"لا نطرح أنفسنا بديلا لحزب مستقبل وطن ولا نسعى حتى للأغلبية البرلمانية في الانتخابات المقبلة، وحزبنا يختلف في أنه ليس به مكان لمن يريد أن يأخذ شيئا من مصر"، هكذا علق محمود مسلم، العضو المؤسس لحزب الجبهة الوطنية الجديد في مصر على حالة اللغط التي صاحبت الإعلان عن تدشين الحزب رسميا هذا الأسبوع.
وأثار تدشين الحزب السياسي الجديد جدلا واسعا عن أهدافه وتوقيت تأسيسه وتمويله وضمه لوزراء ومسؤولين سابقين ومشاهير وكذلك مدى الاختلاف بينه وبين الأحزاب الموجودة وخاصة الموالية للدولة مثل حزب مستقبل وطن.
أقيم حفل التدشين في أحد الفنادق بالعاصمة الإدارية الجديدة وشارك فيه عدد كبير من السياسيين والشخصيات العامة ورؤساء الأحزاب وأعضاء مجلسي النواب والشيوخ.
وكان لافتا أن الحزب بدأ فور تدشينه في الإعلان عن مقرات له بالقاهرة والمحافظات تستقبل الراغبين في عمل توكيلات تأسيس له لصالح وكيل مؤسسيه عاصم الجزار وزير الإسكان السابق.
حزب سياسي جديد في مصر يضم مسؤولين سابقين ومشاهير يثير تساؤلات
قال محمود مسلم الذي يشغل كذلك منصب رئيس لجنة الثقافة بمجلس الشيوخ المصري لبي بي سي إن: "هدف تأسيس الحزب مثل أي حزب آخر هو المشاركة في الحياة السياسية، وفي هذا التوقيت بسبب الفترة الصعبة التي تعيشها المنطقة وما يحدث في الداخل، وهذا ما جعلنا نرى أننا نحتاج للم الشمل وإعادة ائتلاف 30 يونيو بشكل أو بآخر".
وكشف أنه "قبل إعلان تأسيس الحزب تمت 6 لقاءات ضخمة بين ممثلين لمختلف أطياف الشعب المصري وبينهم معارضون – لم يوضح كيفية اختيارهم- وكان السؤال الرئيسي (هل الساحة السياسية تحتاج إلى تأسيس حزب أم لا؟) وكانت إجابات معظم المشاركين بنعم".
ائتلاف 30 يونيو المقصود به تجمع القوى السياسية في مصر والتي كانت تهدف للإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي عام 2013. وقد تفتت هذا الائتلاف مع الوقت وبعض القوى فيه أصبحت موالية للسلطة الحالية والبعض الآخر يحاول ممارسة دور المعارضة رغم التضيقات.
ويرى عمرو الشوبكي الكاتب والمفكر السياسي بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية أن "المشكلة في المناخ السياسي والقيود على حركة الأحزاب وليس في تأسيس الأحزاب، فمن حق أي مجموعة من الأشخاص تأسيس حزب سياسي وفق القانون والدستور وبالتالي من حق مؤسسي الحزب الجديد الإعلان عن وجودهم في المساحة التي يرونها مناسبة لهم بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف".
وأضاف الشوبكي لبي بي سي أن: "ما يحتاجه المناخ السياسي في مصر ليس إضافة أحزاب جديدة فمصر بها ما يكفي من الأحزاب، ولكن المطلوب بداية لحياة حزبية حقيقية وانتخابات سياسية معبرة عن التنوع المجتمعي وأن يكون البرلمان به تعدد، وأن تتمتع جميع الأحزاب بنفس حقوق أحزاب الموالاة، وأن يكون لها حرية الحركة في الشارع والانتخابات وأن تصل لتشكيل الحكومة أو المشاركة فيها، والأهم من ذلك أن تنفصل أحزاب الموالاة عن مؤسسات وأجهزة الدولة وهذا ما ننادي به منذ عقود، ومنذ تأسيس التعددية الحزبية في عام 1976."
واتفق معه محمد أنور عصمت السادات، رئيس حزب الإصلاح والتنمية المعارض في أن "من حق من يستوفي الشروط تأسيس حزب" ولكنه في الوقت نفسه قال: "لا أستطيع قراءة أو بلورة الهدف من تدشين هذا الحزب في ذلك التوقيت لأن الدولة لديها أحزاب موالية وداعمة فعلا، ومن ثم فالحكمة من تدشينه حاليا غير واضحة، فهو حزب مولاة ومولود كبيرا هذا لا جدال فيه، ولكن السبب وراء تدشينه هو ما سيتضح من الدور الذي سيلعبه وقد يصبح حزبا حاكما مثل الحزب الوطني في عهد الرئيس السابق حسني مبارك".
تجدر الإشارة إلى أن عدد الأحزاب المشهرة وفق القانون والدستور في مصر نحو 87 حزباً سياسياً، بحسب بيانات الهيئة العامة المصرية للاستعلامات، 14 حزباً من بينها ممثلة في البرلمان الحالي، وعلى رأسها حزب "مستقبل وطن" بأغلبية 320 مقعداً.
على مدى السنوات العشرة الماضية ومنذ تأسيسه في عام 2014، بات حزب مستقبل وطن في نظر البعض بمصر بديلا للحزب الوطني الحاكم في فترة حكم الرئيس الراحل محمد حسني مبارك، حيث بجانب سيطرته على الأغلبية البرلمانية فإنه يحصل على دعم كبير من المسؤولين في شتى المحافظات وبالمقابل يقدم الحزب كل الدعم لجميع قرارات السلطة.
وقد فسر البعض أن تدشين الحزب الجديد لأن يكون بديلا لحزب مستقبل وطن وهو ما نفاه محمود مسلم الذي أضاف أن حزب الجبهة الوطنية "مختلف في أنه يضم قامات كبرى ومسؤولين سابقين ونقباء لهم شعبية عند الناس ولديهم ما يقدمونه للوطن والمساهمة في بنائه".
ويضم الحزب رئيس الهيئة العامة للاستعلامات ضياء رشوان ووزيرة الاستثمار الأسبق سحر نصر ووزير الرياضة الأسبق طاهر أبوز يد والمؤلف مدحت العدل ونقيب المهن التمثيلية أشرف زكي ومفتي الجمهورية السابق شوقي علام.
ويقول مسلم إن الحزب سيعمل على خوض الانتخابات البرلمانية المقبلة بأكبر تحالف سياسي.
وحسب المواقيت المقررة بالدستور، فإن إجراء انتخابات البرلمان المصري بغرفتيه النواب والشيوخ ستكون في نهاية عام 2025، قبل 60 يوماً من انتهاء مدة المجلس الحالي في يناير كانون الثاني.
ووفقا لتوصيف مسلم فإن الحزب الجديد: "ليس معارضة ولا موالاة، ولكن سيكون للحزب رؤية أمام كل قرار من السلطة، ويطرح الحلول للمشكلات ويعرف متى ينتقد وكيف، ولذلك فالحزب ضم في هيئته التأسيسية مسؤولين ووزراء سابقين من أجل الاستفادة من خبرتهم في العمل التنفيذي لأن الحزب يسعى لأن يكون بيت خبرة حقيقي".
وعما إذا كان الحزب سيسعى للحكم وفقا بديهيات عمل الأحزاب السياسية في مصر والعالم قال مسلم :"من السابق لأوانه حاليا الحديث عن دفع الحزب بمرشح رئاسي في الانتخابات المقبلة وهو لا يزال في مرحلة التأسيس، فنحن نعيش الواقع وندرك معطيات الخريطة السياسية المصرية وتفاصيلها".
مصر: كيف أجهز النظام السياسي على المعارضة؟
ومن بين أسباب الجدل حول الحزب الجديد هو ارتباطه برجل الأعمال إبراهيم العرجاني الذي بزغ نجمه في مصر خلال الفترة الأخيرة وهو أحد أهم رجال قبيلة الترابين البارزة في سيناء، وسبب هذا الارتباط ظهور العرجاني في اجتماعات التمهيد لتأسيس الحزب وبدا كما لو أنه زعيم الحزب، وذلك برغم غيابه عن مشهد إعلان التأسيس الرسمي للحزب.
وكان العرجاني قد أثار جدلا أكبر سابقا بتدشينه لما يسمى باتحاد القبائل العربية والعائلات المصرية برئاسته في مايو آيار الماضي وظهور علم خاص لهذا الاتحاد. وأعرب منتقدون عن مخاوفهم من وجود كيان أقرب للميليشيا، يحظى بدعم أعلى هرم للسلطة في مصر.
لكن محمود مسلم عضو الهيئة التأسيسية للحزب الجديد قال إن: "الشيخ إبراهيم العرجاني كان مثل رجال أعمال آخرين يرعون اجتماعات التمهيد لتأسيس الحزب، وهو ليس عضوا بالحزب ولسنا مسؤولين عن تفسيرات من يعتبر أن الحزب مرتبط به أو سيكون في خدمة مصالحة، وإذا رغب هو في التبرع للحزب فسيكون مثله مثل أي رجال أعمال آخرين وسيكون معلنا وفقا للقانون والدستور ولن نخفيه".
وقال السادات وهو برلماني سابق لبي بي سي: "هذا الحزب الجديد عليه علامات استفهام فيما يخص ارتباطه باتحاد القبائل العربية، وكذلك مدى ارتباطه بالمال السياسي الذي سيكون متوفرا بكثرة، وبرغم أن بعض قيادات الحزب أكدوا أنه ليس هناك ارتباط بين الحزب واتحاد القبائل ورجال الأعمال إبراهيم العرجاني وأن الحزب سيتسع للجميع ولكن بالتأكيد هو حزب الدولة وسيتنافس مع حزب مستقبل وطن وحزب حماة الوطن في دعم الدولة وأجهزتها".
من جانبه قال عمرو الشوبكي إن: "ليست المشكلة في ارتباط الحزب برجل أعمال أم لا، فالمشكلة في ارتباط الأحزاب بمؤسسات الدولة، ولو حدث انفصال بين الأحزاب ومؤسسات الدولة فيمكن لرجال الأعمال المرتبطين بتلك الأحزاب أن يغيروا وجهة نظرهم ويغيروا تلك الأحزاب وتٌختبر فعلا وبشكل حقيقي، ولكن طالما الأحزاب تولد مرتبطة بأجهزة الدولة وتدعمها فلن يكون هناك اختلاف".