواجههم إذا استمروا في دعم العنف ضد إسرائيل".
ويشير الكاتب إلى أن هناك مسؤولية مزدوجة تقع على عاتق إسرائيل: أولاً تحرير الرهائن، وثانياً ضمان عدم تكرار عمليات خطف اليهود في المستقبل.
ويرى أن الأجيال القادمة يجب أن تدرك الثمن الفادح الذي دفعه أسلافهم لتجنب محاولة ارتكاب مثل هذه الأفعال مرة أخرى. كما ينتقد مفهوم "الجيش الأكثر أخلاقية في العالم"، ويقول إن "الطريق الحقيقي للأخلاق هو أن تكون إسرائيل القوة الأكثر فتكاً في العالم، لأن ذلك سيضمن حماية الأطفال في المستقبل من المعاناة".
ونختم جولتنا مع الصحافة الأردنية التي ركزت مقالاتها على اللقاء الذي جمع ترامب بالعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني الثلاثاء في البيت الأبيض.
ويتطرق الكاتب ماهر أبو طير في صحيفة الغد إلى التصريحات التي صدرت عن الرئيس الأمريكي فيما يخص ملف غزة، مع التركيز على الضغوط التي تمارس على الأردن ومصر لاستقبال سكان غزة.
يُبرز أبو طير مشاعر الإحباط والاستياء التي أثارتها هذه التصريحات في المنطقة، خاصة في السياق الذي يظهر فيه الرئيس الأمريكي وكأنه يتعامل مع دول مثل الأردن ومصر على أنهما مجرد أطراف يمكن أن تتعاون في عمليات التهجير أو في توفير أراض للفلسطينيين.
ويشير الكاتب أيضاً إلى رفض مصر القاطع لتلك التصريحات، وتحديداً رفضها فكرة تقديم أراض للغزيين، مما يعكس استياءً عربياً عامّاً تجاه مثل هذه التصريحات.
كما يسلط الكاتب الضوء على الموقف الأردني، الذي حاول الحفاظ على دور إنساني في القضية الفلسطينية، من خلال تقديم مساعدات محدودة مثل علاج الأطفال الفلسطينيين من غزة.
ويؤكد الكاتب أن "الأردن يسعى للحفاظ على استقراره السياسي والاقتصادي والأمني، ويرفض التورط في أي سيناريو يؤدي إلى تهجير الفلسطينيين، حفاظاً على مصالحه".
ويلفت الكاتب الانتباه إلى الظروف الحسّاسة التي صدرت فيها هذه التصريحات، مع التأكيد على أن "الأردن لن يكون جزءاً من خطة التهجير، مشيراً إلى أهمية الدور العربي الموحد في التعامل مع قضية غزة".