آخر الأخبار

كيف تبدو الحياة داخل مدرسة رواد الفضاء المخفية داخل جبل في سويسرا؟

شارك
مصدر الصورة

في أعماق جبل سويسري، أمضت مجموعة من الطلاب جزءاً من الصيف في محاكاة لما قد تبدو عليه الحياة داخل قاعدة فضائية على سطح القمر. انضمت إليهم هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" قبل "المهمة".

ما هو حلم طفولتك؟ بالنسبة للبعض، كان حلمه أن يصبح رائد فضاء.

هناك عدد قليل من الوظائف التي تحلم بها والتي يصعب تحقيقها.

تقول كاتي مولري، طالبة ماجستير أمريكية في هندسة الطيران والفضاء في المعهد العالي للملاحة الجوية والفضاء "إيساي-سوبيرو"، ومقره بمدينة تولوز في فرنسا: "أتذكر عندما كنت أحاول لأول مرة أن أقرر أنني أريد أن أصبح رائدة فضاء، كنت أفكر: كيف أفعل ذلك؟".

وتضيف الفتاة التي تبلغ من العمر 24 عاماً: "كنت أبحث عن الجامعة التي يمكنني الالتحاق بها، وما يمكنني دراسته. وفي الحقيقة، لم يكن هناك مسار واضح".

مولري هي أيضاً قائدة مشروع في أسكليبيوس Asclepios. وهي أول وأكبر مبادرة فضائية دولية يقودها الطلاب في العالم، وتُجري سنوياً مهام محاكاة فضائية.

شاركت في مهمة أسكليبيوس الثانية في عامي 2021 و2022 كـ"رائدة فضاء محاكية (متدربة)"، حيث نفذت مهمة محاكاة في أعماق جبل سويسري. ومنذ عام 2024، ساهمت في تنظيم مهمة أسكليبيوس الخامسة.

وتُوجت هذه المهمة بقيام طاقم من تسعة طلاب دوليين، بقضاء أكثر من أسبوعين معزولين، في أعماق قلعة غوتهارد العسكرية السرية للغاية في تيسينو، سويسرا، من نهاية يوليو/ تموز إلى أغسطس/ آب من هذا العام.

محاكاة قاعدة على سطح القمر

في الأساطير اليونانية، أبولو هو إله الشمس والرماية والمعرفة والنبوءة والشعر والموسيقى. وتقول الأسطورة إنه كان يحلق في السماء بعربته الذهبية التي تجرها الخيول. ألهمت هذه الرؤية الأنيقة آبي سيلفرشتاين، مدير تطوير رحلات الفضاء في وكالة ناسا خلال ستينيات القرن الماضي، لإطلاق اسم أبولو على برنامج رحلات الفضاء المأهولة بهدف الوصول إلى القمر.

تقول مولري: "أسكليبيوس هو ابن أبولو. إنه أشبه باتباع خطى برنامج أبولو والعودة إلى القمر".

مصدر الصورة

عندما وصلتُ لأول مرة إلى قاعدة "ساسو سان غوتاردو" الجبلية للقاء الطاقم، ومعرفة المكان الذي سيُعيدون فيه بناء منصة إطلاق الصواريخ وقاعدتهم القمرية، لم أتمكن من العثور عليها.

بين الضباب الكثيف الذي يلفّ المكان، وكونه مخبأً تحت جبال الألب، كان واضحاً سبب قيام الحكومة السويسرية - على الرغم من سياستها الحيادية - ببناء حصن هنا خلال الحرب العالمية الثانية. شبكة من الأنفاق محفورة في الجبل بطول 3.5 كيلومتر، وتظل درجة حرارتها ثابتة على مدار العام عند 6 درجات مئوية، على ارتفاع 2,000 متر. ولا يزال الحصن مزوداً بمدفعين، كانا قادرين على إصابة أهداف على بُعد أكثر من 26 كيلومتراً أثناء الخدمة.

يبدو السير على طول النفق، من المدخل المُدمج في جبل غوتهارد الصخري إلى حيث التقيت بمولري، وكأنه رحلة لا نهاية لها، كحلم مُربك.

اختير هذا المكان المُظلم والبارد والضيق عمداً، ليُمثل قاعدة تقع داخل أحد "كهوف" القمر (في الواقع أنفاق الحمم القمرية).

صُممت هذه الأنفاق لمحاكاة شكل السكن البشري خارج الأرض، ولاستكشاف كيفية تصرف الناس أو تفاعلهم مع الظروف القاسية للقمر أو المريخ، التي تُمثل تحديات تكنولوجية وجسدية ونفسية مُعقدة.

مصدر الصورة

توضح مولري: "الأمر يتعلق بفهم هذه التحديات والقدرة على دراستها هنا على الأرض، حتى تكون وكالات الفضاء أكثر استعداداً لدعم رواد الفضاء عند انطلاقهم إلى الفضاء".

وأضافت: "أعشق استكشاف رحلات الفضاء البشرية. هدفي هو المساعدة في تحسين حياة رواد الفضاء، ربما أن أصبح رائدة فضاء يوماً ما".

تتكون مبادرة أسكليبيوس من حوالي 60 شخصاً من دول مختلفة. وقد أُنشئت لإعطاء الطلاب من جميع أنحاء العالم فكرة عن تجربة التقديم ليصبحوا رواد فضاء والذهاب إلى الفضاء، مُحاكيةً بذلك عمليات الاختيار والتدريب في وكالة الفضاء الأوروبية (إيسا) ونظيرتها الأمريكية ناسا.

على مدار العام، يجتمع المشاركون لتلقي تدريب شخصي على بيئات قاسية (بما في ذلك رحلات سير ليلية في جبال الألب خلال الشتاء، أو الغوص في مياه باردة تحت بحيرة متجمدة)، والانضمام إلى رحلة مكافئة في انعدام الجاذبية، وتعلم مهارات الاستجابة الأولية والبقاء والإنقاذ.

كما يتلقون محاضرات حول علم نفس الفضاء، ويستمعون إلى رواد فضاء ذوي خبرة.

تقول مولري: "نأمل أن يُلهم هذا الناس ويخلق فرصاً للطلاب لدخول مجال الفضاء في أي دور يهتمون به، والمضي قدماً ليصبحوا محترفي الفضاء الجدد في المستقبل".

مصدر الصورة

ولهذا السبب، تقدّم ماتيوس ماغالهايس، الطالب البالغ من العمر 27 عاماً، وهو في سنته الأولى من برنامج الدكتوراه في هندسة الطيران والفضاء في المعهد العالي للملاحة الجوية والفضاء "إيساي-سوبيرو" بطلب الانضمام إلى مهمة أسكليبيوس الخامسة.

أخبرني، وهو برازيلي الأصل، أنه كان شغوفاً بالطائرات منذ صغره. ويضيف: "ثم في سن الثانية عشرة أو الثالثة عشرة تقريباً، اكتشفتُ إمكانية العمل مع الصواريخ، وأنّ رائد الفضاء مهنة حقيقية أيضاً".

في مهمة أسكليبيوس هذه، كُلّف ماغالهايس بدور القائد، أي الشخص المسؤول عن الإشراف على "القاعدة القمرية" والطاقم.

على الرغم من أن جميع رواد الفضاء المحاكين (المتدربين) الآخرين لديهم أدوار محددة ومشتركة، إلا أنه المسؤول في النهاية عن اتخاذ القرار النهائي.

يقول ماغالهايس: "هناك عمليات محاكاة أخرى للقمر أو المريخ، لكن معظمها مدفوع الأجر، وهي باهظة الثمن. لذا، فهي ليست دائماً متاحة للطلاب".

من الجوانب الفريدة لمبادرة "أسكليبيوس" أنها توفر التجربة مجاناً لمن يتم اختيارهم للمشاركة. وبصفتهم جمعية غير ربحية، يعتمدون كلياً على التبرعات والتمويل الجماعي والرعاية في عملهم، ما يُبقي مولري وزملاءها مشغولين طوال العام.

الجميع في حالة من النشاط في مركز التحكم في المهمة (MCC)، حيث يقوم ما بين 25 إلى 30 طالباً بإدارة عمليات مهمة المحاكاة العائدة من كوكب الأرض. ينبض الحماس في الأجواء قبل لحظات من بدء العد التنازلي للإطلاق. يُعلن عبر مكبرات الصوت: "خمسة، أربعة، ثلاثة، اثنان، واحد... إشعال!" الانطلاق الرسمي للمهمة.

بعد الانطلاق، يسافر رواد الفضاء المحاكون ليوم واحد للوصول إلى القمر. "صاروخهم" عبارة عن غرفة صغيرة تحتوي على بعض أسرّة التخييم فقط، ولا يوجد مرحاض، لذا فهم بحاجة إلى ارتداء حفاظات.

مصدر الصورة

بمجرد الهبوط، يدخلون "القاعدة القمرية"، التي ستكون موطنهم لمدة 16 يوماً. في مساكن صغيرة بمرحاض واحد، سيتناول الطاقم المكون من تسعة أفراد "طعام رواد الفضاء" المجفف، وسيجرون مجموعة من التجارب العلمية التي كانوا يستعدون لها.

على الرغم من أن القاعدة هي المكان الذي سيقضون فيه معظم وقتهم، سيخوض رواد الفضاء، في مرحلة ما، أنشطة خارج المركبة (EVAs) لمحاكاة السير على سطح القمر، بكامل معداتهم وبدلاتهم الفضائية. وهنا تبرز أنفاق "ساسو سان غوتاردو"، التي تُمثل أنفاق حمم بركانية تُشبه أنفاق القمر.

هذا العام، سيتجنب رواد الفضاء أشعة الشمس تماماً طوال المهمة. حتى عمليات محاكاة "السير على القمر"، عندما يخرجون من القلعة لاستكشاف الجبال، ستُجرى ليلاً، مُهيئين إياهم لظروف مماثلة في القطب الجنوبي للقمر.

من أهم التجارب العلمية التي سيجريها الطاقم دراسة تأثير الظلام المستمر، ومراقبة تأثير نقص الضوء الطبيعي على جودة نومهم، ومزاجهم، وإيقاع ساعتهم البيولوجية، وصحتهم العامة.

تتعاون مهمة أسكليبيوس سنوياً مع أكاديميين وباحثين في هذا المجال، لإجراء تجارب علمية خلال مهمات المحاكاة.

يقود هذا المشروع تحديداً - "كرونويسبازيو" أو إيقاعات الساعة البيولوجية والنوم في الفضاء المُحاكي - الباحثة الرئيسية، ماريا كوماس سوبراتس، وهي باحثة في علم الأحياء الزمني والنوم في مستشفى جامعة فيتوريا-غاستيز في إسبانيا، إلى جانب أكاديميين آخرين من إسبانيا وأستراليا وسويسرا.

وتقول كوماس: "من المُلهم أن نرى كيف يُمكن لمبادرة طلابية مثل أسكليبيوس أن تُشرك باحثين من مختلف البلدان للتعاون".

لهذا الغرض، يرتدي رواد الفضاء المحاكون أجهزةً تُوضع على المعصم لتتبع نومهم ودرجة حرارة أجسامهم قبل انطلاقهم، وسيواصلون القيام بذلك خلال مهمتهم.

تتطلب التجربة جمع عيناتٍ بانتظام من الطاقم لقياس الميلاتونين والتعبير الجيني للساعة البيولوجية لديهم.

ستُنشر النتائج في مجلات علمية وتُعرض في مؤتمرات، ويُؤمل أن تُسهم هذه النتائج في صياغة استراتيجياتٍ مستقبلية لدعم صحة رواد الفضاء، وقد تُفيد أيضًا الأشخاص على الأرض الذين يعانون من اضطراب الساعة البيولوجية، مثل أولئك الذين يعملون في بيئاتٍ ذات طبيعة خاصة كالمستشفيات، أو العاملين في نوبات ليلية، أو المسافرين لمسافاتٍ طويلة. (ملاحظة: نُشر التقرير الأول من المهمة في أوائل أكتوبر/ تشرين الأول).

يلعب ماثيو أسيفسكي، وهو باحث بريطاني يبلغ من العمر 23 عاماً، حاصل على درجة الدكتوراه من إمبريال كوليدج لندن، دور ضابط علمي خلال المهمة. وفي خضمّ الاستعدادات، يجلس معي ليخبرني المزيد عن مشاركته في البرنامج حتى الآن.

يقول أسيفسكي: "خلفيتي نظرية بحتة. حصلت على شهادة في الفيزياء، وأُحضر الآن لنيل درجة الدكتوراه في فيزياء البلازما الفضائية. يتيح لي برنامج أسكليبيوس فرصة القيام بمهمة عملية حقيقية، وهي فرصة رائعة لمن يرغب في الانخراط في أبحاث رحلات الفضاء أو تجربة مهمة فضائية مأهولة".

شملت دراساته حتى الآن البحث في كيفية تفاعل الجسيمات القادمة من الشمس، مع الكواكب على الأطراف الخارجية لنظامنا الشمسي.

يقول أسيفسكي: "لقد كانت هذه تجربة خلاقة بالنسبة لي، واحدة من أفضل تجارب حياتي. لقد منحتني هذه التجربة مزيداً من الوضوح بشأن ما أرغب في القيام به. بعد إكمال برنامج أسكليبيوس، أميلُ بصدقٍ أكثر نحو الجانب البحثي المتعلق برحلات الفضاء البشرية، متعلماً المزيد عن كيفية تحسين رحلات الفضاء البشرية في المستقبل، أو ربما حتى المشاركة في مركز تحكم فعلي في البعثات الفضائية".

سيحتفل ماثيو أسيفسكي إلى جانب لورين فيكتوريا بولسون، طالبة الدكتوراه البريطانية-الأمريكية البالغة من العمر 22 عاماً في هندسة الفضاء الجوي في معهد جورجيا للتكنولوجيا، بعيد ميلادهما خلال المهمة، معزولين عن العالم الخارجي.

بولسون هي المهندسة الأساسية للطاقم، حيث تُعنى بحل أي مشاكل ميكانيكية أو تقنية أو تتعلق بالأجهزة. إلى جانب قيادة الطائرات والغوص تحت الماء، تهتم بولسون بالبيئات القاسية، وخاصةً تحسين ظروف عيش البشر فيها.

ولا يوجد ما هو أكثر قسوةً من الفضاء.

تقول: "من الأمور الرائعة في الفضاء استحالة إهدار أي شيء، حتى قطرة ماء واحدة. يجب أن تكون فعالاً للغاية".

وتضيف: "إذا استطعنا تصميم أشياء للفضاء، فسنتمكن من تقليص حجم تلك التقنيات وتصميمها للأشخاص الذين يعيشون في بيئات شديدة البرودة، والصحاري، والمناطق شحيحة المياه، وتمكين البشرية من العيش في كل هذه البيئات القاسية في العالم. كيف نبني مواطن طبيعية في ظل تزايد المناخات قسوة عاماً بعد عام؟".

تعتقد بولسون أن مهمات الفضاء يمكن أن تُحدث آثاراً ملموسة هنا على الأرض، مما يساعدنا على تعلم كيفية إعادة تدوير المواد المختلفة، وتقليل كميات المياه المستخدمة في الزراعة، أو زيادة إنتاج النباتات إلى أقصى حد.

"بدأت العديد من التقنيات في الفضاء الخارجي، ثم شقت طريقها لتلبية احتياجاتنا على الأرض. لم تكن أجهزة الكمبيوتر لدينا لتكون على ما هي عليه الآن لولا الفضاء الخارجي، فجميع هواتفنا المحمولة تستخدم الأقمار الصناعية في الفضاء الخارجي".

عندما سألتها عن كيفية تعاملها مع صعوبات الاستعداد لمهام الفضاء المحاكية (أو الحقيقية)، أخبرتني أنها مرتاحة للشعور بعدم الراحة.

تقول: " في كل مرة تتجاوز فيها حدود منطقة الراحة الخاصة بك، تصبح أكثر شبهاً برائد الفضاء، وأعتقد أنك تصبح شخصاً أفضل وأكثر مرونة".

كان الطلاب متحمسين للغاية ومنشغلين بتحضيرات اللحظة الأخيرة قبل إقلاعهم، فلم يلاحظوا أنني أغادر "قاعدتهم القمرية".

بينما كنت أخرج من النفق وأحاول أن تتأقلم عيني على ضوء النهار، تساءلت ما إذا كانوا سيغامرون يوماً ما بالخروج من قاعدتهم، لاستكشاف عالم آخر غير عالمنا.

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار