تشير الأبحاث العلمية إلى أن لغتنا اليومية، سواء في المحادثات العابرة أو الرسائل النصية أو المنشورات على الإنترنت، يمكن أن تكون نافذة تكشف عن جوانب عميقة في شخصياتنا.
جميعنا نمتلك سمات شخصية تميزنا، لكن عندما تتحول هذه السمات إلى أنماط جامدة ومتطرفة تسبب معاناة دائمة وتعيق علاقاتنا، قد نتحدث هنا عن اضطراب في الشخصية. وهذه الاضطرابات، كالنرجسية أو الشخصية الحدية، تترك بصمات واضحة في طريقة كلامنا وكتابتنا.
اللغة كمرآة غير مقصودة
المثير أن هذه البصمات اللغوية تظهر غالبا دون قصد. فعند تحليل رسائل القاتل المتسلسل النمساوي جاك أونتيرويجر، الذي يعد حالة نرجسية خبيثة، لوحظ تركيز غير عادي على الذات باستخدام متكرر لـ"أنا" و"لي"، مع نبرة عاطفية باردة. وبالمثل، أظهرت رسائل القاتل الأمريكي دينيس رادر لغة متعالية ومنفصلة عن الواقع.
ومن خلال تحليل لغوي حاسوبي دقيق لآلاف النصوص والمحادثات، توصل الباحثون إلى أن الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات شخصية يستخدمون لغة تتميز بـ:
والهدف من ملاحظة الأنماط اللغوية ليس التشخيص أو إصدار الأحكام، بل تطوير حساسية أدق لتقلبات اللغة التي قد تحمل إشارات خفية. وعندما تتحول لغة شخص فجأة إلى إلحاح غير معتاد، أو سلبية متطرفة، أو أحكام قاطعة (دائما/أبدا)، أو انطوائية مع انفصال عن الآخرين، فقد تكون هذه نافذة تشير إلى معاناة داخلية.
وفي علاقاتنا اليومية – سواء في التعارف، الصداقة، أو حتى التفاعلات الرقمية – يساعدنا تنبهنا للغة المشحونة بالعدائية، أو السوداوية المفرطة، أو الجمود في التعبير العاطفي والفكري على تمييز إشارات مبكرة قد تستدعي الانتباه أو الحذر. وهذا مهم خاصة مع الأنماط التي تحمل سمات مضطربة مثل النرجسية أو الافتقار إلى التعاطف.
وبحسب الخبراء فإنه يمكننا التركيز على أربعة مؤشرات مترابطة تكمل بعضها في الأنماط اللغوية:
وهذه المؤشرات تصبح ذات دلالة حقيقية عندما تظهر معا بشكل متراكم، وتكون مستمرة عبر الوقت وليس مجرد لحظات غضب عابرة. فالنمط المتكامل لهذه العناصر هو ما يقدم صورة أدق عن الحالة الداخلية للشخص، وليس الكلمة المنفردة أو الموقف الواحد.
ولكن يجب الحذر من أن الكلمة الواحدة لا تصنع نمطا، والناس قد يستخدمون تعبيرات قوية عند الغضب العابر أو بالمزاح. والأهم هو تراكم النمط عبر الوقت: استمرارية النبرة العاطفية، تكرار المواضيع السلبية، وثبات العادات اللغوية الدالة.
وفي النهاية، فإن الأمر لا يتعلق بتحويل اللغة إلى فحص طبي، بل باستخدامها كجسر للتواصل والتعاطف، وكمرشد يزيد من وعينا بمن حولنا وبأنفسنا.
المصدر: ساينس ألرت
المصدر:
روسيا اليوم