لمى الأمين، ممثلة ومخرجة لبنانية، توثّق عبر مواقع التواصل ما تتعرّض له من تعليقات عنصرية ومواقف تمييزيّة في حياتها اليومية.
مؤخراً، هزّت شهادتها عما تعرّضت له في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، الرأي العام. في شريط مسجّل نشرته على إنستغرام، سردت كيف نهرها أحد عناصر الأمن العام، وطلب منها عدم الوقوف في طابور المسافرين اللبنانيين بانتظار ختم جواز سفرها.
قال لها بصوت مرتفع ونبرة تأنيبية: "هي أنتِ، أيتها الإثيوبية، اذهبي وقفي هناك". ورغم محاولتها تجاهل الإهانة حفاظاً على هدوئها، عاد العنصر ليصرخ مجدداً: "هي أنتِ، انزعي السماعات عن رأسك واسمعيني. أنتِ تقفين في المكان الخطأ، يا إثيوبية". فردّت الأمين عليه قائلة: "أولاً، أنا لبنانية. وثانياً، ليس كل شخص ببشرة سوداء إثيوبياً، وليس على كل لبناني أن يكون أبيض البشرة".
لكن العنصر واصل الإشارة إليها بيده من بعيد، ليتبيّن لاحقاً أنه نفسه من سيتولى ختم جواز سفرها. عندما واجهته قائلةً: "كان بإمكانك أن تطلب مني باحترام أن أنتقل إلى مكان آخر. لقد أهنتني أمام الجميع".
لكنه لم يكترث لكلامها.
لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرّض فيها الأمين لموقف عنصري مماثل، لكنها قرّرت هذه المرة ألّا تصمت.
بعد الحادثة بساعات، نشرت قصتها على إنستغرام، وتوجّهت برسالة مباشرة إلى رئيس الجمهورية اللبناني، جوزاف عون، قالت فيها: "لديّ طلبان أساسيان: الأول هو اعتذار رسمي، والثاني هو إقرار قانون يحمي الأشخاص مثلي - بغض النظر عن هويتهم أو جنسيتهم - من هذه الممارسات العنصرية والتمييزية. هذا غير مقبول، يجب أن نكون جميعاً متساوين."
وأضافت أن مثلها كثيرون في لبنان يعانون يومياً من ممارسات مماثلة، وهم يستحقون الكرامة والاحترام تماماً مثل أي شخص على الأراضي اللبنانية.
وفي مقطع فيديو ثانٍ، نشرته في اليوم التالي، وسّعت لمى إطار الحديث، مؤكدة أن ما حدث معها ليس حادثة فردية بل "انعكاس لبنية عنصرية قائمة في لبنان، خصوصاً ضد العمال الأجانب".
ثمّ، وفي تسجيل ثالث، أعلنت لمى والابتسامة تعلو وجهها، أن رئيس الجمهورية استجاب لرسالتها، واتصل بها، واعداً باتخاذ إجراءات لمنع تكرار الموقف الذي تعرّضت له.
في حديثٍ مع بي بي سي عربي، تقول لمى الأمين: "لم أكن أتوقع ذلك الاتصال أبداً. قال لي مستشاره إن هناك شخصاً يريد التحدث معي، ثم تبيّن أنه الرئيس نفسه. ولم أتوقع أيضاً أن يتصل الرئيس بي بهذه السرعة، وهذا ما جعلني سعيدة جداً وأعطاني شعوراً بالأمل وبالإيمان بهذا البلد"
وتضيف: "بالنسبة لي، شعرت الآن بالراحة، لأنني استعدت حقي، ووصل صوتي، ووصلت أيضاً أصوات الكثير من الأشخاص الذين لم يكن لديهم المساحة أو الجرأة للتحدّث. شعرت كأنّ حملاً ثقيلاً قد أزيح عني".
وبعد التفاعل الواسع مع قصة لمى، وقبل اتصال عون بها، أصدرت المديرية العامة للأمن العام بياناً أكدت فيه أنها قامت بالتحقق من تفاصيل الحادثة، واتخذت "التدابير المسلكية المناسبة بحق العنصر المخالف"، من دون أن توضح ماهية تلك التدابير، وذلك وفق بيان صادر عن مكتب شؤون الإعلام في المديرية.
وفي اتصالٍ مع بي بي سي عربي، قال مدير مكتب شؤون الإعلام في مديرية الأمن العام اللبناني العميد بشارة أبو حمد، إنه لا يمكن التصريح عن التدابير المسلكية التي ذكرها البيان، ولكنها "لن تكون فصلاً بالتأكيد" إذ إن "الأمر لا يستحق ذلك، فكلّ ما في الأمر أن العنصر التبس عليه الأمر بسبب اللون لا أكثر".
وأكد أن الأمن العام "يتخذ إجراءات عادةً لكن لا يصرّح بها إعلامياً، بعكس ما جرى هذه المرّة".
يبدو أن الضغط الإعلامي الذي أحدثه فيديو لمى الأمين وخصوصاً مخاطبتها رئيس الجمهورية شخصياً أدى إلى إصدار البيان التوضيحي.
يقول الأمن العام اللبناني لـ"بي بي سي" إنّ ما جرى مع لمى الأمين في مطار بيروت "التباس" من قبل العنصر، "بسبب لون بشرتها". لكن لماذا يعدّ ذلك "سوء تفاهم" عادياً؟ ولماذا تبدو هذه الحادثة "طبيعية" في السياق اللبناني، إلى حدّ لا تثير فيه الدهشة؟
في مقطع مصوّر نشرته تعليقاً على الحادثة، تقول الأمين: "في مطارات العالم هناك طابور للأجانب وآخر للمواطنين، لكن في مطار بيروت هناك ثلاثة: طابور للبنانيين، وآخر للعرب، وثالث للأجانب... وهناك أيضاً طابور غير رسمي لمن نسميهم 'هؤلاء' – الذين لا نعتبرهم بشراً مثلنا. أولئك الذين يأتون لتنظيف بيوتنا والعمل تحت نظام الكفالة، من بنغلاديش، وإثيوبيا، والفلبين، وغيرها من الدول. نحن ننظر إليهم كأنهم فئة أدنى."
لطالما وثّقت منظمات حقوقية محلية ودولية ممارسات تمييز عنصري ضدّ العمال والعاملات المنزليات المهاجرين إلى لبنان، خصوصًا من الأصول الآسيوية والأفريقية.
وتعدّ الأنظمة المتبعة في المطار أحد أبرز الأمثلة على هذا التمييز، حيث يُخصَّص طابور منفصل للعاملات المنزليات القادمات إلى لبنان، ويعاملن بطريقة تختلف عن سائر المسافرين.
فور وصولهن، يطلب من العاملات تسليم جوازات سفرهن، بانتظار حضور ممثلي مكاتب الاستقدام أو الكفلاء. قبل دخول البلاد، تخضعن لفحوص طبية إلزامية، ويُستكمل ملفهنّ القانوني المرتبط بعقد العمل ونظام الكفالة.
تقول لمى الأمين لـ"بي بي سي": "ركّزت على نظام الكفالة في حديثي مع الرئيس، لأنني، باعتباري لبنانية، أستطيع أن أحصل على حقوقي لأنني أحمل الجنسية. أما الآخرون، فقد فرضت عليهم الظروف أن يأتوا إلى لبنان، ويغادروا بلدانهم من أجل العمل ومساعدة أسرهم. والعمل ليس عيباً أبداً... ولا يجوز أن يُذلّوا بسببه".
ونظام الكفالة هو الإطار غير الرسمي الذي ينظّم علاقة العاملات المنزليات المهاجرات بكفلائهن في لبنان، ويمنح أصحاب العمل سلطات واسعة على العاملات.
بموجب هذا النظام، لا تستطيع العاملة تغيير كفيلها أو مغادرة مكان العمل أو إنهاء عقدها من طرف واحد، إلا بموافقته الخطية. وتُبقي هذه الآلية العاملات في موقع هشّ، يخضع لإرادة صاحب العمل بشكل شبه مطلق، خصوصاً أنّ كثيرين يحتجزون جوازات سفر العاملات "لمنع هروبهنّ".
وصفت منظمات حقوقية مثل "هيومن رايتس ووتش" و"مناهضة العبودية الدولية" نظام الكفالة بأنه أحد الأسباب الجذرية لهشاشة أوضاع العمالة المهاجرة في لبنان، كونه ينقل مسؤولية الرقابة من الدولة إلى الأفراد، ويخلّ بموازين القوى.
كثيرات لا يستطعن المطالبة بحقوقهم، خوفاً من فقدان عملهم أو الترحيل، أو بسبب أوضاعهن القانونية أو المالية الهشّة.
مع ذلك، بدأت بعض النساء بكسر الصمت. ففي نيسان/أبريل 2013، رفعت العاملة الإثيوبية راحِل أبي–إندولي دعوى مدنية ضد إدارة منتجع "سان جورج" في بيروت ، بعدما منعت من دخول المسبح بسبب لون بشرتها. واستندت إلى مرسوم صادر عن وزارة السياحة يحظر التمييز في المنشآت السياحية، لتسجّل بذلك أول دعوى موثقة ضد التمييز العنصري في لبنان.
وفي عام 2020، رفعت العاملة الإثيوبية ميزريت هايلو أول دعوى جنائية من نوعها في لبنان ضد كفيلتها، متهمةً إيّاها بالاستعباد والاتجار بالبشر في ظل نظام الكفالة. وقد عقدت أولى جلسات المحاكمة في أيار/مايو 2025، في سابقة نادرة في القضاء اللبناني .
من جهتها، تعتقد لمى الأمين أن اتصال رئيس الجمهورية بها خطوة في الاتجاه الصحيح. تخبرنا: "كنت سعيدة جداً حين ذهبت إلى النوم ليلة أمس، وقلت لنفسي إن ما حدث أمر عظيم جداً في لبنان، وخصوصاً للأشخاص المستضعفين، الذين أصبح لديهم صوت مسموع".