القلق من التجارب الإنسانية الأساسية، وهو استجابة طبيعية للمواقف التي تُعتبر تهديداً أو تحدياً.
ويُعد القلق العرضي جزءاً طبيعياً من الحياة، يُهيئنا لمواجهة التهديدات المحتملة، ولكنه قد يُسبب مشاكل عندما يكون مفرطاً، أو مستمراً، أو يصعب السيطرة عليه، أو غير متناسب مع الوضع الفعلي.
كما يُعد فهم الطرق المختلفة لظهور القلق أمراً بالغ الأهمية للأشخاص الذين يعانون منه، ولشبكات الدعم، وللمجتمع، إذا أردنا تعزيز الرفاهية.
من الناحية النفسية، القلق هو شعور بالخوف والرعب وعدم الارتياح.
ويمكن تعريفه أيضاً بأنه خوف أو توتر أو عدم ارتياح ناتج عن توقع الخطر، وقد ينشأ من أفكارنا أو أحداث من حولنا.
يقول فونغ لي، الحاصل على دكتوراه في التربية، وهو أيضاً أخصائي في علم النفس التربوي، عمل في مجالي علم النفس والتربية في فيتنام والولايات المتحدة، لبي بي سي: "قد يكون القلق شديداً لدرجة أن بعض الأشخاص الذين يعانون منه يقولون إنه يشبه الألم الجسدي، مما يؤكد تأثيره الكبير على الصحة النفسية والرغبة الشديدة في طلب الراحة".
ويوضح أن القلق في أشكاله الخفيفة قد يكون مفيداً، حيث يعمل كنظام تنبيه يزيد من الوعي بالمخاطر المحتملة ويساعد على الاستعداد والانتباه.
ومع ذلك، عندما يصبح الخوف من الأحداث المستقبلية مفرطاً أو غير واقعي، لدرجة أن يعيق قدرتنا على العمل بشكل طبيعي، فقد يشير ذلك إلى اضطراب نفسي.
ينشأ التوتر من التحديات الحالية، مثل مواعيد إنجاز العمل النهائية أو المشاكل العائلية، وعادةً ما يتلاشى بمجرد حلها.
أما القلق، فغالباً ما ينشأ دون سبب واضح، مدفوعاً بأفكار داخلية، مما يجعله يدوم لفترة أطول من التوتر.
ويتضمن القلق مشاعر الخوف والقلق المفرط والتوجس.
يمكن أن يؤثر القلق على جودة حياتنا وصحتنا بشكل عام لأنه يستمر لفترات طويلة.
ويقول فونغ لي إن التوتر المزمن يمكن أن يكون محفزاً رئيسياً لاضطرابات القلق.
وأضاف قائلاً :"إن التعرض لمستويات عالية من التوتر لفترة طويلة يمكن أن يُخل بالتوازن الدقيق للناقلات العصبية في الدماغ المسؤولة عن تنظيم المزاج، ويمكن أن يؤدي هذا الضغط المستمر في النهاية إلى مشاكل صحية طويلة الأمد، بما في ذلك اضطرابات المزاج والقلق".
ويقول إن الحياة اليومية تُثير القلق.
وأوضح قائلاً :"تشير الأبحاث أيضاً إلى أن أحداث الحياة المُرهقة ترتبط بزيادة الحساسية للقلق، مما يُشير إلى أن التوتر الطويل الأمد يمكن أن يجعل الأفراد أكثر عرضة للإصابة بأعراض القلق، لذلك من الضروري إدارة التوتر بفعالية للحد من احتمالية الإصابة باضطرابات القلق وغيرها من الآثار السلبية على الصحة النفسية".
يمكن للقلق المستمر أن يؤثر بشكل كبير على الصحة العامة.
ويقول فونغ لي إن القلق المزمن يرتبط بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية وارتفاع ضغط الدم والسكتات الدماغية.
كما يمكن أن يؤدي القلق إلى مشاكل في الجهاز الهضمي، مثل متلازمة القولون العصبي (آي بي إس)، والقرحة، والغثيان، والإسهال، والإمساك.
يمكن أن يُضعف القلق المزمن جهاز المناعة، مما يجعلنا أكثر عرضة للإصابة بالعدوى والأمراض، كما يُمكن أن يُسبب مشاكل في النوم، مما يُفاقم القلق.
