في كل عام، في يوم السادس من نوفمبر، يهمس صوت في ضمير الإنسانية. إنه صوت الملايين، بل المليارات، من الحيوانات والكائنات التي سقطت دون أن يكترث بمصيرها أحد.
إنه "اليوم الدولي لإحياء ذكرى الحيوانات التي قتلها البشر"، مناسبة يعتقد المهتمون بحقوق الحيوانات أنها بمثابة وقفة للتأمل والاعتراف بثقل مسؤولية البشر الجماعية تجاه شركائهم على هذا الكوكب.
هذه الذكرى، التي أطلقتها منظمات حقوق الحيوان، هي أيضا بمثابة صرخة مدوية ضد الصمت الذي يحيط بالقسوة المنظمة التي تًمارس ضد المخلوقات الأخرى. إنها محاولة لتخليد قصص المعاناة التي غالبا ما تُطوى بين صفحات الإهمال البشري. هي محاولة لإعادة الاعتبار إلى تلك الأرواح التي سحقت تحت عجلة النشاط البشري بمختلف أنواعه.
لكي يُدرك حجم المأساة، يتوجب الغوص في عالم الأرقام، تلك الأرقام التي تبدو مجردة وجامدة لكنها في حقيقة الأمر شواهد صارخة على مأساة أبدية. إنها ليست أرقاما، بل هي في المحصلة، نعي جماعي صامت:
53 مليار حيوان تُقتل سنويا لتتحول إلى وجبات على موائدنا.
بين 100 إلى 150 مليون حيوان تدفع حياتها ثمنا للتجارب في المختبرات.
100 مليون حيوان تُسلخ سنويا من أجل فرائها لتلبية رغبات صناعة الأزياء.
467 نوعا من الحيوانات محيت من على وجه الأرض إلى الأبد بين عامي 2010 و2020 بسبب أخطاء البشر.
انخفاض عدد الحيوانات البرية في العالم بنسبة 60% خلال الأربعين عامًا الماضية، مؤشر صارخ على تدهور النظم البيئية.
هذه الأرقام ليست حصرية، فالصيد الترفيهي يزهق أرواح 1.75 مليون حيوان بري في الولايات المتحدة وحدها خلال عام، وتقاليد محلية واحدة في جزر فارو تودي بحياة 1428 دلفينا وحوتا في يوم واحد!
علاوة على كل ذلك، تلتهم النيران، التي تفاقمت بسبب تغير المناخ الناجم عن نشاطنا، حياة 3 مليارات حيوان في حرائق أستراليا الأخيرة. إنها حرب صامتة مدمرة.
في مفارقة مأساوية، يلفت المهتمون بحياة الحيوانات إلى ما يعدونها مفارقة مأساوية تتمثل في نسيان الحيوانات التي زُج بها في ساحات الحروب. في ساحات القتال منذ القدم، لم يكن الجنود وحدهم هم الأبطال. شاركت الحيوانات في الملاحم وقام بعضها بأدوار لافتة في تاريخ الصراعات البشرية.
في الحرب العالمية الأولى وحدها، قُتل 8 ملايين حصان من أصل 10 ملايين خدموا في نقل الجنود وسحب المعدات. وكانت الكلاب، بعدد يزيد عن 20 ألفا الجيش البريطاني، أبطالا حقيقين؛ تنقلت في الخنادق حاملة الإمدادات الطبية، وحتى أن "كلاب الرحمة" كانت تقدم العزاء للجنود في لحظاتهم الأخيرة. حتى القطط، بعدد نصف مليون، حاربت بطريقتها الخاصة بالسيطرة على أعداد الفئران التي كانت تنقل الأمراض وتدمر المؤن.
لم تكن التضحية تقتصر على الأرض؛ فالحمام الزاجل، الذي خدم منها 100 ألف في المجهود الحربي، كان شريان التواصل الحيوي، محملا بالرسائل وحتى بكاميرات بدائية لاستطلاع. بل إن الرخويات والديدان المتوهجة قدمت خدمات لا تقدر بثمن، من اكتشاف الهجمات بغاز الخردل القاتل إلى إضاءة الخرائط في ظلمات الخنادق. جميع هذه الحيوانات بمختلف أحجامها عانت من وحول الخنادق، وضحت من أجل البشر الذين لم يكترثوا لها وبأفضالها.
يرى منظمو هذه المناسبة أن إحياء هذه الذكرى هو اعتراف بأن الحيوانات ليست مجرد "موارد" أو "سلع" أو "طفيليات"، بل هي كائنات حية، لديها عالمها الخاص، وهي قادرة على الشعور بالألم والإحساس بالمعانة والفرح. الحيوانات شركاء في الحياة على هذا الكوكب.
أنصار حقوق الحيوانات يرون أن النصب التذكارية والأفلام الوثائقية والتعبير الرمزي عن الامتنان كلها أشياء رائعة، لكنها لا تكفي. السؤال الحقيقي بالنسبة لهم هو: هل يمكننا تحويل ذكرى الألم إلى دافع للتغيير؟ هل نستطيع بناء علاقة جديدة مع المخلوقات الأخرى تقوم على احترام الحياة، بدلا من الاستغلال المفرط والافتراس الدائم؟
الجواب بين أيدي البشر. إنه في خياراتهم اليومية: فيما يأكلون، وما يلبسون، وفي كيفية استهلاكهم، ومدى قدرتهم على الدفاع عن حقوق من لا صوت لهم. أصدقاء الحيوانات يعتقدون أن "إنسانية" البشر تكتمل فقط حين يتم الاعتراف بقيمة الحياة في حد ذاتها، وليس بقيمة الفوائد التي يتم الحصول عليها من هذا وذاك.
المصدر: RT
المصدر:
روسيا اليوم
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة