تتصاعد الأزمات المرتبطة بتطبيقات النقل الذكي مؤخرًا بشكل لافت للنظر في مصر، إذ تعددت حوادث الاعتداء من جانب السائقين على عملائهم من المصريين والأجانب، لأسباب ودوافع مختلفة، قادت التطبيقات إلى ساحات القضاء والمحاكم.
وتعد حادثة احتجاز السائحة الروسية داخل سيارة "نقل ذكي" في منطقة البساتين، في 5 مارس الجاري، أحدث الوقائع، ولكنها لا تعد أخطرهم، إذ على مدار الأشهر الـ10 الأخيرة تعددت الحوادث، التي تنوعت بين التحرش اللفظي والجسدي، والاعتداء بالسباب، والضرب أحيانًا.
وكان سائق تابع لأحد تطبيقات النقل الذكي العاملة في مصر، قد احتجز سائحة روسية داخل سيارته، رافضًا نزولها قبل أن تدفع أجرة إضافية، إذ تحرك بالسيارة لدى محاولتها مغادرتها، ما كاد أن يعرض حياتها للخطر، فما كان من أجهزة الأمن المصرية إلا إلقاء القبض عليه.
وقبل ذلك بأيام قليلة، وتحديدًا في أواخر فبراير 2025، وقعت جريمة اعتداء من جانب سائق يتبع تطبيق " أوبر"، على فتاة في منطقة القاهرة الجديدة بسبب تغييره وجهته إلى طريق مختلف، ومع اعتراض الفتاة سرعان ما تحول الأمر إلى اعتداء بالضرب المبرح عليها رغم وجود والدتها معها، فتم القبض عليه.
وفي 27 يناير الماضي، ألقت قوات الأمن المصرية القبض على "كابتن أوبر" في مدينة شرم الشيخ، بمحافظة جنوب سيناء، حاول التحرش بسائحة صينية، تمكنت من تصويره ونشر مقطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ استغل السائق تطبيق الترجمة "غوغل" للتواصل معها، قبل أن يمد يديه للمسها.
ويوضح الخبير الأمني العميد سامح عز العرب، أن السبب الرئيس وراء تعدد هذه المشكلات والاعتداءات والانتهاكات القانونية من جانب سائقي تطبيقات النقل الذكي، هو عدم التدقيق في اختيار السائقين من جانب الشركات، التي تعتمد على "مكاتب" لتوريد المتعاملين معها.
وأضاف، في تصريحات خاصة لـ"سكاي نيوز عربية"، أن بعض المكاتب تتعاون مع التطبيقات، وتجذب لها أصحاب السيارات بالعمولة، ولذلك يكون هدف هذه المكاتب هو حشد أكبر عدد ممكن من المتعاونين والسائقين للعمل في وظيفة "كابتن"، بغض النظر عما يمكن أن يسببه هذا من مشكلات أمنية.
بالإضافة إلى ذلك، بحسب الخبير الأمني، لم تعد تطبيقات النقل الذكي مثل "أوبر" و" إندرايفر" وسيلة لتحقيق دخل إضافي، بل تحولت إلى وظيفة ثابتة لكثيرين، ومن بين هؤلاء سائقي التاكسي التقليديين، وهؤلاء توفر لهم سياراتهم دخلًا، لذلك لا يهتمون بالتعامل بأسلوب سليم مع الجمهور.
وطالب عز العرب تطبيقات النقل الذكي بضرورة تنظيم ورش عمل ودورات تدريبية للسائقين الجدد والقدامى، تعلمهم خلالها كيفية التعامل مع الجمهور بأسلوب لائق، وتوضح لهم مخاطر التعدي على العملاء، مع تشديد الإجراءات، بداية من الشطب وصولًا إلى الإحالة للشرطة والنيابة والقضاء.
وأكد أن مثل هذه الدورات ستكون مفيدة جدًا، ويمكن أن تتعاون فيها وزارة الداخلية المصرية، من خلال شرح تبعات التعدي على المواطنين والسائحين، وتوضيح العقوبات القانونية المرتبطة بذلك، سواء من جهة سحب التراخيص المرورية، أو الحبس في حالة ثبوت الاعتداء.
وشهد عام 2024 عددًا من الحوادث الخطيرة، والتي كانت أبرزها واقعة مقتل الشابة "حبيبة الشماع" المعروفة إعلاميًا باسم "فتاة الشروق"، والتي لقيت حتفها بعد إلقائها بنفسها من سيارة "أوبر"، عندما حاول السائق اختطافها للاعتداء عليها.
الواقعة الأخرى الأبرز، كانت خطف سيدة في منطقة التجمع الخامس، من جانب سائق سيارة "نقل ذكي"، ومحاولة التعدي عليها تحت تهديد سلاح أبيض، لولا استغاثتها وإنقاذها من جانب المارة، إذ نجحت الأجهزة الأمنية بالقاهرة من ضبطه في منتصف شهر مايو، وإحالته إلى المحاكمة الجنائية.
وفي يوليو الماضي، واجهت سائحة انتهاكًا خطيرًا من جانب أحد سائقي شركة "أوبر"، اضطرها لإلقاء نفسها من سيارته أمام جامعة القاهرة، بعدما حاول السائق الاعتداء عليها لدفعها لزيادة الأجرة، بعدما علم بهويتها، إذ جرى القبض عليه بعد التوصل إلى هويته من خلال كاميرات المراقبة.
ويعلق العميد سامح عز العرب على هذه الواقعة بالقول: "كثيرًا ما يحاول السائقون - سواء التاكسي أو النقل الذكي- الحصول على أموال إضافية من السائحين العرب والأجانب، لذلك يجب التأكيد عليهم بعدم محاولة ابتزاز الركاب أو الضغط عليهم، فهذا يعد سرقة يحاسب عليها القانون".
وبعد شهر واحد من هذه الواقعة، ألقت أجهزة وزارة الداخلية بالقاهرة القبض على سائق نقل ذكي، تحرش بسائحة أجنبية أثناء ركوبها سيارته في منطقة المعادي، إذ عرض عليها صورًا مخلة لإغوائها، ولكنها امتنعت وحررت ضده محضرًا، ليتم ضبطه وإحالته إلى المحاكمة.
كما تكررت هذه الحوادث في سبتمبر الماضي، إذ ألقت الشرطة القبض على سائق "أوبر" حاول التعدي جسديًا على سيدة تسير في الشارع بمنطقة الدقي بمحافظة الجيزة، حيث اتضح أنه يعمل على السيارة، ليحال على الفور إلى النيابة العامة للتحقيق معه.
من جانبه، قال الخبير التقني مروان أحمد: "بات من الضروري أن تخضع التطبيقات التابعة لشركات النقل الذكي مثل "أوبر" و"كريم" و"ديدي" و"إندرايفر" للرقابة من جانب أجهزة وزارة الداخلية، لتجنب وقوع مثل هذه المخالفات، التي وصلت إلى حدود القتل.
ولفت، في تصريحات خاصة لـ"سكاي نيوز عربية"، إلى إمكان التعاون بين الوزارة -بكل أجهزتها المرورية والجنائية والبحثية- وبين تطبيقات النقل الذكي، من خلال إيجاد وسيلة تقنية تجعل الأجهزة الأمنية تتعرف على السائقين قبل العمل، مع منحهم شهادات تخص السير والسلوك والانضباط.
وأوضح أن التطبيقات تتيح فرصة لتقييم السائق من جانب العملاء، ولكن هذه الخطوة لا تعد كافية، خاصة أن معظم الشركات لا تتيح وسيلة للتواصل المباشر في حالة وقوع ضرر، لذلك يقع العبء في البحث والتحري والفصل في الأزمات على أجهزة الأمن.