آخر الأخبار

لماذا يؤجل الرجال الذهاب للأطباء حتى تتفاقم الأعراض؟

شارك
مصدر الصورة

قبل عامين، بدأ دان سومرز يعاني من سلسلة أعراض غريبة وغير مبررة، إذ اشتكى من آلام حادة في الصدر، ولم يكن قادراً على الاحتفاظ بالطعام أو حتى الماء في معدته، وكان يتقيأ باستمرار.

ورغم شعوره بأن هناك شيئاً قد يكون غير طبيعي، تردّد دان في طلب المساعدة الطبية. وقال الرجل، البالغ من العمر 43 عاماً من مدينة إبسويتش، لبي بي سي: "أنا عنيد عندما يتعلق الأمر بالذهاب إلى الأطباء"، مضيفاً "لم أكن أريد أن أكون عبئاً".

واستمرت آلام دان في التفاقم، إلى أن وصل به الأمر إلى حد "الصراخ تقريباً من شدة الألم"، واضطر إلى الحصول على إجازة من عمله. ويقول، وهو يسترجع تلك الفترة: "كان ذلك أسوأ ألم شعرت به في حياتي. ولكن صدقاً اعتقدت أنني قادر على معالجة الأمر".

كانت زوجة دان هي من نجحت، في نهاية المطاف، في دفعه لمراجعة الطبيب.

وأرسله طبيبه العام مباشرة إلى المستشفى، حيث تبيّن أنه مصاب بعدوى في المرارة، وقضى أسبوعاً في مرحلة التعافي، وأُبلغ أنه كان على وشك الإصابة بتعفن الدم.

تعكس قصة دان حالات رجال آخرين قالوا لبي بي سي إنهم أرجأوا الذهاب إلى الطبيب حتى أصبحت أعراض مرضهم لا تُطاق، أو حتى دفعهم أحد أفراد أسرهم إلى طلب المساعدة.

مصدر الصورة

بات معروفاً أن الرجال يقصدون الأطباء بمعدلات أقل من النساء، وهو ما تؤكده البيانات المتوفرة.

وقد أفادت هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية لبي بي سي بأنها لا تنشر بيانات ديموغرافية تتعلق بمواعيد الأطباء العامين. إلا أن استطلاعاً صادراً عن مكتب الإحصاءات البريطاني في فبراير/شباط الماضي، بتكليف من هيئة الخدمات الصحية البريطانية، أشار إلى أن 45.8 في المئة من النساء حاولن التواصل مع عيادة طبيبهن العام لأنفسهن أو لأحد أفراد أسرهن خلال 28 يوماً مضت، مقارنة بـ 33.5 في المئة فقط من الرجال.

وكان الرجال أكثر عرضة للقول إنهم غير مسجلين في عيادة أسنان و"نادراً ما يذهبون إلى الصيدلية أو لا يزورونها أبداً".

كما يشكّل الرجال عدداً أقل بكثير من مواعيد العيادات الخارجية في المستشفيات مقارنة بالنساء، حتى عند استبعاد المواعيد المتعلقة بالحمل.

يقول أستاذ صحة الرجال في جامعة يورك، بول غالداس، إن الرجال "أقل احتمالاً لحضور المواعيد الروتينية، وأكثر ميلاً إلى تأجيل طلب المساعدة حتى تتفاقم الأعراض".

ويؤثر كل هذا على النتائج الصحية للرجال.

ويتحدث خبراء عن قائمة أسباب طويلة قد تدفع الرجال إلى تأجيل طلب المساعدة الطبية. وتشير بيانات استطلاع رأي جديد من هيئة الخدمات الصحية البريطانية إلى أن المخاوف بشأن نظرة الآخرين لهم تلعب دوراً في ذلك.

وفي الاستطلاع، اتفق 48 في المئة من الرجال على أنهم يشعرون بدرجة من الضغط لـ "تحمّل الأمر بصمت" عندما يتعلق الأمر بمشاكل صحية محتملة، بينما وافق الثلث على أن الحديث عن هذه المشاكل قد يجعل الآخرين ينظرون إليهم على أنهم ضعفاء.

وشمل الاستطلاع آراء نحو ألف رجل في إنجلترا في شهري نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول 2024.

ويربط المجتمع الرجولة بصفات كالاعتماد على الذات والاستقلالية وعدم إظهار الضعف، بحسب أستاذ علم النفس الاجتماعي من جامعة ليدز بيكيت، بريندان غوف، الذي أضاف: "يفترض تقليدياً أن الرجال يجب أن يحلّوا أمورهم بأنفسهم".

وتقول المديرة الطبية للرعاية الأولية في هيئة الخدمات الصحية البريطانية، كلير فولر، إنه "من المقلق أن نرى عدداً كبيراً من الرجال ما زالوا يشعرون بعدم القدرة على التحدث عن مخاوفهم الصحية"، مشيرة إلى أن الرجال قد يترددون في طلب الدعم الطبي فيما يتعلق بالصحة النفسية أو بتغيرات تطرأ على أجسامهم؛ قد تكون علامات على الإصابة بالسرطان.

وتضيف: "غالباً ما يكون الطبيب العام هو أفضل طريقة للوصول إلى المساعدة التي يحتاج إليها الرجال".

"الرجال بطبيعتهم يحلون المشاكل"

ويقول كيفن ماكمولان إنه تعلم من عمله في مؤسسة "مان هيلث" الخيرية للصحة النفسية للرجال، أن الرجال يرغبون في حل مشاكلهم بأنفسهم. ويضيف أنه عانى من مشاكل في صحته النفسية لسنوات قبل أن يحصل أخيراً على المساعدة.

يقول كيفن، البالغ من العمر 44 عاماً من مقاطعة دورهام: "تريد أن تعالج الأمر بنفسك، فالرجال بطبيعتهم يحلون المشكلات".

كما بيّنت نتائج استطلاع مكتب الإحصاءات البريطاني أن الرجال، عند تعذر تواصلهم مع طبيبهم العام، كانوا أكثر ميلاً إلى الاعتماد على أنفسهم في إدارة حالاتهم الصحية، في الوقت الذي كانت النساء أكثر ميلاً إلى اللجوء إلى الصيدليات أو الاتصال بالخط الساخن 111 (الرقم الخاص بخدمة الرعاية الصحية العاجلة).

ووفق غالداس، فإن "العديد من الرجال يشعرون بأن طلب المساعدة يهدد شعورهم بالاستقلال أو الكفاءة".

مصدر الصورة

يشير غالداس إلى عوامل أخرى تمنع الرجال من الذهاب إلى الأطباء، كأنظمة المواعيد التي لا تتناسب مع أنماط عملهم.

ويلفت إلى أن الخدمات الصحية تعتمد على الحديث الصريح عن المشكلات، وهو ما لا يعكس الطريقة التي يتحدث بها الرجال عن مخاوفهم الصحية، كما لا توجد فحوصات دورية ثابتة تستهدف الرجال الأصغر سناً.

وفي المقابل، تجد النساء أنفسهن "مجبرات إلى حد ما على الانخراط في النظام الصحي" لأنهن قد يطلبن مواعيد تتعلق بالدورة الشهرية، أو وسائل منع الحمل، أو فحوصات عنق الرحم، أو الحمل، بحسب سيب بيلون، وهو طبيب عام في بولتون.

كما أن النساء يتحكمن بشكل كبير في تنظيم الرعاية الصحية لعائلاتهن. على سبيل المثال، نحو 90 في المئة من الأشخاص الذين تواصلوا مع جمعية "سليب أكشن" الخيرية لرعاية نوم الأطفال طلباً للمساعدة خلال الأشهر الستة الماضية، كانوا أمهات وجدات ونساء أخريات في حياة الأطفال، وفق رئيسة قسم الخدمات في الجمعية، أليسون أوبراين.

إضافة إلى أن النساء أكثر اندماجاً في نظام الرعاية الصحية. ومن خلال السعي للحصول على الدعم لأنفسهن وأطفالهن، فإنهن أكثر وعياً صحياً وغالباً ما يكنّ القوة الدافعة وراء شركائهنّ الذين يسعون للحصول على المساعدة الطبية، وفق غالداس.

