في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في السودان الذي مزّقته الحرب، لم تعد عمليات السلب والنهب مجرد حوادث عابرة، بل تحوّلت إلى كابوس يومي يطارد المواطنين في كل شارع وزقاق.
ومع غياب الأمن وتصاعد موجات السرقة بالإكراه، وجد السودانيون أنفسهم أمام خيار وحيد: الإبداع في التخفي. من دفن "التُوك تُوك" داخل أكوام الطوب، إلى تحويل الجدران وجوف الأرض مخابئ سرية، لم تعد هذه مجرد حيل للبقاء، بل باتت فنًا يُتقنه الجميع.
في قلب الفوضى التي خلّفتها الحرب، لم يعد الدفاع عن الممتلكات خيارًا، بل معركة مفتوحة بين المواطنين واللصوص. ففي السودان اليوم، لم تعد الأموال تُخبأ في الخزائن، بل في مجاري الصرف الصحي، ولم يعد "التُكْـتُك" يُركن في الأزقة، بل يُدفن تحت أكوام الطوب، في لعبة شطرنج يومية حيث البقاء للأذكى.
هذه الحيل ليست مجرد وسائل لحماية الممتلكات، بل إعلان تحدٍّ صامت من شعب يرفض أن يكون ضحية. إنها ليست فقط مُحاولات للنجاة، بل دليلٌ على أنّ الإبداع يولد من الألم، وأن السودانيين قادرون على تحويل الخوف إلى فن للبقاء وسط العاصفة.
قبل أيام، اجتاح مقطع فيديو غريب، مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر فيه "تُوكْ تُوك" مخبأ وسط كومة من الطوب الأحمر، يندمج تمامًا مع الصفوف المتراصة حوله. أحد المستخدمين علّق ساخرًا: "إذا لم يكن لديك مآرب، حوّل مركبتك إلى جزء من البناء" لكن هذه الحيلة ليست سوى واحدة من عشرات الابتكارات التي اجتاحت السودان منذ اندلاع الحرب.
إذ لم تعد الخزائن والمخازن أماكن آمنة لحفظ الممتلكات، فالبعض بدأ بدفن الأموال والمُقتنيات الثمينة في فناء المنازل، بينما حَـوّل آخرون جدران بيوتهم إلى مخابئ سرية للإلكترونيات والمجوهرات، في سباق غير معلن بين السكان واللصوص، أو "الشفشافة" كما يُطلق عليهم في السودان.
إلى ذلك أعاد مقطع "التُكْـتُك" الأذهان لمقاطع مشابهة، آخرها لشخصٌ يكشف كيف أخفى حقيبة تحتوي على تجهيزات عرسه، مدفونًا إيّاها في فناء منزله خوفًا من سرقتها أو "شفشفتها" كما قال.
تلك المَشَـاهِـد أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي، وأثارت موجة من التعليقات الطريفة والمذهولة. كتب أحدهم: "في السودان اليوم، لا يكفي أن تخفي ثروتك، عليك أن تجعلها تبدو بلا قيمة" فيما علّق آخر ساخرًا: "اللصوص بحاجة الآن إلى تدريبات في الهندسة المعمارية قبل أن يتمكّنوا من سرقتنا".
لكن وسط الإعجاب بهذه الأساليب، اشتعل جدلٌ آخر: هل كان من الحكمة مشاركة هذه الحيل علنًا؟ كتب أحد المعلقين بغضب: "لماذا نكشف كل شيء؟ الحرب لم تنتهِ، واللصوص يشاهدون أيضًا" فيما رد آخر: "إنه سباق مفتوح.. إذا كان لدى اللصوص ذكاء، فليطوروا أساليبهم أيضًا".
في بلد تحوّل فيه البقاء إلى مهارة، أصبحت السرقة أكثر تعقيدًا، وكذلك أساليب الحماية. ومع كل فكرة جديدة، يبقى السؤال: إلى متى يمكن للمواطنين التفوق على اللصوص؟ وما هي الحِيلة القادمة التي لم تُكشف بعد؟