من الطبيعي في أي أسرة أن يحدث جدال أو خلاف بين الوالدين، لكن آثار ذلك على الأطفال، مختلفة. فما الذي يمكن للوالدين القيام به للحد من الأضرار الناجمة عن خلافاتهم على أطفالهم؟
لا تعتبر العلاقات بين الوالدين وأطفالهما هي المؤثر الوحيد، إذ إن طبيعة العلاقة بين الوالدين أيضاً لها أثر كبير على نشأة الطفل من الجوانب كافة، بدءاً من الصحة النفسية والنجاح الأكاديمي وحتى العلاقات المستقبلية.
ولا يكون للجدل غير العنيف بين الأهل، في معظم الحالات، أي آثار سلبية على الأطفال، لكن عموماً فإن ما يحدث في المنزل يؤثر بشكل كبير وطويل الأمد على الصحة العقلية والتطور لدى الطفل.
تبدأ بعض المشكلات في الظهور عندما يصرخ الوالدان ويغضبان من بعضهما بعضاً، أو عندما يتجاهل أحدهما الآخر ويتوقف عن الحديث معه لمدة طويلة.
وتشير أبحاث بريطانية ودولية أجريت على مدى عدة عقود من خلال مراقبة أُسَر في منازلهم، ومتابعتهم لفترات طويلة، إلى أن الأطفال الذين شاهدوا خلافات الوالدين، قد تكون لديهم زيادة في معدلات ضربات القلب وإفراز هرمون التوتر.
كما بينت الأبحاث أنه قد تظهر على الرضّع والأطفال والمراهقين علامات تعطل تطور الدماغ، واضطرابات النوم، والقلق، والاكتئاب، واضطراب السلوك، وغيرها من المشاكل الخطيرة نتيجة للعيش في أسرة تشوبها خلافات حادة ومزمنة بين الوالدين. وقد تظهر هذه الآثار أيضاً عند الأطفال في الأسر التي يختلف فيها الوالدان بطريقة أقل حدة لكن بشكل مستمر.
وترى الدراسة أن هناك بعض المفاهيم غير الدقيقة حول ما يؤثر على الأطفال. على سبيل المثال، غالباً ما كان يُنظر إلى الطلاق أو الانفصال على أنهما سببان للتأثير السلبي على كثير من الأطفال.
لكن في بعض الحالات، يمكن أن تكون الجدالات بين الوالدين قبل وأثناء وبعد الانفصال هي المسؤولة عن ترك هذا الأثر السلبي لدى الأطفال، وليس الانفصال بحد ذاته.
في الوقت نفسه قد تلعب العوامل الوراثية أحياناً دوراً حاسماً في كيفية استجابة الأطفال للخلافات. كما تبيّن أن "الطبيعة" لها دور أساسي في صحة الطفل النفسية، إذ يمكن أن تسهم في ظهور مشكلات مثل القلق والاكتئاب والذُّهان - لكن مع ذلك فقد يكون للبيئة المنزلية والتنشئة أثر مهم أيضاً.
ويتنامى حالياً الاعتقاد بأن المخاطر الجينية الكامنة وراء ضعف الصحة العقلية يمكن أن تتفاقم أو تتحسن، بسبب الحياة الأسرية.
وتبدو جودة العلاقة بين الوالدين أساسية، سواء كانا يعيشان معاً أم لا، وسواء كان الأطفال مرتبطين بالوالدين وراثياً أم لا، على سبيل المثال، إذا وُلدوا باستخدام بويضات أو حيوانات منوية مُتبرَّع بها، أو عن طريق التبنّي.
من المهم أن ندرك أنه من الطبيعي تماماً للآباء والأمهات أن يتجادلوا أو يختلفوا مع بعضهم البعض. لكن عند انخراطهم في نزاعات متكررة وكبيرة دون العمل على حلها، يكون وضع الأطفال أسوأ. أما إذا كانت تلك الخلافات حول الأطفال، فقد يدفعهم ذلك للوم أنفسهم وتحميل أنفسهم المسؤولية عن الخلاف بين ذويهم.
كما قد يكون لذلك آثار سلبية على الأطفال، قد تشمل اضطراب النوم وتعطّل تطور الدماغ في وقت مبكر للرضّع، والقلق، ومشاكل السلوك للأطفال في مرحلة الدراسة الابتدائية، والاكتئاب، والمشاكل الأكاديمية، وغيرها من القضايا الخطيرة، مثل إيذاء النفس، للأطفال الأكبر سناً والمراهقين.
وتُظهر الأبحاث أن الضرر لا يقتصر على الأطفال الذين يعيشون في أسرة تسودها الخلافات بين الأهل، فالعلاقات السيئة يمكن أن تنتقل من جيل إلى جيل - ولذلك فإنها بمثابة حلقة مفرغة يجب كسرها إذا أردنا ضمان حياة إيجابية وسعيدة لجيل اليوم من الأطفال، والجيل القادم من الآباء والعائلات.
من الطبيعي أن يشعر الأهل بالقلق حيال التأثير الذي قد تحدثه المشاكل والخلافات فيما بينهم على أطفالهم. ومن الطبيعي أيضاً أن يحدث خلاف أو جدال بين الوالدين. لكن في الواقع، يستجيب الأطفال بشكل جيد عندما يشرح الوالدان ما حدث، أو يحلان خلافاتهما بطريقة ملائمة.
يشار إلى أنه عند حل الوالدين للخلافات بنجاح، يمكن للأطفال حينها تعلُّم دروس إيجابية مهمة من شأنها أن تساعدهم في التعامل مع عواطفهم وإنجاح علاقاتهم خارج دائرة الأسرة.