ويقول بيلون إن الرجال لديهم موقف مختلف تجاه الرعاية الصحية. ويعتقد أن الكثيرين يعتبرونها وسيلة علاج - لحل مشاكلهم - وليست إجراءً وقائياً.

فعلى سبيل المثال، الرجال أقل ميلاً للمشاركة في برنامج الكشف المبكر عن سرطان الأمعاء التابع لهيئة الخدمات الصحية البريطانية. ويقول غالداس: "غالباً ما يطلب الرجال المساعدة عندما تبدأ الأعراض في إعاقة قدرتهم على العمل".

"إهدار هائل للوقت"

وبالنسبة لجوناثان أنستي، 54 عاماً، فقد استغرق الأمر تفاقم الأعراض بشكل كبير حتى تمكن من حجز موعد مع طبيب، بعد أشهر من آلام المعدة وظهور الدم في برازه.

ويقول جوناثان: "ازداد الألم سوءاً، وكذلك كمية الدم، لكن حتى عندما ذهبت إلى الطبيب، كنتُ جالساً في غرفة الانتظار أفكر 'هذا إهدار هائل للوقت'".

مصدر الصورة

وفي سبتمبر/ أيلول 2022، شُخّص جوناثان بإصابته بسرطان الأمعاء.

يقول جوناثان إنه تجنّب بشكل عام مواعيد الأطباء طوال حياته. ويضيف: "وبصفتي أب، فأنا معتاد على القلق بشأن أطفالي وليس نفسي".

وخلال العام الماضي، أبلغ الأطباء جوناثان بأنه يعاني من سرطان الأمعاء في مرحلته الرابعة.

ووجود دم في البراز كان أمراً محرجاً جداً بالنسبة له لدرجة أنه لم يتمكن من التحدث عنه مع أصدقائه أو عائلته في ذلك الوقت. ونصيحة جوناثان للرجال الآخرين هي: "لا يوجد أي سبب للشعور بالإحراج. البديل قد يقتلك – حرفياً".

"التواصل يمكن أن يحدث فرقاً كبيراً"

وفي السنوات الأخيرة، ظهرت مجموعات دعم متخصصة للرجال المصابين بالسرطان الذين يعانون من مشكلات في الصحة النفسية.

أنشأ ماثيو ويلتشير مؤسسة خيرية للرجال تُدعى "نادي السرطان"، بعد تشخيص إصابته بسرطان الأمعاء في عام 2015. وتوفي في عام 2023.

يقول أوليفر ويلتشير، نجل ماثيو: "شعر والدي بأنه لا توجد مساحة يتحدث فيها الرجال عن تجربة الإصابة بالسرطان". ويضيف: "كما لاحظ حجم العبء العاطفي الذي تتحمله النساء من حوله".

ومن خلال نادي السرطان، يستطيع الرجال التواصل عبر الإنترنت وحضور فعاليات رياضية معاً.

يضيف أوليفر: "سواء كان الأمر يتعلق بنصائح عملية، أو حديث صريح، أو مجرد معرفة أن هناك من يفهم ما تمر به، فإن هذا التواصل يمكن أن يُحدث فرقاً كبيراً".

مصدر الصورة

ويقول خبراء إنه على الرغم من أن مواقف الرجال تجاه الرعاية الصحية تتغير تدريجياً نحو الأفضل، إلا أن هناك مزيداً من العمل يتعين القيام به.

ويعتقد غالداس أن مشاركة الرجال ستزيد إذا أُعيد تصميم الخدمات لتلبي احتياجاتهم عبر تقديم الدعم بشكل استباقي، وتوفير إمكانية الوصول المرنة، والتركيز على إجراءات عملية لتحسين مشكلات الصحة النفسية.

وبالنسبة لبيلون، فإن الأمر يتلخص في إضافة فحوصات صحية عامة للرجال في العشرينيات من العمر لمساعدتهم على التعود بشكل أكبر على الوصول إلى الرعاية الطبية.

يقول إن هذه الفحوصات متوفرة عبر هيئة الخدمات الصحية البريطانية للأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 40 و74 عاماً، لكن إدخالها للرجال الأصغر سناً الذين قد لا يزورون الطبيب من شأنه أن "يُرسّخ فكرة أن بإمكانك المجيء والاستفادة من خدمات الرعاية الصحية".

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار