آخر الأخبار

لماذا بكت أم كلثوم بالخرطوم؟.. شاهد على الزيارة التاريخية يروي

شارك
من زيارة أم كلثوم إلى الخرطوم في ديسمبر 1968

في أواخر ديسمبر 1968، تحوّلت الخرطوم إلى مسرح مفتوح للحماس القومي، حيث استقبل السودانيون أم كلثوم بحفاوة غير مسبوقة، في مشهد تجاوز حدود الإعجاب الفني إلى مستوى الاحتفاء الوطني. جاءت الزيارة في ذروة جولات كوكب الشرق لدعم المجهود الحربي بعد نكسة يونيو 1967، ومع صعودها على خشبة المسرح القومي في أم درمان، لم يكن الجمهور أمام مغنية وحسب، بل أمام رمز لعصر كامل.

أم كلثوم في السودان بعد هزيمة 1967

يروي وزير الثقافة والإعلام الأسبق في السودان، البروفيسور علي شمو، ذكرياته عن تلك الزيارة التاريخية، قائلاً لـ"العربية.نت": "زيارة كوكب الشرق للسودان جاءت بعد ما يُسمى بهزيمة 1967. كانت تلك الهزيمة قاسية، وأدت إلى إحباط واسع في الرأي العام العربي بصفة عامة.. كان هذا الإحباط سائداً في المجتمع العربي، مما دفع بعض الشخصيات البارزة للنهوض، ومن بينهم أم كلثوم، التي أرادت استعادة القوة والهيبة للقوات المسلحة ورفع الروح المعنوية. فقامت بما يُعرف بـ'المجهود الحربي"، حيث قررت التجول في العالم العربي وإحياء حفلات يعود ريعها لدعم القوات المسلحة العربية. وكان السودان أول دولة تستقبل هذه الزيارة".

الاستقبال الرسمي لأم كلثوم في السودان

يشير علي شمو، الذي كان يشغل منصب مدير التلفزيون في ذلك الوقت، إلى أن "السودانيين تعاملوا مع أم كلثوم كأنها رئيس دولة، حيث خصّصت شركة "سودان إيرويز" طائرة خاصة لها، بالإضافة إلى الصحافيين والضيوف المرافقين. عند وصولها إلى المطار، استقبلها وزير الإعلام آنذاك، عبد الماجد أبو حسبو، وكان المطار مزدحماً بجمهور غفير. وكإعلاميين، قمنا بتغطية الحدث عبر عدد كبير من الصحافيين وفرق الإذاعة".

ويوضح شمو أن أم كلثوم أحيت حفلتين في المسرح القومي. كانت الحفلة الأولى رسمية، حضرها الزعيم إسماعيل الأزهري، إلى جانب عدد كبير من الشخصيات المهمة، وكانت التذاكر مرتفعة السعر، ما جعل الحضور مقتصراً على طبقات معينة من المجتمع. كان هناك قلق من أن الجمهور السوداني، غير المعتاد على الحفلات الطويلة التي تمتد لأكثر من ساعة، قد لا يتفاعل معها كما يفعل الجمهور المصري، لكن المفاجأة كانت أن التفاعل كان استثنائياً.

أما الحفلة الثانية، فكانت مفتوحة للجمهور، وخصص ريعها لدعم المجهود الحربي. ورغم أن عائد حفلاتها لم يكن كافياً لشراء دبابة، إلا أن الهدف الأساسي كان رفع الروح المعنوية.

من زيارة أم كلثوم إلى الخرطوم في ديسمبر 1968

أداء أسطوري لـ"هذه ليلتي"

يقول شمو لـ"العربية.نت": "من المواقف المميزة أن أول أغنية أدّتها في السودان كانت "هذه ليلتي"، وهي من كلمات الشاعر اللبناني جورج جرداق. كان تسجيل السودان لهذه الأغنية من أفضل التسجيلات، لذا أُعيد استخدامه في العديد من المسارح لاحقاً".

مراسم زواج سوداني

أكد شمو تأثر الفنانين السودانيين بزيارتها، واحتفلوا بها عبر لقاءات وزيارات خاصة. كما كان الاتحاد النسائي السوداني آنذاك منظمة قوية ومتقدمة مقارنة بنظيراتها في العالم العربي، ما أثار إعجاب أم كلثوم، خاصة عندما استقبلتها مجموعة من السيدات السودانيات ورافقنها في زياراتها. ومن أبرز محطاتها كانت زيارتها لبيت السيد علي الميرغني، مرشد السجادة الختمية في الخرطوم بحري، حيث شهدت مراسم زفاف سودانية تقليدية.

