غزة– يتوق النازح السبعيني جمعة الجزار للعودة إلى منزله في حي الشيخ رضوان بمدينة غزة، بعد رحلة نزوح قسرية امتدت لأكثر من عام في جنوب القطاع.
وبالنسبة إلى الجزار (75 عاما)، وهو طبيب عيون متقاعد، فإن "عام النزوح كوم وما تبقى من أيام للعودة إلى غزة كوم آخر". ويعبّر بذلك عن شوقه الكبير للعودة سريعا إلى مدينة غزة، التي غادرها مضطرا مع أسرته وأبنائه الثمانية وأحفاده، إثر تهديدات إسرائيلية بداية اندلاع الحرب على القطاع عقب عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وبموجب اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل، يسمح لنحو مليون نازح في جنوب القطاع بالعودة إلى مدنهم وأحيائهم في شماله سيرا على الأقدام بدون إجراءات تفتيش في اليوم السابع من توقيع هذا الاتفاق، الذي دخل حيز التنفيذ صباح أمس الأحد. في حين سيكون متاحا لهم في اليوم الـ22 بالعودة على متن مركبات مع خضوعها للتفتيش.
ورغم الدمار الهائل الذي خلفته آلة الحرب الإسرائيلية في مدينة غزة وشمال القطاع، فإن النازحين يتمسكون بالعودة، ويقول الجزار للجزيرة نت "سأعود إلى بيتي المدمر، واستصلح ما تبقى منه، لأقيم فيه من جديد مع أبنائي وأحفادي".
وتقول حفيدته حور (6 أعوام) "بدنا نرجع.. مشتاقة لغرفتي وألعابي". ويثني مالك (8 أعوام) على حديث شقيقته ويشاركها الشوق للعودة إلى مدينة غزة، حيث منزله والنادي والمدرسة، غير أنهما لا يدركان بعد حجم الدمار الذي حل بمدينة غزة وانتهك معالمها.
وحسب تقديرات دولية، فإن الحرب الإسرائيلية تسببت في تدمير 69% من القطاع الساحلي الصغير، الذي يقطنه زهاء 2.3 مليون نسمة.
وأنهك النزوح المتكرر أسرة الجزار التي تقيم حاليا في مركز إيواء داخل مدرسة غربي مدينة خان يونس. ومع دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ لم يطل كبير هذه الأسرة الدكتور الجزار التفكير، وقال إنه حجز شاحنة (سيارة نقل) لتقله وأفراد أسرته، وما حملوه من مستلزمات منزلية خلال شهور النزوح الطويلة، ستساعدهم على بدء حياتهم من جديد في مدينة غزة.
وفي مكان قريب من أسرة الجزار، يقيم الخمسيني علاء حسين مع 15 من أبنائه وأحفاده داخل غرفة واحدة، وقد استغرب سؤالنا "هل ستعود مع العائدين للشمال؟"، وبلا تردد وبحزم رد "طبعا، ما فيها كلام".
"والله لو ينفع أرجع الآن لأرجع"، يقولها حسين، بينما كان منهمكا في ترتيب ملابسه في حقيبة سيحملها معه، الأحد المقبل، في طريق عودته إلى بلدة بيت حانون شمالي القطاع، سيرا على الأقدام. ويضيف هذا الرجل الذي يعاني من مرض مزمن "سأعود مشيا رغم طول المسافة ولن أنتظر السماح بمرور المركبات".
ومنزل حسين مدمر مثل غالبية منازل بلدة بيت حانون، ومخيم جباليا وبلدة بيت لاهيا، في محافظة شمال القطاع، التي تعرضت لـ3 عمليات عسكرية برية، آخرها في السادس من أكتوبر/تشرين الأول الماضي واستمرت لنحو 100 يوم، مارست خلالها قوات الاحتلال التدمير الممنهج للمنازل والمنشآت السكنية ولكل مقومات الحياة.
ومن جملة هذا التدمير، يقول حسين إنه خسر منزلا، وشقة سكنية في بناية أخرى، وليس له ما يملكه هناك، ورغم ذلك فإن "العودة لبيت حانون حتمية، وسنقيم فيها، لو في خيمة على الأنقاض".
وللنازحة الستينية كريمة ناصر خطتها للعودة إلى بلدة بيت حانون، وتقول للجزيرة نت "اتفقنا داخل الأسرة أن يعود عدد من أبنائي الشباب أولا، ويعدوا لنا مأوى، ثم نلحق بهم، النساء والأطفال".
وتشعر هذه النازحة (64 عاما) بفرحة ممزوجة بغصة كبيرة، إذ ستعود إلى بلدتها بعد النزوح الطويل، ولكن من دون عدد كبير من أشقائها وشقيقاتها وأقاربها، وتقول "خسرت بالحرب 70 شهيدا من أحبائي".
هذا الفقد الكبير جعل كريمة أكثر حرصا في العودة إلى بيت حانون، ولكنها تفضل التمهل حتى الأحد المقبل، وتقول "اليهود ما لهم أمان، وبدنا ننتظر يومين أو 3 أيام، ونرى ماذا سيحدث، ومن ثم نقرر ونعود".
ولدى كريمة 22 فردا من أبنائها وزوجاتهم وأبنائهم، ولم يعد لهم مأوى في بيت حانون بعد تدمير المنزل الذي كانوا يقيمون فيه، وتشعر باليأس من إعادة إعماره قريبا، وبرأيها فإن "الدمار كبير وأمامنا سنين سنعيش في خيام قبل الإعمار".
أما أكرم المنسي (41 عاما) فيشعر بأنه مقيد، وليس بمقدوره العودة إلى مخيم جباليا في شمال القطاع، ويقول للجزيرة نت "لدي طفلان صغيران لا يقويان على المشي، ولا أمتلك أجرة سيارة للعودة".
وخلال الحرب ارتفعت أجرة سيارات النقل الصغيرة والكبيرة أضعاف مضاعفة، جراء الارتفاع الهائل الذي طرأ على أسعار الوقود، نتيجة القيود المشددة التي فرضها الاحتلال على دخوله للقطاع.
ولن يكون سهلا على الأعداد الهائلة من النازحين العثور على سيارات تقلهم إلى مدينة غزة وشمال القطاع، وقد أدت الحرب إلى دمار هائل لحق بآلاف المركبات، حتى باتت العربات التي تجرها الحيوانات وسيلة الغزيين الرئيسية في تنقلاتهم اليومية.
"بدي أرجع ومش عارف أكيف"، يقول المنسي، النازح مع أسرته في مدرسة مصطفى حافظ الحكومية في مدينة خان يونس، ويضيف "والله تعبنا من النزوح.. بيتي مدمر بجباليا، لكن بدي أرجع وأعيش فوق أنقاضه، هناك مخيمي وأهلي وجيراني".