يزداد الحماس بين الباحثين بشأن نموذج ذكاء اصطناعي قوي آخر ظهر من الصين، بعد أن فاجأت "ديب سيك" الصينية العالم بإطلاق نموذجها "R1" في يناير.
ويُضاهي أداء نموذج "كيمي كيه 2" ( Kimi K2)، الذي أطلقته شركة مونشوت (Moonshot) ومقرها بكين في 11 يوليو، أو يتفوق على منافسيه الغربيين، وكذلك بعض نماذج "ديب سيك"، في عدد من المعايير القياسية، وفقًا لما أعلنته شركته.
ويبدو أنه يتفوق تحديدًا في البرمجة ويحقق نتائج مرتفعة في اختبارات مثل "LiveCodeBench"، بحسب تقرير لمجلة نيتشر، اطلعت عليه "العربية Business".
ومثلما هو الحال مع نماذج "ديب سيك"، فإن "كيمي كيه 2" مفتوح المصدر، مما يعني أنه يُمكن للباحثين تنزيله والبناء عليه مجانًا.
ويمكن الوصول إليه من خلال واجهة برمجة تطبيقات بسعر زهيد مقارنةً بأسعار النماذج البارزة، مثل "Claude 4" من "أنثروبيك" ومقرها سان فرانسيسكو في كاليفورنيا.
وقالت أدينا ياكيفو، وهي باحثة الذكاء الاصطناعي في منصة "Hugging Face" للعلوم المفتوحة، ومقرها مدينة نيويورك: "المجتمع يمكنه استخدامه (النموذج) بحرية، وضبطه، والبناء عليه دون الحاجة إلى تدريب نموذجهم الخاص من الصفر".
وبعد يوم واحد فقط من إطلاقه، تم تنزيل "كيمي كيه 2" بمعدل أعلى من أي نموذج آخر على المنصة، وفقًا لبيانات "Hugging Face". ووصفت ياكيفو إصداره بأنه يمثل تكرارًا لـ"لحظة ديب سيك".
وعلى عكس العديد من النماذج القوية الأخرى، فإن "كيمي كيه 2" ليس نموذجًا "استدلاليًا"، أي أنه ليس نموذجًا مُدرّبًا على التعامل مع الطلبات والاستفسارات باستخدام منطق خطوة بخطوة، بل هو نموذج لغوي كبير وكيل، مما يعني أنه يَعِد بتنفيذ مهام متعددة الخطوات باستخدام مجموعة متنوعة من الأدوات، مثل تصفح الويب أو استخدام برمجيات الرياضيات.
وبعض نماذج الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك بعض إصدارات "شات جي بي تي"، قادرة بالفعل على القيام بذلك، لكنها غير مفتوحة المصدر.
ولا يزال باحثو الذكاء الاصطناعي يتحققون مما إذا كان بإمكانهم تكرار أمثلة على سلوك وكيل الذكاء الاصطناعي الذي تقول "مونشوت" إن "كيمي كيه 2" قادر على القيام به.
يشير ظهور نموذج ثانٍ مبهر من الصين خلال ستة أشهر إلى أن هذا الإنجاز ليس حالة استثنائية.
وكتب ناثان لامبرت، الباحث في مجال تعلم الآلة في معهد ألين للذكاء الاصطناعي، ومقره سياتل في واشنطن، في نشرته البريدية "Interconnects"أن "إصدار DeepSeek R1 في وقت سابق من هذا العام كان أشبه بمقدمة تمهيدية أكثر منه صدفة عابرة في مسار الذكاء الاصطناعي".
ونشر على منصة التواصل الاجتماعي "بلوسكاي" أن "كيمي كيه 2" هو "أفضل نموذج مفتوح المصدر جديد في العالم".
تأسست "مونشوت" في مارس 2023، وهي شركة ناشئة لم تكن معروفة كثيرًا في الغرب حتى الآن. لكن روبوت الدردشة "كيمي" الخاص بها، والمبني على نموذج لغوي كبير سابق، كان بالفعل ثالث أكثر روبوت دردشة استخدامًا في الصين في نوفمبر 2024، وفقًا لـ"كاونتربوينت"، وهي شركة لأبحاث السوق مقرها هونغ كونغ.
ويُقال إن عملاقي التكنولوجيا الصينيين "علي بابا" و"تينسنت" من بين مستثمري الشركة الناشئة.
ويُعد "كيمي كيه 2" نموذجًا ضخمًا بقدر داعميه، إذ يحتوي على تريليون من المُعلمات، وهي القيم القابلة للتعديل التي تُشير إلى قوة الترابطات داخل النموذج.
وقال لامبرت إن هذا العدد الكبير من المعلمات يشكل تحديًا للمختبرات الصغيرة لتشغيله. ومع ذلك، يُفعّل "كيمي كيه 2" 32 مليار مُعلمة فقط في المرة الواحدة، مُستخدمًا بنية تقنية "مزيج الخبراء" التي تُتيح له استخدام الأجزاء ذات الصلة فقط من النموذج لكل مهمة، مما يُساعد على ضبط مقدار قوة الحوسبة التي يتطلبها.
وإلى جانب البرمجة، يبدو أن "كيمي كيه 2" يتمتع بمهارة في الكتابة، فقد أشاد بعض المُعلقين على الذكاء الاصطناعي على منصة التواصل الاجتماعي "X" بأسلوب كتابته الذي يبدو مُختلفًا عن الذكاء الاصطناعي التقليدي.
ويتصدر النموذج حاليًا قائمة النماذج في معيار الكتابة "Creative Writing v3"، الذي يقيم معايير مثل واقعية الشخصيات وتجنب الكليشيهات، واختبار "EQ-bench 3"، الذي يحلل الذكاء العاطفي للنماذج في سيناريوهات لعب الأدوار.
لكن "كيمي كيه 2" لا يتفوق في جميع المهام. ففي اختبار "SciMuse"- وهو معيار يُقيّم مدى جودة تنبؤ الذكاء الاصطناعي بالأفكار التي قد يجدها الباحثون البشريون مثيرة للاهتمام- جاء البرنامج بعد نموذج "Gemini" من شركة غوغل ومجموعة نماذج التفكير من "OpenAI"، كما يقول ماريو كرين، الذي يقود مختبر "Artificial Scientist Lab" في معهد ماكس بلانك لعلوم الضوء في إرلانجن بألمانيا.
ومع ذلك، فإن "مونشوت"هي واحدة من بين العديد من الشركات الصينية التي قررت نشر نماذجها بشكل مفتوح، كما قالت ياكيفو.
وقال لامبرت إن الولايات المتحدة بحاجة إلى نموذج مفتوح المصدر بمستوى النماذج التي تطورها "ديب سيك" و"مونشوت" لمواجهة تراجع نفوذ البلاد في مجتمعات المصادر المفتوحة والاوساط الأكاديمية، وهو ما يشير إليه باسم "مشروع ديب سيك الأميركي".