آخر الأخبار

هل تمتد ظاهرة "سي السيد" إلى عالم الحيوان فعلا؟

شارك

لطالما ارتبطت صورة "الذكر المسيطر" أو ما يُعرف شعبيا بـ"سي السيد" في المخيال الأدبي والاجتماعي بالإنسان وحده، لكن السؤال الذي يطرحه الباحثون اليوم: هل يقتصر هذا النمط من الهيمنة على المجتمعات البشرية فقط، أم أن له امتدادا وجذورا في عالم الحيوان أيضا؟

وتمثل شخصية "سي السيد" التي أبدعها الروائي المصري نجيب محفوظ في ثلاثيته الشهيرة "بين القصرين" و"قصر الشوق"، و"السكرية"، نموذجا للزوج المتحكم والمتسلط على أسرته والذي يفرض هيبته وقوانينه الصارمة على زوجته وأبنائه. وقد تحولت هذه الشخصية إلى أيقونة ثقافية ترمز للذكر المتحكم.

مصدر الصورة الفنان المصري الراحل محمود مرسي مؤديا شخصية "سي السيّد" الشهيرة في مسلسل "بين القصرين" (مواقع التواصل الإجتماعي)

دراسة حديثة أجراها باحثون من فنلندا وفرنسا تكشف أن ميزان القوة بين الذكور والإناث في الطبيعة أعقد بكثير مما كان يُتصور، وأن السيطرة ليست دائما حكرا على الذكور كما اعتُقد لعقود طويلة.

اقرأ أيضا

list of 2 items
* list 1 of 2 بعد 30 عاما من ارتكاب الجريمة.. محاكمة المتهم بقتل تلميذة فرنسية
* list 2 of 2 حلاق تركي ينقذ حياة مراهق بريطاني بعد اكتشافه ورما سرطانيا بالصدفة end of list

السيطرة ليست حكرا على الذكور

يقول الباحثان نيكوس سميت، المتخصص في علم البيئة السلوكي بجامعة توركو الفنلندية، وإيليز هوشارد من جامعة مونبيليه الفرنسية، إن الفهم العلمي لميزان القوة بين الذكور والإناث في المجتمعات الحيوانية شهد تغيرا مع مرور الزمن. ففي بدايات أبحاث علم الأحياء التطوري، كان الاعتقاد السائد أن الذكور تهيمن على الإناث بشكل مطلق في عالم الحيوان، وأن أي استثناءات -مثل إناث الضباع التي تقود القطعان أو بعض قردة الليمور التي تتزعم الجماعة- لا تعدو كونها حالات نادرة تؤكد القاعدة العامة القائلة إن الذكر هو الزعيم في المجتمعات الحيوانية.

وأوضح الباحثان، في تصريحات لموقع "ذا كونفرسيشن" المتخصص في الأبحاث والتحقيقات العلمية، أن هذه الفرضية التقليدية كانت مبنية على أساس أن الذكور والإناث يتنافسون على موارد مختلفة؛ فالذكور تقاتل من أجل الظفر بالإناث، فيما تنشغل الإناث بالصراع لتأمين الغذاء. لكن الدراسات المتعمقة ومحاولات اختبار هذه الفكرة عبر تتبع مجتمعات الثدييات والرئيسيات وبعض القردة العليا، أظهرت أن الصورة ليست بتلك البساطة.

إعلان

وتبين من نتائج الدراسة، التي شملت عددا واسعا من فصائل الثدييات، أن الذكور تسيطر بشكل كامل على الإناث في 25 فصيلة فقط، بينما برزت هيمنة الأنثى في 16 فصيلة أخرى. أما في نحو 70% من الفصائل التي جرت دراستها، فلم تُرصد هيمنة واضحة لأي من الجنسين، بل ظهر أن معظم الإناث في فصائل الرئيسيات قادرات على منافسة الذكور بشكل مباشر بل والتغلب عليها في العديد من الأحيان.

الماندريل والغوريلا تكسر القاعدة

وأظهر البحث أن ميل كفة الحجم والقوة الجسدية لصالح الذكور في معظم الأنواع الحيوانية ليس دائما معيارا حاسما للسيطرة والهيمنة. فعلى سبيل المثال، إناث قرود الماندريل أصغر حجما بكثير من الذكور، ومع ذلك فهي قادرة على فرض سيطرتها عليهم. ويشير الباحثان إلى أن مجتمعات الغوريلا تمثل حالة مثيرة للاهتمام في هذا السياق.

فالغوريلا لطالما اعتُبرت نموذجا صارخا لهيمنة الذكر على الأنثى بين فصائل الرئيسيات. لكن متابعة دراسات استمرت 25 عاما للغوريلا الجبلية في أوغندا أظهرت أن إناث الغوريلا تستند في فرض هيمنتها أحيانا إلى دعم الذكور الأكبر حجما في الجماعة، وأحيانا أخرى تعتمد على قدراتها الفردية لإخضاع بعض الذكور الأصغر.

دور العوامل الاجتماعية والبيئية

وتؤكد التحليلات المقارنة بين الفصائل المختلفة أن ميزان القوة بين الجنسين في عالم الحيوان لا يقتصر على القوة الجسدية فقط، بل إن الإناث غالبا ما تعتمد على إستراتيجيات أخرى لاكتساب النفوذ داخل الجماعة. وعادة ما يزداد نفوذ الإناث في الفصائل أحادية الأزواج، أو في الأنواع التي تقل فيها الفروق الحجمية بين الذكور والإناث البالغين، أو التي تعيش بالأساس على الأشجار، حيث تمنح هذه الظروف فرصا أكبر للأنثى للسيطرة على عملية التكاثر.

وفي المقابل، يظل الذكور في موقع الهيمنة في الفصائل التي يتزاوج فيها الذكر مع أكثر من أنثى، أو في الأنواع التي يتمتع فيها الذكور بفوارق جسمانية واضحة أو أسلحة طبيعية قوية مثل المخالب والأنياب. ومع ذلك، حتى في هذه الحالات، لا توجد خطوط فاصلة تؤكد أن السيطرة حكر مطلق على الذكور، أو أن الهيمنة للإناث بشكل دائم.

الذكر والأنثى وصراع الموارد

وأشارت الدراسة إلى أن الذكور والإناث في الفصيلة الواحدة غالبا ما تتنافس مباشرة على الموارد الحيوية، وأن نحو نصف الصراعات التي تنشأ داخل الجماعة الحيوانية تكون بين ذكر وأنثى. وأثبت العلماء أن ميزان القوة هو الذي يحدد أولوية الوصول إلى الغذاء الثمين، فإذا تمكنت أنثى من التغلب على ذكر، فإنها تفرض سيادتها عليه.

وشدد الباحثان نيكوس سميت وإيليز هوشارد على أن هذه النتائج تُعد بمثابة مراجعة مهمة للفهم التقليدي للعلاقة بين الجنسين في عالم الحيوان، لكنها في الوقت نفسه تطرح تحذيرا من المبالغة في تبسيط الظاهرة عبر اختزالها في القوة الجسدية وحدها، دون النظر إلى التعقيد الاجتماعي وتشابك العلاقات داخل الجماعات الحيوانية.

وبينما يمكن لهذه الأبحاث أن تسلط الضوء على طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة لدى الإنسان الأول، فإن الدراسة خلصت إلى أن النموذج البشري لا يشبه بالضرورة الأنماط السائدة لدى باقي الرئيسيات. فالإنسان، بحسب الباحثين، أقرب ما يكون إلى "فصيلة وسيطة" تتسم بالمرونة والاعتدال، بحيث لا تهيمن فيها المرأة ولا الرجل بشكل مطلق على العلاقة بين الجنسين، بل يخضع الأمر لعوامل اجتماعية وثقافية متشابكة ومتغيرة.

إعلان
الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار