تحوّلت قلادة دائرية صغيرة، بالكاد أكبر من قطعة نقدية، إلى محور عاصفة رقمية ضربت شوارع نيويورك ومواقع التواصل.
فالجهاز الذي طُرح ليكون "رفيقاً ذكياً" داعماً للمستخدمين، أصبح فجأة رمزاً لمخاوف عميقة من تغوّل الذكاء الاصطناعي على حياة البشر وعلاقاتهم.
فقد أطلق رائد الأعمال الشاب أفي شيفمان جهاز "Friend" على شكل قلادة ذكية تعمل كرفيق شخصي يعتمد على الذكاء الاصطناعي، تستمع للمستخدم وبيئته، وتقدّم دعماً عاطفياً أو محادثة قصيرة عبر تطبيق الهاتف.
جاءت الفكرة من ملاحظته لارتفاع معدلات الوحدة بين الشباب، ورغبته في أن يمتلك الجميع "صديقاً مقرّباً" يدعمهم في تفاصيل حياتهم اليومية، وفق "شبكة سي إن إن" الأميركية.
لكن الجهاز، الذي بدأ شحنه هذا الصيف، أثار ردود فعل حادة. فبعد حملة إعلانية ضخمة في مترو نيويورك وصلت كلفتها إلى مليون دولار، تعرّضت الإعلانات للتشويه والتمزيق، تحمل عبارات مثل: "الذكاء الاصطناعي ليس صديقك"، و"تحدث مع جارك"، و"الشركات تريد بياناتك لا صداقتك".
إذ أصبح الجهاز بالنسبة لمنتقديه رمزاً لمخاوف تقنية أكبر مثل استبدال العلاقات البشرية، وانتهاك الخصوصية، وجمع البيانات، إضافة إلى القلق من علاقات عاطفية غير صحية مع آلات.
وأتت هذه التحفظات والمخاوف الخصوصية في ظل قضايا عدة طالت شركات ذكاء اصطناعي أخرى، اتُّهمت منتجاتها بالتأثير السلبي على المستخدمين أو تشجيعهم على سلوكيات خطرة، ما زاد المخاوف من تطور العلاقات الرقمية على حساب العلاقات الإنسانية الحقيقية.
لكن مخترع الجهاز لم يتراجع، فقد وصف جهازه بأنه "يوميات تفاعلية" تحفظ مشاعر المستخدم، ويتوقع أن يصبح وجود رفيق ذكي جزءاً طبيعياً من الحياة اليومية خلال السنوات المقبلة، مؤكداً أن الجهاز مشفّر ولا يخزن بيانات حساسة، ويمكن تعطيل الاستماع بإغلاق التطبيق.
إلا أنه رغم اعترافه بأن بعض المستخدمين قد يعتمدون على الذكاء الاصطناعي بشكل مبالغ فيه، رأى أن الفوائد مثل زيادة الثقة بالنفس أو تخفيف التوتر تفوق المخاطر، مشدداً على أنه يتحمل مسؤولية تطوير هذا النوع من الرفقة الرقمية.
وبين مؤيد يعتبره حلاً للوحدة، ورافض يراه خطوة جديدة نحو "رقمنة المشاعر"، تبقى قلادة Friend مثالاً حيّاً على الاشتباك المتصاعد بين التكنولوجيا الحديثة واحتياجات الإنسان العاطفية في زمن الذكاء الاصطناعي.
المصدر:
العربيّة