في إحدى ليالي عام 2016، كانت الفتاة البالغة 22 عاماً تهمّ بمغادرة متجر غوتشي في مدريد حيث تعمل كبائعة بعد انتهاء دوام عملها، عندما التقت بشاب "وسيم للغاية". هذه اللحظة كانت كافية لتغيّر حياة جورجينا رودريغز إلى الأبد، وتقلبها رأساً على عقب على الفور.
إذ إن ذلك الشاب الوسيم لم يكن سوى كريستيانو رونالدو، لاعب كرة القدم البرتغالي الشهير عالمياً، والذي كان في ذلك الوقت لاعباً في ريال مدريد (يلعب حالياً في فريق النصر السعودي).
منذ ذلك الحين، جمعتهما علاقة حب حوّلتها من بائعة ملابس فاخرة ليس بوسعها شراؤها على الأرجح، إلى إحدى أكثر الشخصيات ثراءً وشهرةً في عالمنا اليوم.
منذ دخولها إلى عالم الأضواء قبل نحو تسع سنوات حتى لحظة طلب رونالدو يدها يوم أمس، عندما انتشرت صورة خاتم الخطوبة الماسي بسرعة قياسية على الإنترنت، تحجز جورجينا رودريغز مكانة متقدمة جداً بين المشاهير حول العالم، حيث يمكن القول إنها ظاهرة فريدة للهوس الجماهيري بحياة المشاهير.
فما أن نشرت جورجينا صورةً لد رونالدو ويدها التي يزينها خاتم ألماس مع تعليق "نعم، في هذه الحياة وفي كل حيواتي"، حتى اجتاحت الإنترنت أخبارٌ ومنشورات حول الموضوع. وانصرفت بعض المنصّات والصفحات لتقدير سعر الخاتم الذي يعتقد البعض أنه يتراوح بين بين 10.9 و13 مليون دولار أمريكي، ويُعتقد أنه من طراز "كارتييه 1895" الكلاسيكي بوزن 40 قيراطاً على الأقل!
ولكن ما سرّ الهوس الاستثنائي بهذه المرأة وحياتها؟ ولماذا تحتلّ أخبارها هذا الحيّز من الاهتمام والمتابعة؟
غالباً ما يجري تصوير قصة حياة جورجينا كقصة "سندريلا" معاصرة. فهي جاءت من خلفية متواضعة مثلنا جميعاً، لكن حدثاً دراماتيكياً طرأ بلقائها كريستيانو رونالدو، غيّر وجه حياتها "العادية" إلى الأبد.
يغذّي هذا التحوّل الكبير حلماً موجوداً على نطاق واسع لدى الناس قوامه قصص النجاح التي تبدو في معظم الأحيان مستحيلة. ينجذب الناس إلى قصّة التحوّل من الفقر إلى الثراء الفاحش، خصوصاً إذا كانت تنطوي على عنصر الرومانسية مع شخصية تحظى بإعجاب عالمي مثل رونالدو.
ها هي إذاً قصة سندريلا التي قرأناها وشاهدناها مرات عدة في الطفولة، تتحوّل إلى حقيقة، ما قد يمنح أملاً لأشخاصٍ كثيرين ينتظرون "فرصة" مماثلة.
كما تندرج قصة جورجينا الملهِمة في سردية "نظام الجدارة" الذي يهيمن على العالم حالياً، حيث يجري إخبارنا باستمرار أننا "سنصل حتماً إذا ما عملنا بشكل كافٍ لتحقيق ذلك"، أو في حالة جورجينا، إذا عثرنا على الشريك/ الأمير "المناسب".
على إنستغرام يتابع حساب جورجينا رودريغز أكثر من 68 مليون متابع. يهتم هؤلاء بمشاهدة صور وتحديثات جورجينا باستمرار، لكونها تجسّد أسلوب حياة يحلم به الكثيرون.
عالم البذخ والرفاهية الذي توثّقه على حسابها بين الماركات الفارهة والإجازات في أغلى أماكن حول العالم، يجعل حياتها وحياة شريكها تحت المجهر باستمرار.
ففي الثقافة التي تهيمن على عالم اليوم، هذا المستوى من الحياة يساوي السعادة وتحقيق الذات ويثير رغبة لدى المشاهد في محاكاة هذا النموذج، أو على الأقلّ جانباً منه.
صعود جورجينا إلى صدارة الشهرة والتقدير يعكس أيضاً كيف غيّرت وسائل التواصل الاجتماعي بشكل جذري طريقة تعاطينا مع الثروة والشهرة. وجودها المستمر على إنستغرام، حيث تشارك صورها وتمنح متابعيها نافذةً على حياتها الشخصية مع شريكها، يجيب على فضولهم من دون أن يرويه كلّه، فيأسرهم ويضمن عودتهم للمزيد من الفرجة.
العرض المستمر للثروة يضمن اهتمام وانتباه المتابعين الباحثين عن أسطورة واقعية ومعاصرة، تقدّمها لهم المنصات الرقمية التي تجعلهم يشعرون لبعض الوقت أنهم جزء من هذه الحياة "المثالية".
حسناً، ولكن هناك الكثير من الشخصيات التي تتمتع بثراء فاحش من دون أن تحظى بهذا الهوس. فلماذا هي بالذات؟
تلعب شعبية لاعبي كرة القدم العالميين مثل رونالدو دوراً مهماً في هذا الاهتمام الكبير بجورجينا.
إذ إن الشهرة والثراء اللذين يحيطان بلاعبي الصف الأول يخلقان نوعاً مما يسمّى "تأثير الهالة" (Halo effect) حول شركائهم، مما يعزّز مرئيّتهم واهتمام الجمهور بهم.
و"تأثير الهالة" هو ظاهرة نفسية تؤثر فيها الانطباعات العامة عن الشخص على كيفية إدراكنا لأبعاده وصفاته الأخرى. بمعنى آخر، إذا نظرنا إلى شخص بشكل إيجابي في مجال ما، فإننا نميل إلى الافتراض بأنه يتمتع بصفات إيجابية في مجالات أخرى أيضاً، حتى من دون وجود دليل على ذلك.
على سبيل المثال، بما أنه يُنظر إلى كريستيانو رونالدو كلاعب رياضي ناجح وموهوب ومحبوب، قد ينظر الناس أيضاً إلى شريكته، جورجينا، بشكل أكثر إيجابية ببساطة بسبب ارتباطها به. وهذا يخلق صورة مضخّمة لها، حيث قد يتم تجاهل صفاتها وإنجازاتها الشخصية لمصلحة علاقتها بنجم كرة القدم.
كما أن كرة القدم تُعدّ الرياضة الأكثر شعبية في العالم، ويتمتع رونالدو، كأحد أعظم نجومها، بقاعدة جماهيرية عابرة للقارات. وتمتد شهرته إلى ما هو أبعد من الرياضة، مما يجعله أيقونة عالمية. هذا المستوى من الاعتراف سيشمل بشكل طبيعي أي شخص مرتبط به. فعلى الرغم من عملها على صنع مسيرة مهنية خاصة بها كعارضة أزياء ومؤثرة، يظلّ ارتباطها برونالدو هو ما يضعها في الصفّ الأول للمشاهير، ويخضِع حياتها للبقاء تحت أنظار الجمهور.
تلعب صناعة الترفيه الحالية دوراً كبيراً في تشكيل انتباه الجمهور من خلال إعطاء الأولوية للمواضيع السطحية، غالباً على حساب المحتوى الأعمق والأكثر معنى. مع صعود المنصات الرقمية مثل إنستغرام وتيك توك ويوتيوب، أصبح الترفيه سريعاً ومجزّأً ويعتمد بشكل كبير على الصور، مما يعزز المحتوى الجذاب سريعاً على حساب المادة أو المضمون.
مع هيمنة ثقافتي إنستغرام وتيك توك، تحوّلت حياة المشاهير إلى سلع للاستهلاك السريع، ما يعزز التركيز على الجمال والثراء والفخامة. كذلك تعزز ثقافة تلفزيون الواقع والمشاهير هذا الهوس بالحياة الشخصية، وقد حظيت جورجينا بسلسلة تلفزيون واقع على نتفليكس بعنوان "أنا جورجينا" (إنتاج 2022).
وفي نظام المرئية هذا، القائم على الإشباع الفوري واللحظات "الجميلة" القابلة للمشاركة، يتعزز الانشغال العام بالمواضيع الخفيفة والسريعة التي لا تطلّب حضوراً أو جهداً ذهنياً، ويصبح أكثر صعوبة يوماً بعد يوم.
هناك أيضاً عامل محلّي يمكن الإشارة إليه لفهم ظاهرة الهوس بجورجينا، في منطقتنا على وجه الخصوص.
فبالنسبة للكثيرين في المجتمعات العربية والإسلامية المحافظة، يمكن اعتبار أن كون جورجينا تعيش مع كريستيانو رونالدو كصديقة له منذ سنوات، من دون التزام قانوني أو ديني رسمي بالزواج، هو أمر غير تقليدي أو حتى مثير للجدل.
ويمكن القول إن نمط حياة هذا الثنائي يثير الفضول ويؤدي إلى ردود فعل مختلفة. لذلك رأينا الكثير من التعليقات والنكات والميمز حولهما مع كل ظهور إعلامي لهما في السنوات الأخيرة، وصولاً إلى الحدث الأخير الذي شغل العالم.
وقد يضيف هذا العامل طبقة أخرى لهذا الانجذاب الواسع بحياة رونالدو – رودريغز، حيث يهتم الناس بالتناقض الكبير بين قيمهم ومعاييرهم الثقافية الخاصة وبين قيم العالم المعولم الذي يهيمن عليه مشاهير مثل الثنائي الأوروبي.