غضت الحكومة الأميركية البصر عن وصول مثيلتها الصينية إلى أحدث التقنيات التي تطورها الشركات الأميركية واستخدامها في تطوير أنظمة المراقبة والقمع منذ ما يقرب من عقدين وتحت أنظار 5 حكومات أميركية جمهورية وديمقراطية، وذلك وفق تحقيق نشرته "أسوشيتد برس".
ويضيف التقرير الذي أسهم كل من جارانس بيرك، ودايك كانج، وبايرون تاو في كتابته بأن الحكومة الأميركية ساعدت في بعض الأحيان الشركات الأميركية على بيع تقنياتها إلى الهيئات المرتبطة بالحكومة الصينية مثل الشرطة الصينية وشركات المراقبة وحتى بعض الهيئات الحكومية الأمنية.
وتم ذلك عبر مجموعة من الثغرات القانونية التي تتيح للكيانات الصينية المختلفة سواء كانت حكومية أو خاصة الوصول إلى التقنيات الأميركية من خلال آليات للالتفاف حول قواعد التصدير الصارمة مثل الخدمات السحابية وموزعي الطرف الثالث فضلا عن الثغرات في العقوبات التي أقرتها الحكومة الأميركية بعد مذبحة "تيانامين".
ورغم الاعتراضات الحزبية المختلفة، غض الكونغرس البصر عن هذه الثغرات وسمح للحكومة الصينية والشركات على حد سواء باستغلالها وفق ما جاء في التقرير.
ويشير التقرير إلى أن الصين تمكنت من شراء معدات لصناعة الشرائح المتطورة بأكثر من 20 مليار دولار خلال عام 2024، وذلك رغم العقوبات المتعلقة ببيع الشرائح وتقنياتها المختلفة.
ويوجه التقرير أصابع الاتهام إلى الشركات التقنية العاملة في الصناعات المختلفة وجماعات الضغط المرتبطة بها، مضيفا بأن نفوذ شركات "وادي السيليكون" وجماعات الضغط التابعة لها أصبح أكثر وضوحا في عهد الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب.
كما أن ترامب سعى في الشهور الماضية لتعزيز الارتباط بين الاقتصاد الأميركي ودافعي الضرائب من جهة، ومن الجهة الأخرى الشركات التقنية ومصالحها في بيع تقنياتها للصين، وذلك عبر مجموعة من القرارات المختلفة المرتبطة بشركات الشرائح الأميركية.
ومن بينها استحواذ الحكومة الأميركية على حصة 10% تبلغ قيمتها 11 مليار دولار في شركة "إنتل" لصناعة الشرائح، فضلا عن رفع ضوابط التصدير لشرائح " إنفيديا " و"إيه إم دي" إلى الصين مقابل 15% من إيرادات.
كشف تقرير "أسوشيتد برس" عن إنفاق الشركات التقنية مئات الملايين من الدولارات خلال السنوات الـ20 الماضية على جماعات الضغط التابعة لها، وهي الجماعات التي استهدفت القوانين التي تؤثر على العلاقة التجارية بين الصين وهذه الشركات.
ويذكر تشو فنغسو الناشط الصيني الذي كان جزءا من تظاهرات ميدان "تيانامين" عام 1989 قبل أن يصبح مواطنا أميركيا وشاهدا على انتهاكات حقوق الإنسان التي حدثت أثناء فض هذه التظاهرات في الصين في حديثه مع "أسوشيتد برس" أن الحكومة الأميركية تتجاهل مساعدة الشركات لبكين في مراقبة شعبها وفرض الرقابة عليه.
ووقف فنغسو أمام الكونغرس الأميركي في عام 2024 طالبا من الحكومة الأميركية التحقيق في دور الشركات الأميركية في بناء أنظمة المراقبة الصينية، وهو الأمر الذي عززه تقرير منفصل نشرته "أسوشيتد برس" في سبتمبر/أيلول الماضي حول دور الشركات الأميركية في بناء أنظمة المراقبة الصينية.
وقال فنغسو واصفا هذا التغافل: "إنه مدفوع بالربح، ولهذا السبب أسكتت المناقشات الإستراتيجية أو أجلت.. أشعر بخيبة أمل شديدة.. هذا فشل إستراتيجي للولايات المتحدة".
ويذكر التقرير تعاون "إنتل" السابق مع شركة صينية لجمع بصمات أصابع المواطنين خلال الأعوام الماضية دون الكشف عن تفاصيل هذا التعاون للحكومة الأميركية.
ومن جانبها، أوضحت "إنفيديا" أن شرائحها لا تستخدم في بناء أنظمة المراقبة أو برمجياتها، كما أنها غير مصممة للتعامل مع هذه البرمجيات ولا تتعاون الشركة مع السلطات القانونية في الصين.
تستطيع الكيانات الصينية سواء كانت شركات أو هيئات حكومية الوصول إلى أحدث الشرائح المرتبطة بالذكاء الاصطناعي والاستفادة من قدراتها الهائلة دون حتى أن تشتري الشرائح أو تحصل عليها من أي شركة.
وذلك بفضل مراكز الحوسبة السحابية والخدمات المرتبطة بها مثل " مايكروسوفت أزور" أو "إيه دبليو إس"، ويشير التقرير إلى أن هذه الشركات لا ترفض تخزين مقاطع المراقبة أو حتى استخدام أنظمتها في المراقبة.
ويذكر تقرير "أسوشيتد برس" أن شركة "إس دي آي سي كونتك" (SDIC Contech) وهي شركة تقنية مملوكة للحكومة الصينية وتعمل مع الذكاء الاصطناعي حاولت الوصول إلى خدمات "إيه دبليو إس" و"أزور" عبر تعاقد خارجي.
كما سعى معهد "شنغهاي تشي تشي" (Shanghai Qi Zhi) وهو معهد بحثي مدعوم من الحكومة الصينية ويعمل على تقنيات حساسة عديدة مثل التشفير إلى الحصول على خدمات سحابية بقيمة تتجاوز 280 ألف دولار من "أزور" أملا في الاستفادة من شرائح "أوبن إيه آي" الموجودة بمراكز بياناتها.
وينطبق الأمر كذلك على "داهوا" (Dahua) و"هيكفيجن" (HikVision) البارزتين في قطاع كاميرات المراقبة، وكلاهما يشير إلى استخدام خدمات " أمازون " السحابية في مواقعهم الرسمية.
ومن جانبها، أنكرت "مايكروسوفت" تقديمها لهذه الخدمات السحابية لأي شركة صينية تعمل في قطاع المراقبة، كما أن "أوبن إيه آي" أكدت أنها ملتزمة بمعايير وقوانين "مايكروسوفت" في الخدمات السحابية ولا تعمل مع الشركات الصينية.
استغلت الشركات الصينية أيضا مجموعة من الثغرات الموجودة في القوانين التي أقرتها الحكومة الأميركية بعد مجزرة "تيانامين"، إذ لم تكن تغطي هذه القوانين تقنيات المراقبة الحديثة التي تتضمن كاميرات المراقبة الحديثة وأنظمة التعرف على الوجه وحتى برمجيات المراقبة.
ولكن حاول المشرعون في 5 مرات مختلفة في الفترة بين عام 2006 وعام 2013 إغلاق هذه الثغرات دون طائل بسبب العقبات البيروقراطية.
وتعد محاولة وزارة التجارة في عام 2008 لتحديث قوانين العقوبات حتى تشمل أجهزة الاستشعار الحيوي أبرز الأمثلة على هذه العقبات البيروقراطية، إذ تعطل الطلب حتى جاءت إدارة جديدة لاحقا.
ويرى رون وايدن السيناتور الديمقراطي من ولاية أوريغون أن جميع الشركات التقنية تملك ثروة طائلة، وهو القاسم المشترك بينها جميعا والسبب الرئيسي في توقف كافة المحاولات لتحديث قوانين الصادرات.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة