وسط عالم التكنولوجيا الذي لا ينام، هناك لحظات نادرة تكشف عمق التحولات الكبرى قبل حدوثها. لحظات تشعر فيها الشركات العملاقة بأن الأرض تتحرك تحت أقدامها. وهذا بالضبط ما يحدث اليوم في سوق الذكاء الاصطناعي، حيث دفعت خطوة واحدة من "ميتا" شركة "إنفيديا"—أكبر شركة في العالم من حيث القيمة—إلى إعادة حساباتها في السوق.
القصة بدأت عندما دخلت "ميتا" في محادثات مع "غوغل" لاستخدام شرائح TPU المتخصصة في تشغيل النماذج الذكية بكفاءة عالية. هذه الخطوة تحمل رسالة واضحة: "ميتا" لم تعد مستعدة للاعتماد الكامل على "إنفيديا"، الشركة التي تستحوذ على أكثر من 90% من سوق شرائح الذكاء الاصطناعي.
الخبر كان كافيًا لإثارة قلق المستثمرين. فبمجرد تداوله، تراجعت أسهم "إنفيديا" على الفور، في إشارة واضحة من السوق: الاحتكار يتزعزع.
لم تصل "غوغل"لهذه المرحلة بالصدفة. الشركة طورت شرائح TPU لسنوات واستخدمتها في تدريب نموذج "جيميني"، وبدأت بالفعل بيعها لشركات كبرى مثل "أنثروبيك"، لتثبت أنها ليست مجرد مشروع تجريبي، بل بديل حقيقي وفعّال يمكن لشركات التقنية الاعتماد عليه، خاصة في مهام الاستدلال وهي المرحلة التي يجيب فيها النموذج على أسئلة المستخدمين.
شرائح "غوغل" أثبتت تفوقًا ملحوظًا في جزء رئيسي من دورة عمل الذكاء الاصطناعي، ما يجعلها منافسًا استراتيجيًا وليس مجرد خيار جانبي.
"إنفيديا" لم تتأخر في الرد. الشركة قالت إن تقنياتها ما تزال متقدمة بجيل كامل على أي منافس، وإن شرائحها تتمتع بمرونة أكبر من شرائح غوغل المتخصصة.
لكن اللافت أن الرد نفسه يعكس حقيقة واحدة: المنافسة أصبحت جدية بالفعل. فعلى مدى سنوات، لم تكن إنفيديا مضطرة للدفاع عن موقعها. اليوم، الصورة تغيرت.
ما يجري الآن ليس مجرد محادثات بين شركتين. بل هو بداية سباق جديد سيعيد رسم خريطة سوق الشرائح الذكية خلال السنوات المقبلة.
ويعتبر العنوان الرئيسي لهذا السباق: من سيقود ثورة الذكاء الاصطناعي في العقد القادم؟.
قد تكون هذه اللحظة التي نشهد فيها تراجع هيمنة "إنفيديا" تدريجيًا، أو لحظة تُثبت فيها الشركة أنها لا تزال اللاعب الأكثر قوة وقدرة على الابتكار.
ومع تسارع سباق النماذج الذكية، من الواضح أن صراع الشرائح لن يكون أقل سخونة من صراع التطبيقات والأدوات، وأن السنوات المقبلة ستحسم شكل المنافسة في أحد أهم أسواق التكنولوجيا في العالم.
المصدر:
العربيّة