تتجهز السعودية للإعلان الرسمي عن منحها حق استضافة كأس العالم لكرة القدم 2034، عقب تصويت في اجتماع افتراضي عبر الإنترنت يجريه الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، تصوت فيه الاتحادات المحلية المختلفة عبر العالم على الدولة المستضيفة، بعد مراجعة الملف والتأكد من استيفائه المعايير الفنية والتنظيمية، بعدما كان الملف السعودي هو الوحيد المتقدم لاستضافة البطولة.
الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا كان قد أعلن عن فتح باب الترشح لاستضافة الحدث مع أولوية لقارتي آسيا وأوقيانوسيا، اتباعاً لمبدأ التناوب القاري، في الوقت الذي تستضيف فيه قارتا أوروبا وإفريقيا مونديال 2030 في إسبانيا والبرتغال والمغرب، مع إجراء مباريات في الأرجنتين وأوروغواي وباراغواي، فيما تنظم قارة أمريكا الشمالية بطولة 2026 في الولايات المتحدة والمكسيك وكندا.
وفي الوقت الذي كانت أستراليا تنوي الترشح للحصول على حق الاستضافة، في ملف مشترك أو بالمشاركة مع نيوزيلاندا، أعلنت انسحابها من السباق للتركيز على تنظيم أحداث أخرى، ودعمها للملف السعودي، الذي وقف خلفه الاتحاد الآسيوي لكرة القدم برئاسة البحريني الشيخ سلمان بن إبراهيم آل خليفة، والذي اكد على ثقته في قدرة السعودية على تقديم بطولة كأس عالم للتاريخ.
وكان وفد من الاتحاد الدولي فيفا قد زار المملكة بالفعل قبل شهر من الإعلان الرسمي، للوقوف على مدى جاهزيتها واستعداد المدن المستضيفة للبطولة، والمشاريع المدرجة في ملف الاستضافة، وكان تقريره مثلجاً لصدر القائمين على الملف، إذ منح فيفا ملف السعودية لاستضافة المونديال تقييم 419.8 من 500 وهو الرقم الأعلى في تاريخ كل ملفات طلب استضافة المونديال.
ستستضيف خمس مدن سعودية مباريات المونديال، وهي الرياض وجدة والخبر وأبها ونيوم، بالإضافة إلى عشر مدن أخرى، ستوفر مواقع لإقامة الفرق والحكام ومنشآت التدريب وغيرها من أشكل الدعم، وهي الباحة وجازان والطائف والمدينة المنورة والعلا وأملج وتبوك وحائل والأحساء وبريدة.
لوجستياً ستقدم السعودية 16 مطاراً دولياً، وأكثر من 230 ألف وحدة فندقية و134 منشأة تدريب، بخلاف تحسين جودة الطرق الحالية وشبكة المواصلات، مع تطوير الفنادق والمنتجعات والمرافق السياحية، في كافة المدن التي ستشهد تقديم مرافق للبطولة، أو ملاعب ضمن المدن الخمس الرئيسية.
المدن الخمس ستقدم 15 ملعباً مقترحاً تستوفي المعايير العالمية، أهمها في الرياض، حيث ملعب الملك سلمان الدولي، الذي سيشهد إقامة المباراتين الافتتاحية والنهائية لكأس العالم 2034، وهو الذي سيتسع لـ92 ألف مشجع، وستبدأ أعمال البناء فيه عام 2025، وكذلك ملعب مدينة الملك فهد الرياضية أو "درة الملاعب" بسعة 70 ألف مشجع، وملعب جنوب الرياض بسعة أكثر من 47 ألف مشجع.
وخمسة ملاعب أخرى، هي ملعب الأمير محمد بن سلمان ضمن مشروع القدية، والذي ستبدأ أعمال البناء فيه عام 2026، ومدينة الأمير فيصل بن فهد الرياضية أو ملعب رعاية الشباب بالملز سابقاً "ملعب الملز" والذي سيتضاعف حجمه، وملعب جامعة الملك سعود أو الأول بارك "مرسول بارك سابقاً"، وملعب المربع الذي ستبدأ أعمال البناء فيه عام 2027، وأخيراً ملعب روشن الذي تبدأ أعمال البناء فيه عام 2028، وكل هذه الملاعب تتراوح سعتها بين 46 و47 ألف مشجع.
الرياض العاصمة يفوق تعداد سكانها 7 ملايين نسمة، وفيها 74 مسار جوي للوجهات الدولية، وتضم ثمانية ملاعب مقترحة، مع أكثر من 127 ألف وحدة فندقية للبطولة، و54 منشأة تدريب، وشهدت تواجد أكثر من 20 مليون زائر لموسم الرياض في 2023.
أما جدة ذات الأقل من 4 ملايين نسمة، شهدت تواجد أكثر من 6 ملايين زائر لموسم جدة 2023، وستقدم 43 ألف وحدة فندقية و30 منشأة تدريب، وستقدم أربعة ملاعب مقترحة للبطولة.
في جدة ستحضّر مدينة الملك عبد الله الرياضية، أو ملعب "الجوهرة المشعة" الذي يحتضن مباريات ناديي الأهلي والاتحاد، بسعة أكثر من 58 ألف مشجع، وكذلك ملعب القدية المنتظر بسعة أكثر من 46 ألف مشجع، وملعبان آخران جديدان، هما ملعب وسط جدة بسعة أكثر من 45 ألف مشجع، وملعب مدينة الملك عبد الله الاقتصادية بسعة أكثر من 45 ألف مشجع.
وستحتضن المنافسات ثلاثة ملاعب في ثلاث مدن أخرى، هي ملعب جامعة الملك خالد في أبها، والذي ستبدأ أعمال تطويره في 2030 لتصل سعته إلى أكثر من 45 ألف مشجع، وملعب أرامكو في الخبر الذي سيتسع إلى أكثر من 46 ألف مشجع، وملعب نيوم المنتظر في مدينة نيوم والذي ستبدأ أعمال البناء فيه عام 2027، وسترتفع أرضيته أكثر من 350 متراً عن سطح الأرض، وسيشكل سقفه امتداداً لسقف المدينة ليوفر تجربة استثنائية لحضور المباريات.
وللتغلب على درجات الحرارة العالية خلال أشهر الصيف، تدرس السعودية مناقشة تغيير موعد البطولة لتقام في الشتاء كما حدث مع قطر، إلا أن المقترح سيكون بتقديم نسخة 2034 إلى يناير بدلاً من تأخيرها لنوفمبر وديسمبر، كما أعلن فيفا، بسبب تعارض ذلك الموعد مع شهر رمضان.
استطاعت السعودية تنظيم العديد من الأحداث الرياضية في السنوات الأخيرة في كرة القدم، كالسوبر الأوروبي لكرة القدم، والسوبر الإسباني والإيطالي وفي غيرها من الرياضات كجائزة السعودية الكبرى في الفورميلا 1، ورالي داكار، والعديد من بطولات التنس والجولف والفروسية والرياضات الإلكترونية، وغيرها.
السعودية استثمرت في كرة القدم بشكل كبير، عن طريق تطوير الكرة المحلية وجلب نجوم عالميين للعب في بطولة دوري روشن أو الدوري السعودي لكرة القدم، والاستحواذ على نادي نيوكاسل الإنجليزي عن طريق صندوق الاستثمار السعودي، وغيرها من الأمور التي تهدف لتعزيز صورة السعودية أمام العالم كعنصر فاعل في المشهد الرياضي العالمي.
وعقدت شركة النفط العربية السعودية أرامكو الأكبر في العالم من ناحية القيمة السوقية شراكة مع الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا، لتصبح شريكاً رسمياً في مجال الطاقة، وداعماً للأحداث الكبرى ككأس العالم لكرة القدم للرجال 2026، وكأس العالم للسيدات 2027.
وتعد السعودية في حال نيلها شرف استضافة كأس العالم 2034، بالتركيز على الاستدامة البيئية باعتبارها أحد الركائز الأساسية لملف الترشح، وبناء إرث بيئي مستدام من شأنه أن يلهم أجيال المستقبل، بخفض الانبعاثات الكربونية وإعادة تدوير وإزالة الكربون، وغيرها من الأمور التي تستثمر السعودية فيها لإحداث تأثير إيجابي وتعزيز الاستدامة البيئية.
"معًا ننمو"، هو شعار الملف السعودي لاستضافة كأس العالم، وهو المعبر بوضوح عن رغبة السعودية في الظهور بشكل قوي أمام العالم، واستغلال البطولة لتحقيق المزيد من النمو، والإضافة لما تحقق بالفعل في السنوات الأخيرة.
وكما كتبت في ملفها، "تعيش المملكة العربية السعودية واحدة من أسرع قصص النمو وأكثرها تطورًا في كرة القدم وندعو الجميع للتعرف على أحد أعظم قصص التحول في العالم".
ويتضح من الملف السعودي رغبته الواضحة في تعزيز صورة المملكة عالمياً، لجذب المزيد من الانتباه الإعلامي العالمي لقدرة الدولة على تنظيم الأحداث الدولية، بخلاف زيادة الاستثمارات العالمية في المنطقة، وتدفق مليارات الدولارات التي ستساعد فيما تصبو السعودية إليه، وهو تنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط.