عندما شعرت ميغان ريان للمرة الأولى أنها تعاني من الإجهاد، ظنّت أن الأمر عادي؛ فهي أُمّ عَزباء ترعى طفلاً في الثالثة من العمر وحدها، فضلاً عن أنها تعمل بدوام كامل.
وفي كل يوم، بعد أن تتسلم ميغان طفلها من الحضانة، تستسلم معه لتغفو القيلولة.
مضى الأمر على هذا النحو، دون أن تعطيه ميغان كثيراً من الاهتمام، ففي ظنّها "أن هذه هي طبيعة كل أُمّ".
ولكن، في يونيو/حزيران، وبينما كانت تقوم ميغان بالفحص الطبي الدوري، سألها الطبيب عمّا إذا كانت تشعر بالإجهاد؛ فقد كشفت فحوص الدم أنها تعاني الأنيميا الناجمة عن نقص الحديد في الجسم.
وكانت هنالك علامات أخرى، فعلى الرغم من حرص ميغان على أداء التمارين الرياضية بصفة منتظمة، إلا أنها بدأت فجأة تشعر بالتعب إزاء ما اعتادت عليه من التمارين.
أيضاً، كانت ميغان قد عانت نقصاً في الحديد أثناء الحمل، وقد شكّت القابلة في الأمر عندما أخبرتها ميغان بأنها تشتهي تناوُل الثلج - وهو أحد أعراض نقص الحديد أثناء الحمل.
يعدّ الحديد أكثر العناصر الغذائية الدقيقة التي تشهد نقصاً في الجسم حول العالم في أيامنا هذه. ويؤثر ذلك النقص على واحد من بين كل ثلاثة أشخاص. ويشيع نقص الحديد بشكل خاص بين الأطفال، وكذلك بين النساء في سِنّ الإنجاب، بما في ذلك فترة الحمل.
ويمكن لنقص الحديد أن يتسبب في تبعات كثيرة؛ فعندما تعاني المرأة الحامل نقصاً في مخزون الحديد بجسمها، على سبيل المثال، فإن ذلك يمكن أن يؤثر على نمو دماغ الجنين، فضلاً عن نقص وزن المولود، أو الولادة المبتسرة، وقد يصل الأمر إلى موت الجنين في أثناء الحمل وولادته ميتاً.
وعندما يعاني الأطفال حديثو الولادة، والرُضّع دون سن العامين، من نقص الحديد في الجسم، فإن ذلك يمكن أن يؤثر على نموّهم على المدى البعيد.
ووجدت دراسات أنّ هؤلاء الأطفال فيما بعد يمكن أن يُظهروا مشاكل سلوكية تشي بأنهم أقلّ سعادة من نُظرائهم، وأقلّ رغبة في المشاركة المجتمعية.
كما أن ذلك يمكن أن يؤثر على المهارات الحركية لهؤلاء الأطفال فيما بعد، وكذلك على قدرتهم التحصيلية، حتى بعد أعوام من علاج نقص الحديد.
وفي عالم البالغين، يعدّ نقص الحديد في الجسم أحد أبرز الأسباب المؤدية إلى الإعاقة. وفي بعض الحالات النادرة، يمكن أن يكون نقص الحديد مهدّداً للحياة.
"إنها مشكلة عالمية كبرى"، بحسب مايكل زيمرمان، الباحث في التغذية البشرية بجامعة أكسفورد في المملكة المتحدة، والمتخصص في نقص العناصر الغذائية الدقيقة.
يقول زيمرمان: "إنها مشكلة شائعة جداً. ويستغرق حلّها بعض الوقت. وهي ترتبط أيضاً بالكثير من حالات الإعاقة".
ويتفق معظم الباحثين أنّ نقص الحديد هو مرض شائع. لكنّ هناك أسئلة لم يتفق عليها الباحثون بشكل نهائي في هذا الصدد. ومنها: كيف يمكن تحديد نقص الحديد في الجسم بدقة؟ أو كيف يمكن تشخيص نقص الحديد مع غياب أعراض أخرى؟ وكيف يمكن لذلك أن يتسبب في نتائج صحية سيئة؟
والسؤال الأهم: متى ينبغي، ومتى لا ينبغي، الاستعانة بمكملات تعويضية عن نقص الحديد في الجسم؟
ومما لا خلاف عليه بين الباحثين في هذا الصدد هو أنّ بعض الفئات المجتمعية تعتبر أكثر عُرضةً للإصابة بنقص الحديد من غيرها.
بالنسبة للنساء، على سبيل المثال، فإن الأنيميا الناجمة عن نقص الحديد -حيث يفتقر الجسم إلى ما يكفي من الحديد لإنتاج خلايا الدم الحمراء بشكل كافٍ- يمكن أن تكون سبباً للإعاقة حول العالم.
