آخر الأخبار

الساعات النووية.. ما أهميتها وهل أصبحت قريبة المنال؟

شارك
ساعة (رويترز)

تُعدّ الساعات النووية أحدث ما توصل إليه العلم في مجال ضبط الوقت فائق الدقة. وقد اقترحت منشورات حديثة في مجلة نيتشر طريقة وتقنية جديدتين لبناء هذه الساعات.

لقد أصبح قياس الوقت أكثر دقة مع تطور البشر في ابتكار ساعات أكثر فعالية، ومع ذلك فإن ساعة يد عادية من نوع كوارتز قد تفقد دقيقة واحدة خلال أسبوع كامل. وتعتبر الدقة المذهلة في قياس الوقت أمراً ضرورياً لأداء شبكات الهواتف المحمولة والعديد من جوانب حياتنا اليومية.

ما هي الساعات الذرية والنووية؟

تُعتبر أدق طريقة لقياس الوقت مستخدمة حاليًا هي ما يُعرف باسم الساعة الذرية، التي تستفيد من التذبذبات الطبيعية للذرة.

ولقياس تذبذب الذرة، يقوم الباحثون بتحفيزها بطاقة من ليزر، ويمكنهم تتبع التذبذب خلال فترة نبضة الليزر، مستخدمين هذه التذبذبات كـ"نقرات" لتحديد مرور الوقت. وتضمن أفضل الساعات الذرية عدم تقدمها أو تأخرها ثانيةً واحدةً على مدى عمر الكون المُقدّر بـ 14 مليار سنة.

ساهم أندريه ديريفيانكو، الفيزيائي النظري بجامعة نيفادا في مدينة رينو، على مدى العقدين الماضيين، في تطوير دقة غير مسبوقة في ضبط الوقت من خلال دراسات الساعات الذرية. ومؤخرًا، انضم ديريفيانكو إلى فريقين كبيرين من الفيزيائيين النظريين والتجريبيين الذين عملوا على الساعات النووية، بحسب ما نشره موقع الأخبار الخاص بجامعة نيفادا.

وقد أجرى بعض الحسابات التي مكّنت الباحثين من فهم إشارة الساعة الملاحظة وساهمت في تحديد مسارات تطوير الساعات النووية. وقال ديريفيانكو: "يمكن للساعات النووية، عند اكتمالها، أن تكون دقيقة بشكل لا يُصدق، بل أدق من الساعات الذرية".

وأوضح ديريفيانكو أن الساعات النووية تعمل بطريقة مشابهة للساعات الذرية، لكنها تقيس نواة الذرة بدلًا من الذرة نفسها. وهذا ما يجعلها شبه محصنة ضد القوى الخارجية التي قد تؤثر على دقة الساعة الذرية، مما يحسن دقتها بشكل كبير.

وقال: "من الأصعب بكثير فحص نواة الذرة مقارنة بفحص الذرة، ولهذا لدينا ساعات ذرية وليس ساعات نووية".

يتطلب فحص النواة استخدام أشعة ليزر لم يتمكن البشر من تطويرها بعد، باستثناء نظير فريد ونادر، وهو "ثوريوم-229 "، والذي يُعدّ مرشحًا واعدًا لضبط الوقت. ينتج "ثوريوم-229" عن تحلل اليورانيوم-233، المستخدم في المفاعلات النووية. والنظير هو نوع من العنصر الكيميائي نفسه، لكنه يختلف في عدد النيترونات في نواته.

ساهم ديريفيانكو في تطوير طريقة جديدة لمعالجة ثوريوم-229 وتحويله إلى طبقة رقيقة لاستخدامها في الساعات، مما يقلل من كمية هذه المادة النادرة والمشعة، ويجعلها بالتالي أرخص وأكثر أمانًا. وقال: "هذا سيفتح هذا المجال الجديد من البحث العلمي".

تؤدي رقة هذه الطبقات أيضًا إلى ظهور تأثيرات كمومية جديدة، يهتم ديريفيانكو بدراستها بتعمق. وقد يوفر تحلل "ثوريوم-229" طرقًا جديدة لدراسة مركبات الثوريوم، مما قد يُسهم في دراسات توليد الطاقة النووية.

