في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
موسكو- استحوذ الهجوم الذي شنه الجيش الأوكراني على محاور هامة في محافظة كورسك الروسية على اهتمام المراقبين العسكريين والسياسيين في موسكو، لجهة تقييم حجم هذا الهجوم ونتائجه، فضلا عن توقيته ودوافعه.
وربط هؤلاء الهجوم، الذي بدأته القوات الأوكرانية ضد المقاطعة الواقعة غرب روسيا يوم 5 يناير/كانون الثاني الحالي، بالاستعدادات لزيارة كيث كيلوغ المبعوث الخاص للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى كييف.
من جانبها، أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن صد الهجوم وأكدت مقتل المئات من الجنود الأوكرانيين.
ووفق مصادر رسمية روسية، تواصل كييف نقل قوات من وحدات النخبة من خط المواجهة بأكمله إلى منطقة سودجان الحدودية، في وقت بلغ فيه إجمالي تقدم وحدات مجموعة "الشمال" التابعة للقوات الروسية في كورسك أكثر من 6.5 كيلومترات في اليوم.
وقبل ذلك، كانت أوكرانيا قد شنت هجوما مكثفا ومفاجئا عبر الحدود منذ نحو 6 أشهر في كورسك، وهي أول مرة من نوعها تتوغل فيها دبابات معادية داخل الأراضي الروسية منذ الحرب العالمية الثانية.
ومنذ ذلك الحين، يحاول الجيش الروسي إجلاء القوات الأوكرانية. وتؤكد وزارة الدفاع الروسية أنها حققت نجاحات باستعادتها نحو 40% من الأراضي التي فقدتها، لكنها لم تتمكن حتى الآن من طرد القوات المغِيرة.
ويأتي الهجوم الأخير قبل تنصيب ترامب رئيسا للولايات المتحدة في 20 يناير/كانون الثاني الجاري، ووسط مفاوضات سلام محتملة في وقت لاحق من هذا العام.
وفي وقت ألمح فيه الرئيس الأوكراني زيلينسكي إلى أن المناطق المحيطة بكورسك يمكن أن تلعب دورا في أي اتفاق مستقبلا، لم تُظهر موسكو أية إشارات على استعدادها لوقف القتال أو إجراء تغييرات بمطالبها الإقليمية التي تشمل 4 مناطق انضمت إليها عام 2022، بما في ذلك مدينتا زاباروجيا وخيرسون ومناطق أخرى لا تسيطر عليها روسيا بشكل مطلق.
وفق محلل الشؤون العسكرية فياتشيسلاف شوريغين، فإن تكتيكات الجيشين الروسي والأوكراني باتت تضع في الحسبان اعتبارات سياسية تتمثل في إمكانية قطع الإدارة الأميركية الجديدة الإمدادات العسكرية عن كييف، مما قد يسمح للقوات الروسية بتحقيق المزيد من المكاسب العسكرية خلال العام الحالي.
ويضيف -للجزيرة نت- أن موسكو غيرت الأشهر الأخيرة إستراتيجيتها وباتت تتحرك نحو استنزاف القوات الأوكرانية من حيث الموارد والأفراد، مؤكدا أن كييف أخطأت في تقدير هجومها الذي تتمثل فكرته في استعادة المواقع المفقودة والعودة إلى المستوى السابق من السيطرة الإقليمية.
وينفي المتحدث فرضية عجز القوات الروسية عن طرد نظيرتها الأوكرانية من الأراضي التي سيطرت عليها، موضحا أن الآونة الأخيرة شهدت تقدما مستمرا للجيش الروسي على محاور دونيتسك وكوبيانسك وكذلك كورسك، وتمكن من استعادة مناطق استولى عليها الأوكرانيون.
ويرجح أن تشهد الأشهر القليلة القادمة تحقيق اختراقات على جبهة كورسك، مستبعدا أن يكون النظام الدفاعي الأوكراني قادرا على الصمود في وجه الهجوم الروسي بالطريقة التي صمد بها الروس في هجوم الصيف الأوكراني العام الماضي، وأن التوجه الحالي أن تتراجع كييف في كل مكان.
من جانبه، يذهب المحلل العسكري ليونيد أرتيمييف إلى القول إن الوضع على الجبهة الأوكرانية يتطور بطريقة مأساوية بالنسبة لكييف على ضوء هيمنة روسيا على ميزان التسليح والقدرات البشرية.
وبرأيه، شكل هجوم كورسك "مزحة قاسية" لكييف إذ دفع موسكو لشن هجوم مضاد على محاور أخرى لا سيما دونباس، في الوقت الذي ألقت فيه أوكرانيا بأفضل معداتها وأفرادها في "عملية انتهت بالفشل". ويضيف أن الهجوم أملاه المنطق السياسي في المقام الأول، حيث من المفترض أن يحسن موقف كييف قبل المفاوضات.
ومع ذلك، يتابع أرتيمييف: واجهت أوكرانيا تفوقا روسيا في الجو والمدفعية، وواصلت موسكو هجومها على محوري كوبيانسك ودونيتسك، مستغلة إرسال كييف أفضل الأسلحة والمقاتلين الأكثر تدريبا إلى كورسك.
ويقول أيضا إن من السابق لأوانه الحديث عن نتائج الهجوم الأخير مع تواصل الأعمال القتالية و"المعلومات الكاذبة" على الإنترنت التي تفيد بسيطرة القوات الأوكرانية على مناطق مختلفة "قبل أن يتم دحضها على الفور تقريبا". ولا يستبعد أن يكون هدف الهجوم "إثارة ضجة على جبهة واحدة، للتمويه على هجمات أخرى على جهات مختلفة تماما".
ويصف المحلل العسكري وزيرَ الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بأنه مهندس "عملية كورسك" مستشهدا بتصريحات أدلى بها الأخير عشية الهجوم، قال فيها "إن تمركز القوات الأوكرانية في كورسك له أهمية حاسمة في أية مفاوضات محتملة، وإن إدارة الرئيس جو بايدن المنتهية ولايتها تريد التأكد من أن كييف لديها ورقة قوية للعب بها".
وأعرب أرتيمييف عن "تشاؤمه" من أن تتمكن أوكرانيا، خلال المفاوضات المرتقبة بعد تنصيب ترامب، من فرض "تبادل أراضٍ" على موسكو، مشيرا إلى أنه سيتعين عليها -مع مرور الوقت- أن تخطط وتدير عملياتها بنفسها، و"ألا تتصرف وفقا لمخططات يضعها سياسيون من دول أخرى".