وكشفت دراسة أجريت على متبرعين أمريكيين بالدم لأول مرة، أن مستويات الحديد كانت منخفضة في 12 في المئة من النساء المتبرعات، في مقابل أقل من 3 في المئة من الرجال المتبرعين، ما يعكس أثر الخسارة المنتظمة للدم في أثناء الطمث.
ثم إن هناك أثر الحمل على كمية الحديد في الجسم؛ حيث تتجه العناصر الغذائية من الأُم إلى الجنين، ما يعني بالتبعية أن النساء في هذه الفئة المجتمعية بشكل خاص في خطر.
دراسة أخرى، وجدت أن 46 في المئة من النساء في المملكة المتحدة تعانين الأنيميا أو فقر الدم في لحظة معينة أثناء فترة الحمل – على الرغم من حقيقة أنّ كل حالات الأنيميا في هذه الدراسة لم تكن بالضرورة ناجمة عن نقص عنصر الحديد في الجسم.
ومما يمكن أن يجعل الرجال والنساء عُرضة لنقص الحديد: التمارين الرياضية التي تستهدف زيادة القدرة على التحمّل؛ واتبّاع نظام غذائي نباتي، أو ما يُعرف بالخُضَرية؛ فضلاً عن التبّرع المتكرر للدّم.
كما أن الأشخاص الذين يعانون مشكلات صحية معيّنة، يمكن أن يكونوا معرّضين للإصابة بنقص الحديد. ومن ذلك، الإصابة بأمراض الكُلى، والداء البطني أو ما يُعرف بـ "السيلياك" – هذه الأمراض، على سبيل المثال لا الحصر، تتسبب في زيادة امتصاص الحديد في الجسم.
لكن يظل الأطفال بين الفئات الأكثر عُرضة للإصابة بنقص الحديد في الجسم، نظراً لأهمية هذا العنصر الغذائي في نموّ جسم الطفل.
يقول مارك كوركينز، أخصائي التغذية بالأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال: "إنّ فترة الطفولة تكون أسرع الفترات التي يشهد فيها جسم الإنسان نمواً طوال حياته".
ويشير كوركينز إلى أنّ وزن الطفل يزيد ثلاثة أضعاف خلال عام واحد من الولادة، وإلى أن طوله يتضاعف.
وبينما تنمو أجسامنا، فإنها تحتاج إلى مزيد من الدم، وتُبنى خلايا الدم الحمراء -بشكل جزئي- على الحديد. وبدون هذا العنصر الضروري يمكن ألا ينتج الجسم ما يكفي من خلايا الدم الحمراء لضخّ الأكسجين إلى الخلايا النامية، بما في ذلك الدماغ.
ويشيع نقص الحديد بشكل خاص بين الأطفال في البلاد منخفضة الدخل؛ ووجدت دراسات أُجريت في أفريقيا، أن "70 في المئة من الأطفال الرُضّع الذين تتراوح أعمارهم بين 6 إلى 12 شهراً يعانون من الأنيميا الناتجة عن نقص الحديد في الجسم"، بحسب الباحث زيميرمان.
وحتى في البلاد الأكثر ثراءً، حيث ثمة تغذية أفضل بشكل عام، وغالباً ما تدعّم حكوماتُ الدول الغنية تزويد منتجات غذائية بعينها بعنصر الحديد – حتى في بعض هذه البلاد ثمة حالات نقص في الحديد.
في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، حوالي 4 في المئة من الأطفال دون سِنّ العامين، يعانون الأنيميا الناجمة عن نقص الحديد.
وإذا كان الشخص يعاني نقصاً في الحديد، فإن ذلك لا يعني بالضرورة أنه سيعاني الأنيميا أو فقر الدم.
على أنّ "نقص الحديد يمكن أن يعتبر مؤشراً أو مرحلة سابقة للإصابة بالأنيميا"، وفقاً لـ سانت-ريان باسريشا، أخصّائي أمراض الدم بكلية ملبورن للسكان والصحة العالمية.
وبحسب باسريشيا، فإن النقص الشديد للحديد في الجسم يلعب دورا رئيسياً في الإصابة بالأنيميا؛ فعندما تقلّ كميات الحديد في الجسم يقلّ معها إفراز الجسم لخلايا الدم الحمراء تدريجياً فينخفض الهيموغلوبين الذي يحمل الأكسجين في دمّ هذا الشخص إلى ما دون المستوى الصحي – فيما يُعرف بالأنيميا الناجمة عن نقص الحديد.
وعادة ما يُشخّص نقص الحديد والأنيميا عبر فحص الدم.
يتساءل بعض المختصّين عمّا إذا كان نقص الحديد في الجسم مدعاةً للقلق دائماً؟ لا سيما إذا جاء ذلك النقص في غياب أيّ من الأعراض الجسدية؟ أو إذا لم يكن المريض يعاني الأنيميا أو فقر الدم؟
بشكل عام، لم يخضع نقص الحديد في غياب الإصابة بالأنيميا للدراسة بالقدر نفسه الذي خضعت له حالات الإصابة بالأنيميا الناجمة عن نقص الحديد في الجسم.
لكنْ، هناك بعض الاستنتاجات العامة التي خلص إليها الباحثون؛ "فقد أجمع الباحثون على أن الأنيميا الناجمة عن نقص الحديد في الجسم هي الأسوأ" بحسب الباحث زيمرمان، "لكن نقص الحديد أيضاً يرتبط بالإعاقة".
تشير بعض الدراسات إلى أنّ آثار الأنيميا الناجمة عن نقص الحديد في الجسم – لا سيما في الأطفال- يمكن أن تلازم المريض فترة طويلة.
"لا يقتصر الأمر على ضعف الحالة الصحية فحسب، وإنما يصل إلى أنّ الجسم لا يأخذ حقه في النمو بشكل كامل"، بحسب الباحث كوركينز.
ووجدت دراسة أن الأطفال الذي يعانون الأنيميا الناجمة عن نقص الحديد في الجسم عادة ما يواجهون مشكلات تتعلق بالقدرة على التحصيل، مقارنة بغيرهم.
لكن باحثين آخرين يرون أنه قد لا تكون الأنيميا الناجمة عن نقص الحديد بالضرورة هي المسؤولة؛ فقد تكون الأنيميا بشكل عام وراء هذه المشكلات. فيما يعزو آخرون السبب إلى عوامل اجتماعية واقتصادية.
ومما يزيد الأمر تعقيداً، أن معايير تشخيص الإصابة بنقص الحديد في الجسم لا تزال محلّ نقاش غير محسوم بعد، بحسب الباحث زيمرمان، الذي يشير إلى أنّ الأطفال ينمون بوتيرة سريعة يكون في ظلّها نقصُ الحديد أمراً طبيعياً، ما يؤدي بدوره إلى الأنيميا – مما يعني أنه ليس من السهل تشخيص الطفل حينئذ بأنه يعاني نقصاً في الحديد.
ينصح الأطباء عادة بإعطاء الأطفال مُكمّلات الحديد عند ظهور أيّ من أعراض نقص الحديد عليهم – أو حتى في حال عدم ظهورها؛ كإجراء احترازي.
في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تنصح الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال بإعطاء مُكمّلات الحديد للأطفال الرُضّع، لا سيما أولئك الذين يحصلون على رضاعة طبيعية – ابتداءً من سِن أربعة أشهر.
وذلك لأن لبن الأُم يحتوي على مستوى منخفض من الحديد، مقارنة باللبن الصناعي الغني بالحديد.
لكنّ هناك بعض الباحثين الذين لا يتفقون مع هذا الرأي؛ فلا يرى هذا الفريق أيّ دليل على فائدة إعطاء مُكملات الحديد للأطفال، كما أنه لا يجد أي ضررٍ من إعطائها.
وخلص هذا الفريق إلى هذه النتيجة عبر دراسة أجراها على 3,300 طفل في سنّ ثمانية أشهر في بنغلاديش.
لكنّ باحثين، بينهم زيمرمان على سبيل المثال، وجدوا أنّ مُكمّلات الحديد يمكن أن يكون لها آثار جانبية على الصحة؛ إذْ يمكن أن تؤثر على حالة البكتيريا المتعايشة في الجسم أو ما يُعرف بالـ "ميكروبيوم".
ويرى الباحث زيمرمان أن "هذه المُكملات قادرة على إحداث تغيّر سريع للغاية في حالة البكتيريا المتعايشة في الجسم بدرجة قد تضرّ الأطفال".
ومع ذلك، يتفق معظم الباحثين على أنّ أخذ مُكملات الحديد يمكن أن يكون الطريق الأسرع لتحسين حالة أي شخص يعاني نقصاً في الحديد أو يعاني الأنيميا الناجمة عن نقص الحديد في الجسم مصحوبة بالأعراض.
أما بالنسبة للأطفال، فإن إعطاء مُكمّلات الحديد ينبغي أن يكون بإشراف الطبيب، بحسب ما يقول الخبراء.
في عالم مثالي، يمكن للناس أن يحصلوا على ما يكفي من عناصر الحديد عبر تناوُل غذاء متوازن غنيّ بالحديد.
ومن الأغذية التي تعتبر غنيّة بالحديد: اللحوم الحمراء أو الكبد، والبقوليات بما في ذلك الفاصولياء والحُمص والمكسرات والفواكة المجففة.
وترى الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال أن الرُضّع ما بين 6 أشهر إلى 12 شهراً يحتاجون إلى 11 ملليغراماً من الحديد يومياً، فيما يحتاج الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين عام إلى عامين إلى 7 ملليغرامات من الحديد يومياً؛ أما الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين أربعة إلى ثمانية أعوام فيحتاجون إلى 10 ملليغرامات من الحديد يومياً.