ويُوسّع أحدث عمل لديريفيانكو، المنشور في مجلة نيتشر، الجهود المبذولة لتطوير الساعة النووية، من خلال إثبات نجاح استخدام طريقة مطيافية الليزر -التي كانت نظرية سابقًا- لأول مرة. ومطيافية الليزر هي تقنية علمية تستخدم الليزر لدراسة خصائص الذرات أو الجزيئات.

ولطالما استخدم الفيزيائيون مطيافية موسباور لمراقبة نواة الذرة وحساسيتها للبيئة المحيطة بها، وهي معلومة بالغة الأهمية لفهم حدود دقة الساعة.

وفي أحدث منشوراته، يعود ديريفيانكو إلى ذرة ثوريوم-229، هذه المرة مقترنة بذرتي أكسجين، لاستخدام مطيافية موسباور الليزرية لأول مرة. وفي السابق، كان لا بد من أن تكون المواد شفافة للضوء لتسجيل الانتقال النووي، ولكن مع مطيافية موسباور الليزرية، أصبح بالإمكان استخدام مواد معتمة، مما يسمح بدراسة فئة جديدة تمامًا من المواد باستخدام هذه التقنية. وتُحسّن هذه الطريقة قدرة المطياف على رصد الانتقال النووي في مختلف المواد.

تطوير الساعات النووية

على مدى العقدين الماضيين، عمل ديريفيانكو على ابتكار وتطوير وتحسين عدة فئات من الساعات. في عام 2012، نشر مقالًا يقترح فيه ساعة نووية، بالاشتراك مع أليكس كوزميتش، الذي يعمل حاليًا في جامعة ميشيغان، حيث بيّنوا أن الساعة النووية ستُحسّن دقة التوقيت بشكل كبير، واقترحوا منصة محددة قادرة على تحقيق هذه الدقة.

شكّلت ورقة بحثية نُشرت عام 2012 حافزًا رئيسيًا للبحث عن خط طيفي ضيق نادر يُشبه "الإبرة في كومة قش"، وهو الخط الطيفي الذي يُمكنه إثارة نواة الثوريوم-229. وقد تم العثور على هذا الخط أخيرًا ضمن الجزء فوق البنفسجي من طيف الضوء، في عام 2024.

في الآونة الأخيرة، عمل ديريفيانكو على نظرية الساعات النووية ذات الحالة الصلبة بالتعاون الوثيق مع فرق التجارب في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس ومعهد جيلا (JILA). وقد أدى هذا العمل إلى رصد إشارة الساعة النووية لأول مرة في عام 2024، وطوّر أفكارًا قد تُغيّر مسار هذا المجال لسنوات قادمة.

وقال ديريفيانكو: "إذا فهمنا الآليات المعقدة، لن نتمكن فقط من ابتكار آلية الساعة، بل سنتمكن أيضًا من تحسين أدائها".
ساعدت النظرية في تحسين دقة الساعات بشكل كبير، وتصغير حجمها.

يقول ديريفيانكو: "أحد أحلام هذا المجتمع هو امتلاك ساعات فائقة الدقة وقابلة للنقل. حاليًا، أفضل الساعات المحمولة بحجم خزانة كبيرة. تشير ورقتنا البحثية إلى إمكانية صنع ساعة فائقة الدقة بحجم الهاتف الذكي، يمكن حملها باليد".

هناك العديد من التطبيقات للساعات الأكثر دقة. يمكن استخدام الساعات النووية في الأقمار الصناعية لأنظمة تحديد المواقع العالمية والاتصالات، حيث تُستخدم العديد من الساعات الذرية، وكذلك في القياس الجيوديسي للجاذبية، التي تختلف حول الكوكب.

كما يمكن للقياسات الجيوديسية -وهي علم قياس شكل وحجم الأرض وتحديد مواقع النقاط عليها بدقة عالية- تحديد الموارد المعدنية المحتملة بناءً على الكثافات الفريدة للمعادن. ويمكن أن تساعد الساعات النووية أيضًا في البحث عن المادة المظلمة.

العربيّة المصدر: العربيّة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار