غزة- على أطلال منزله وعشرات المنازل الأخرى المجاورة التي تعود لأقاربه في مخيم الشابورة للاجئين وسط مدينة رفح في جنوب قطاع غزة، وقف محمد أبو شعر يتحدث بحسرة عن حياة عامرة كانت هنا قبل أن تنهشها أنياب آليات عسكرية، وصواريخ وقذائف إسرائيلية اغتالت ذكريات تسكن في كل زاوية وشارع وحارة.
هذه المدينة الواقعة في أقصى جنوب القطاع، والتي يفصلها عن مصر محور صلاح الدين "فيلادلفيا" الممتد على مسافة حوالي 12 كيلو مترا من معبر رفح شرقا وحتى شاطئ البحر غربا، تعرضت لأطول عملية عسكرية إسرائيلية برية بدأت في 6 مايو/أيار الماضي، ولم تنته بعد.
ولا تزال قوات الاحتلال تحتفظ بمواقعها وسيطرتها على هذا المحور، ورغم دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 19 يناير/كانون الثاني الجاري، فإن محركات آلة القتل الإسرائيلية لم تهدأ ولا تزال تنفث الموت، وتخطف يوميا من أرواح العائدين إلى رفح.
وبحسب بيانات محلية، استشهد خلال الأيام الخمسة الماضية 20 فلسطينيا من سكان المدينة الذين عادوا إليها لمجرد إلقاء نظرة على ما تبقى من منازلهم.
تبدو الطريق إلى مدينة رفح موحشة، شوارعها مجرفة، والمنازل تهاوت، والكثير من معالمها من مساجد وأسواق وميادين عامة اختفت تماما وتحولت إلى أثر من بعد عين، وكأن "عاصفة مدمرة" مرت بهذه المدينة الصغرى بين محافظات قطاع غزة الخمس.
ويقول أبو شعر للجزيرة نت "هذه ليست رفح، أين ناسها وشوارعها ومنازلها؟، أين المساجد والأسواق؟ كل شيء فيها تحول إلى خراب".
عندما دخل محمد المدينة وقف مذهولا من هول مشهد الدمار من حوله، كما وقف سكانها حيارى يتحسسون خطاهم بين الطرقات التي أغلقتها أكوام الركام، يسيرون بحذر وينظرون بعيون زائغة كغرباء في مدينة لم يزوروها من قبل، يسألون من يصادفهم عن معالم وعلامات بارزة تساعدهم كي يهتدوا إلى أماكن منازلهم وممتلكاتهم.
وأعلن رئيس بلدية رفح أحمد الصوفي المدينة "منطقة منكوبة"، وقال -خلال مؤتمر صحفي سابق- إنها "تحولت إلى ركام وحطام بفعل العدوان الوحشي الممنهج، حيث هُجر أهلها قسرا ودُمرت منازلهم ولم يسلم حجر ولا بشر".
وبرأيه، فإن ما شهدته رفح ليس مجرد عملية عسكرية، بل هو فصل من فصول الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي يهدف الى محو كل معالم الحياة، حيث أبيدت أحياء بكاملها ودمرت البنية التحتية وجرّفت الشوارع وأصبحت المدينة غير صالحة للعيش.
تكشف التقديرات الأولية لبلدية رفح عن نتائج صادمة للكارثة التي حلت بالمدينة كالتالي:
وبالصور والفيديو رصدت الجزيرة نت جانبا من هذا الدمار في مناطق تمكنت من الوصول إليها والتجول فيها رغم المخاطر، فيما النصف الجنوبي من المدينة المطل على الحدود الفلسطينية المصرية ويقع به "محور فيلادلفيا" مصنف كمنطقة حمراء عالية الخطورة، تتربص دبابات إسرائيلية ورافعات عملاقة مزودة بأسلحة رشاشة، بكل من يقترب منها على بعد مئات الأمتار.