وغالباً ما يُصاب الشخص الذي يعاني من القلق بالصداع والألم المزمن، وقد يكون هناك رابط بين القلق المزمن وتطور أمراض المناعة الذاتية، مما يُقلل من قدرته على مكافحة العدوى.
ويزيد القلق من خطر الإصابة باضطرابات الصحة النفسية الأخرى، مثل الاكتئاب.
وفي نهاية المطاف، يُمكن أن يُؤثر القلق بشكل كبير على جودة الحياة، ويزيد من صعوبات الأداء اليومي والعمل والعلاقات الشخصية.
وفي الحالات الشديدة، يُمكن أن يزيد من خطر الانتحار.
1- أساليب التعامل بشكل عام مع القلق
يمكننا اتّباع مجموعة متنوعة من الأساليب في حياتنا اليومية للتعرف على الأعراض وإدارتها:
تُعدّ ممارسات اليقظة الذهنية، التي تُركّز على اللحظة الراهنة دون إصدار أحكام، فعّالة للغاية في تقليل القلق وإعادتنا إلى حاضرنا.
يمكن لأساليب الاسترخاء، مثل التنفس العميق البطيء، واسترخاء العضلات التدريجي، وتخيل المشاهد والصور، أن تُساعد في تهدئة استجابة الجسم للتوتر وتخفيفه.
يمكن أن تُساعد ممارسة أساليب التنفس الصحيحة، باستخدام الحجاب الحاجز، في الوقاية من فرط التنفس - وهو عرض جسدي شائع للقلق.
ويمكن أن تُساعد مواجهة المخاوف تدريجياً من خلال خطوات صغيرة وقابلة للتحقيق، تُعرف باسم "التعرّض"، الأفراد على اختبار قلقهم وبناء ثقتهم بأنفسهم.
يجد بعض الناس أنه من المفيد تخطيط "وقت قلق" مُحدد خلال اليوم، لمنع سيطرة القلق علينا في أوقات أخرى.
ويمكن أن يُوفر الاحتفاظ بمذكرات لتتبع أوقات حدوث القلق وتحديد المُحفّزات المُحتملة رؤى قيّمة.
التحدث عن المشاعر مع الأصدقاء أو أفراد العائلة أو خطوط المساعدة النفسية الموثوقة يمكن أن يوفر الدعم والشعور بأن صوتك مسموع.
ويمكن لمجموعات الدعم أن توفر مساحة آمنة لمشاركة التجارب والتعلم من الآخرين الذين يواجهون تحديات مماثلة.
كما أن الهوايات الممتعة والمريحة يمكن أن تخفف من القلق.
2- أساليب العلاج السلوكي المعرفي (سي بي تي):
يوفر العلاج السلوكي المعرفي أساليب للتعامل مع القلق، مع التركيز على تحديد أنماط التفكير غير المفيدة ومواجهتها.
ويشمل ذلك دراسة الأدلة المؤيدة والمعارضة للأفكار السلبية للوصول إلى منظور متوازن.
وغالباً ما تُدمج اليقظة الذهنية للمساعدة في مراقبة الأفكار دون إصدار أحكام عليها، مما يُحسّن تنظيم المشاعر.
هذا أسلوب علاج سلوكي معرفي يركز على أنشطة مُجزية وذات معنى لتحسين مزاجك وتقليل قلقك.
ويُعد العلاج بالتعرض عنصراً أساسياً في العلاج السلوكي المعرفي لاضطرابات القلق، ويتضمن مواجهة المواقف والأفكار والأحاسيس والمشاعر المُخيفة تدريجياً بطريقة مُتحكم بها لتقليل سلوك التجنب وبناء التسامح.
يتضمن العلاج السلوكي المعرفي أساليب مُتنوعة للاسترخاء وتخفيف التوتر للمساعدة في تهدئة الجهاز العصبي والتعامل مع القلق العام.
ويمكن أن يُساعدنا تدوين يوميات أو سجلات للأفكار في تتبع المشاعر السلبية وتحديد الأنماط.
تتضمن إعادة الهيكلة المعرفية - أو "إعادة التأطير" - إلقاء نظرة فاحصة على أنماط التفكير السلبية ومحاولة إعادة التفكير فيها بطريقة أكثر فائدة وواقعية.
تساعد مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية مثل سيرترالين (لوسترال، أحد الأسماء التجارية) وفلوكستين (بروزاك، اسم تجاري معروف)، على توازن مستويات السيروتونين في الدماغ.
والسيروتونين مادة كيميائية تؤثر على المزاج والعواطف، ويرتبط انخفاض مستوياتها بالقلق والاكتئاب، وتعمل مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية على منع الدماغ من إعادة امتصاص السيروتونين بسرعة كبيرة، مما يُبقي على كمية أكبر منه متاحة لتحسين المزاج وتقليل القلق.
وينصح فونغ لي بتناول الأدوية إلى جانب طرق علاجية أخرى، ويقول: "تشمل هذه الطرق العلاجية، مثل العلاج السلوكي المعرفي، وتغييرات نمط الحياة كممارسة الرياضة وتعديل النظام الغذائي، وأساليب اليقظة والاسترخاء، واستراتيجيات التعامل مع التوتر".
ويقول إن الأدوية لا تفيد الجميع.
وأوضح قائلاً: "بالنسبة للعديد من الأفراد، يمكن للأدوية الموصوفة، مثل مضادات الاكتئاب (التي تشمل مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية) أن تساعد في تحسين مزاجهم ومهاراتهم في التأقلم، ومن المهم مناقشة الطبيب حول ما إذا كان الدواء هو الخيار المناسب لك، لأنه يستطيع شرح آلية عمل الدواء، والآثار الجانبية المحتملة، ومساعدتك في إيجاد أفضل نهج يناسب احتياجاتك الشخصية".
يقول فونغ لي إن تزايد القلق لدى الأجيال الشابة غالباً ما يُساء فهمه على أنه ضعف.
ومع ذلك، يرى أن من الإيجابيات أن ازدياد الوعي، والاستعداد لطلب المساعدة، قد زاد من عدد الحالات المُبلغ عنها.
ويؤثر فرط المعلومات، ووسائل التواصل الاجتماعي، والضغوط الأكاديمية، وتغير الديناميكيات الاجتماعية بشكل خاص على الشباب.
ويُشدد فونغ لي على ضرورة تصحيح المفاهيم الخاطئة حول القلق بالحقائق. ويقول إن من الخرافات الشائعة أن القلق هو ببساطة رد فعل مبالغ فيه أو قلق مفرط.
وأضاف قائلاً: "في الواقع، اضطرابات القلق حالات طبية خطيرة تنطوي على أكثر من مجرد قلق أو خوف مؤقت؛ بل قد تشمل تغيرات فعلية في وظائف الدماغ وبنيته."
ومن المفاهيم الخاطئة الأخرى أن القلق يصيب الضعفاء فقط. في الحقيقة، يمكن أن تُصيب اضطرابات القلق أي شخص، وغالباً ما تنجم عن عوامل بيولوجية وبيئية وجينية.
ويُحذّر من أن فكرة أن القلق سيزول من تلقاء نفسه خاطئة أيضاً بالنسبة للكثيرين.
بدون علاج، قد يستمر القلق بل ويتفاقم مع مرور الوقت، في حين تتوفر علاجات فعالة لتحسين الأعراض بشكل ملحوظ.
مع أن الأدوية تُعدّ أحد الخيارات، إلا أن الاعتقاد الخاطئ بأنها العلاج الفعال الوحيد غير صحيح.
ويقول فونغ لي: "هناك العديد من الأساليب الفعالة، بما في ذلك العلاج النفسي، وتغييرات نمط الحياة، وممارسات تكاملية متنوعة، وعلى عكس الاعتقاد السائد بأن التحدث عن القلق يزيده سوءاً، فإن مناقشته بصراحة يمكن أن يعزز الفهم والدعم، ويشجع الأفراد على طلب المساعدة، ويقلل من الشعور بالعزلة".
ووفقاً لفونغ لي، هناك اعتقاد خاطئ آخر مفاده أن اضطرابات القلق نادرة. ويقول إن القلق هو أكثر أنواع الاضطرابات النفسية شيوعاً، ويسبب مجموعة واسعة من الأعراض الجسدية التي تؤثر على الجسم بأكمله.
باختصار، القلق ظاهرة معقدة ذات أبعاد نفسية وبيولوجية بالغة الأهمية.
مع أنه قد يُحسّن أداءنا في مواقف معينة، إلا أنه غالباً ما يُصبح اضطراباً مُنهكاً نحتاج لمكافحته من خلال مجموعة من الأساليب، وأحياناً الأدوية.