تصنف منطقة دونكيرك (Dunkirk) الفرنسية التابعة لإقليم نور (Nord) كمنطقة استراتيجية هامة بفضل موقعها الجغرافي حيث تقع الأخيرة عند بحر الشمال على مقربة من الأراضي البلجيكية وتتواجد على بعد نحو 50 كلم من السواحل البريطانية. أيضاً، تتميز هذه المدينة بيومنا الحاضر بامتلاكها لثالث أكبر ميناء بفرنسا بعد كل من مرسيليا ولوهافر.
وقبل أن تصبح أرضاً فرنسية، تنقلت دونكيرك بين أيادي العديد من القوى الأوروبية حيث هيمنت عليها في السابق إسبانيا والأراضي المنخفضة وإنجلترا قبل أن تباع لفرنسا من خلال صفقة أثارت حالة من الغضب لدى الإنجليز.
ومنذ فترة شارلكان، مثلت دونكيرك جزءاً من ممتلكات إسبانيا بمناطق الأراضي المنخفضة الإسبانية. وخلال حرب الثلاثين عاماً، لم تتردد فرنسا، بفترة حكم لويس الثالث عشر، سنة 1635 في دخول الحرب ضد الإسبان لتتحول بذلك مناطق الأراضي المنخفضة الإسبانية لمسرح معارك ضارية. وبهذه الحرب، نجح الفرنسيون في السيطرة على دونكيرك سنة 1646 قبل أن يخسروها سنة 1652 لصالح الإسبان.
وبحلول العام 1654، دخل الإنجليز، بقيادة أوليفر كرومويل (Olivier Cromwell)، الحرب ضد الإسبان. وعقب مفاهمة بين الطرفين أبرمت خلال شهر مارس (آذار) 1657، باشرت القوات المشتركة الفرنسية والإنجليزية بمهاجمة المواقع الإسبانية المحصنة بدونكيرك. وعقب معركة دون (Dunes) خلال يونيو (حزيران) 1658، استسلمت دونكيرك لتقع بذلك في يد الفرنسيين والإنجليز. وبناء على المعاهدة المبرمة بين الطرفين سابقاً، وافق الفرنسيون على منح دونكيرك للإنجليز. وعقب معاهدة السلام الفرنسية الإسبانية عام 1659، تحولت دونكيرك بشكل رسمي لمنطقة إنجليزية.
وعقب وفاة كرومويل عام 1658 وعودة الملك تشارلز الثاني واستلامه للحكم سنة 1660، عانت إنجلترا من أزمة مالية خانقة حيث كانت خزينة البلاد شبه فارغة. وأملاً في ملئها مجدداً، اقترح المستشار إدوارد هيد (Edward Hyde) على الملك تشارلز الثاني بيع دونكيرك للفرنسيين مؤكداً أن تلك المنطقة تكلف خزينة الدولة سنوياً ما يقارب مليون جنيه.
ووسط حالة من الغضب بالبرلمان الإنجليزي، انطلقت المفاوضات بين إنجلترا وفرنسا سنة 1662 لبحث إبرام صفقة بيع دونكيرك. وبتلك الفترة، قاد إدوارد هيد الوفد المفاوض الإنجليزي. وبادئ الأمر، طالب الإنجليز بالحصول على مبلغ 12 مليون جنيه فرنسي للتفريط بدونكيرك. إلى ذلك، رفض الفرنسيون الأمر مؤكدين أنهم لن يدفعوا أكثر من مليوني جنيه. أمام هذا الوضع، خفض إدوارد هيد السعر المقترح وعرض بدلاً من ذلك مبلغ 7 ملايين جنيه. ومرة أخرى، رفض الفرنسيون الأمر واقترحوا مبلغ 4 ملايين جنيه تدفع منها مليوني جنيه على عين المكان بينما يتم تقسيم بقية المبلغ على عامين.
وفي النهاية، اتفق الطرفان على مبلغ 5 ملايين جنيه فرنسي، أي ما يعادل نحو 350 ألف جنيه إسترليني حينها، مقابل تفريط إنجلترا في دونكيرك وجميع التحصينات الأخرى القريبة منها.
وأواخر سبتمبر (أيلول) 1662، أبرم اتفاق بيع دونكيرك وسط حالة من الغضب بالبرلمان الإنجليزي. وبحلول ديسمبر (كانون الأول) 1662، غادر آخر الجنود الإنجليز دونكيرك تزامناً مع قدوم الملك الفرنسي لويس الرابع عشر شخصيا لاستلامها.
خلال السنوات التالية، تحول إدوارد هيد لشخصية مكروهة وفقد الثقة بالبرلمان بسبب صفقة دونكيرك. فضلاً عن ذلك، صادر البرلمان جميع ممتلكاته وأصدر أمرا بطرده من البلاد. وأمام هذا الوضع، لجأ إدوارد هيد نحو فرنسا التي قضى بها بقية حياته وتوفي بها سنة 1674.