وأوضح شمو أن الصحافة السودانية والإذاعة والتلفزيون كانت مشغولة بتغطية الزيارة، التي طغت على كل النشاطات الاجتماعية في تلك الفترة، حيث استمرت منذ بدايات ديسمبر 1968 حتى الأيام الأخيرة من ذلك العام.

من زيارة أم كلثوم إلى الخرطوم في ديسمبر 1968

مفاجأة جعلتها تبكي بشدة

أقامت أم كلثوم في بيت الضيافة قرب صينية الاتحاد الاشتراكي بالخرطوم، حيث لم يُفضَّل إنزالها في فندق السودان أو "الجراند هوتيل". ومن المواقف المؤثرة خلال زيارتها - كما يقول شمو - أنه في 25 ديسمبر، عندما عادت إلى مقر إقامتها بعد المغرب، وجدت احتفالاً ضخماً ومائدة عامرة تكريماً لها بمناسبة عيد ميلادها. تأثرت بشدة وبكت، لأنها لم تكن تتوقع أن يعرف السودانيون تاريخ ميلادها أو يحتفلوا به بهذه الحفاوة.

الإرث الإعلامي للزيارة

يؤكد شمو أن كل تفاصيل تلك الزيارة موثقة في دار الوثائق السودانية، حيث يمكن العثور على أرشيف الصحف التي غطتها في ديسمبر 1968. كذلك، تحتفظ الإذاعة السودانية بتسجيلات الأغاني التي قدمتها، والتلفزيون يمتلك جميع المقاطع المصورة، بينما توجد ألبومات صور فوتوغرافية توثق لحظاتها في السودان. رغم مرور الزمن، لا تزال هذه الزيارة حاضرةً في ذاكرة من عاشوا تلك الفترة.

من زيارة أم كلثوم إلى الخرطوم في ديسمبر 1968

كواليس المقابلة الحصرية مع أم كلثوم

وعن تفاصيل المقابلة الحصرية التي أجراها مع أم كلثوم، يستعيد شمو كواليسها، قائلاً لـ"العربية.نت": "اقترح وزير الإعلام، عبد الماجد أبو حسبو في ذلك الوقت، إجراء مقابلة تلفزيونية معها، وبحكم أنني كنت مدير التلفزيون آنذاك، كان من واجبي اختيار المذيع المناسب. رغبتُ في منح الفرصة لأحد المذيعين الشباب، لكن الوزير أصر على أن أجريها بنفسي. رغم أنني كنت محترفاً في المجال، إلا أنني كنت حريصاً على عدم حرمان زملائي من هذه الفرصة، ولكن الوزير حسم الأمر".

وتابع بالقول: "استقبلتها في التلفزيون، وكان برفقتها عدد من رؤساء التحرير والإعلاميين. كان التسجيل في البداية مخططاً لأن يكون قصيراً (حوالي 4 دقائق)، لكن الحوار تطور بشكل غير متوقع، واستمر لأكثر من 40 دقيقة، حيث خرجت الأسئلة تلقائياً أثناء الحديث. كانت المفاجأة أن هذا التسجيل أصبح أفضل مقابلة أجرتها أم كلثوم، وتم بثه لاحقاً في العديد من الإذاعات والتلفزيونات العربية، ويُعاد بثه سنوياً في ذكرى وفاتها".

"كنا نراها أكثر من مطربة".. جمهور يتذكر

في مساء الثلاثين من ديسمبر 1968، جلس كمال سالم، ابن السادسة عشرة، في الصفوف الأولى بالمسرح القومي السوداني، مترقباً ظهور أم كلثوم، التي جاءت لتوقظ الإحساس العربي في قلوب السودانيين بعد سنوات من العزلة تحت الاستعمار.

واليوم، بعد أكثر من خمسة عقود، يستعيد كمال سالم، في حديثه لـ"العربية.نت"، تفاصيل الاستقبال الأسطوري لكوكب الشرق، حيث احتشد الآلاف في مطار الخرطوم وشوارعها يهتفون ويصفقون، بينما زارت القصر الجمهوري، مقرن النيلين، والمجلس البلدي، في جولة تحوّلت إلى لحظة خالدة في ذاكرة السودان.

الوزير العاشق لصوت أم كلثوم

يؤكد سالم أن وراء هذا الحدث الفريد كان هناك رجل واحد: عبد الماجد أبو حسبو، وزير الإعلام السوداني آنذاك، الذي حوّل ولعه بصوت أم كلثوم إلى حدث ثقافي غير مسبوق، صنع ذاكرة فنية ما زالت تتردد أصداؤها حتى اليوم. وبعد تسعة أيام من السحر، غادرت أم كلثوم الخرطوم، لكن صوتها ظل حياً، محفوراً في ذاكرة السودان، كصوت عبر الحواجز ليجمع القلوب على نغمة واحدة.

العربيّة المصدر: العربيّة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار