تصاعدت حدة التوتر هذا الأسبوع بين قادة وادي السيليكون والمدافعين عن أمان الذكاء الاصطناعي، بعد تصريحات مثيرة من مسؤولين بارزين في القطاع، بينهم ديفيد ساكس، المبعوث الرئاسي للذكاء الاصطناعي والعملات الرقمية في البيت الأبيض، وجيسون كوون، كبير مسؤولي الاستراتيجية في "OpenAI".
تبادل الجانبان الاتهامات حول نوايا جماعات السلامة، وسط مخاوف من أن تتحول جهود الرقابة على الذكاء الاصطناعي إلى صراع نفوذ وتنظيمات سياسية واقتصادية، بحسب تقرير نشره موقع "تك كرانش" واطلعت عليه "العربية Business".
اتهم ساكس شركة أنثروبيك، التي تعد من أبرز المختبرات المنافسة لـ "أوبن إيه آي"، بأنها تمارس تخويفاً منظمًا للضغط نحو تشريعات تخدم مصالحها وتضر بالشركات الناشئة الأصغر.
وجاءت تصريحاته رداً على مقالة كتبها مؤسس "أنثروبيك" المشارك جاك كلارك تحدّث فيها عن مخاوفه من المخاطر المجتمعية المحتملة للذكاء الاصطناعي، في مؤتمر بأميركا.
ذهب ساكس أبعد من ذلك، زاعماً أن "أنثروبيك" تنتهج ما وصفه بـ "استراتيجية استحواذ تنظيمي" تهدف إلى كسب نفوذ حكومي، رغم أن مراقبين وصفوا موقفه بأنه محاولة لتشويه جماعات الحذر من الذكاء الاصطناعي.
وجّهت شركة OpenAI مذكرات استدعاء قانونية (subpoenas) إلى عدد من المنظمات غير الربحية العاملة في مجال أمان الذكاء الاصطناعي، منها مؤسسة Encode، مطالبة بالكشف عن مراسلاتها مع إيلون ماسك ومارك زوكربيرغ.
وجاءت الخطوة بعد أن انضمت تلك المنظمات إلى دعاوى تنتقد إعادة هيكلة الشركة، معتبرة أنها ابتعدت عن مهمتها الأصلية كمنظمة غير ربحية.
وأوضح كوون أن هدف الخطوة هو "التحقق من الشفافية"، لكن منتقدين رأوا فيها محاولة لإسكات الأصوات المعارضة.
حتى داخل "أوبن إيه آي"، عبّر بعض المسؤولين عن استيائهم، إذ كتب مدير قسم مواءمة الأهداف في الشركة جوشوا أشيام على منصة "إكس" قائلاً: "قد يكون هذا الرأي مكلِّفاً لمسيرتي، لكن ما نفعله لا يبدو جيداً".
فضّل عدد من قادة المنظمات غير الربحية التحدث دون ذكر أسمائهم خوفاً من الانتقام أو فقدان التمويل.
وقال أحدهم إن تحركات وادي السيليكون تهدف إلى تخويف المنتقدين وثني الآخرين عن المطالبة بضوابط أقوى.
كما أشار بريندان ستاينهاوزر، الرئيس التنفيذي لتحالف Alliance for Secure AI، إلى أن بعض الشركات الكبرى، وعلى رأسها "أوبن إيه آي"، تتعامل مع دعاة الأمان باعتبارهم أدوات في مؤامرة يقودها ماسك، بينما الواقع، على حد وصفه" أن كثيراً من المنظمات تنتقد نهج شركة xAI التابعة لماسك أيضاً.
تكشف هذه المواجهة عن انقسام متزايد داخل صناعة الذكاء الاصطناعي بين من يريد تطوير التقنية بسرعة لتوسيع السوق، ومن يطالب بإبطاء وتيرة التقدم لحماية المجتمعات من المخاطر الأخلاقية والاقتصادية.
ففي الوقت الذي تتدفق فيه استثمارات بمليارات الدولارات إلى الذكاء الاصطناعي، تخشى الشركات أن تؤدي التشريعات الجديدة إلى تباطؤ النمو أو نقل الابتكار إلى دول أخرى.
لكن مع سنّ كاليفورنيا أول قانون لتنظيم سلامة روبوتات الدردشة (Chatbots) الشهر الماضي، يبدو أن حركة الأمان تكتسب زخماً سياسياً وقانونياً حقيقياً مع اقتراب عام 2026.
يرى محللون أن هذه المواجهة بين الشركات الكبرى والمنظمات الحقوقية ليست سوى مقدمة لصراع أوسع حول من يضع قواعد الذكاء الاصطناعي في العالم وادي السيليكون أم الحكومات والمجتمع المدني؟
ففي عالم تُحرّكه الخوارزميات والتمويل الضخم، تبدو سلامة الذكاء الاصطناعي أقرب إلى ميدان صراع على النفوذ، أكثر من كونها مجرد قضية أخلاقية.