ألقى طارق كريم مؤسس شركة الذكاء الاصطناعي "ديسيدنت إيه آي" ( Dissident AI) محاضرةً حول العلاقة التبادلية بين السياسة والتقنية ضمن فعاليات قمة الويب 2025، وذلك في محاولة منه لدراسة الأثر الذي تمتلكه السياسة على العالم التقني فضلا عن الأثر المعاكس للساحة التقنية على السياسة العالمية وعلاقتها بالدول.
زادت السطوة السياسية على القطاع التقني في السنوات الماضية، وأصبحت السياسة قادرة على تغيير مسار التكنولوجيا العالمية بشكل كبير، فبعدما كانت الشركات تسعى لإطلاق المنتجات فقط دون التركيز على آثارها السياسية، تغير الأمر لتحتاج الشركات لمراجعة بعض الجوانب السياسية قبل طرحها لأي منتج جديد في الأسواق.
وربما تعد العقوبات المطبقة على الشركات التقنية الصينية أوضح مثال على هذا الأثر الممتد، إذ أخرجتها الحكومة الأميركية من المنافسة تمامًا بعد تقويض وصولها إلى التقنيات الحديثة، فبعد أن قاربت "هواوي" على تخطي "سامسونغ" في المبيعات، أصبحت الآن تكافح لتظل موجودة.
تطرق طارق كريم ضمن محاضرته إلى بدايات عصر الإنترنت وتحديدًا الأزمة المعروفة باسم "سقوط .كوم"، وهي الفترة التي انهارت فيها الشركات التقنية والشركات التي حاولت الاستثمار بشكل واضح في الإنترنت والتقنيات المتعلقة به، وبشكل أوضح، فإن الإنترنت مر بـ3 مراحل أساسية، الأولى وهي التوسع في شركات الاتصالات، ثم التركيز على شركات البرمجيات التي تقدم حلولًا لمجموعة أقل من المستخدمين، وفي النهاية تقسيم الإنترنت والخدمات.
ويرى طارق أن هذه الأزمة لم تكن متعلقة بالشركات التي تعمل في قطاع الإنترنت فقط، بل أي شركة تعمل في قطاع الاتصالات بشكل عام، وضرب مثالًا على هذا مع شركة "وورلد كوم" (Worldcom)، وهي من الشركات التي عملت في قطاع الاتصالات بشكل عام وكانت تحقق نجاحات هائلة حتى عام 2002 عندما بدأت في الانهيار بشكل سريع لينتهي بها الأمر إلى الإفلاس بحلول 2005، وهو الوقت ذاته الذي أدرك فيه العالم أن المكسب الحقيقي من عصر الإنترنت ليس في بناء الحلول المتكاملة وشركات الاتصالات، بل في بناء شركات البرمجيات التي تستفيد من شبكات الإنترنت، وهي الفترة التي ظهرت فيها "غوغل" لتثبت للعالم أن بناء البرمجيات هو طريق النجاح الأبرز.
ضمن حديثه عن الاقتصاد في عالم الإنترنت أشار طارق كريم إلى أن الانفتاح على الاقتصاد العالمي أتاح للشركات تقديم خدماتها لجميع سكان كوكب الأرض، لذا أصبح من المعتاد أن نرى شركات وخدمات تملك مليارات المستخدمين حول العالم.
وفي أثناء هذا التحول، بدأ نوع جديد من الشركات في الظهور، وهي الشركات التي تعمل على تأجير معداتها وخدماتها لتسهيل عمل الشركات الأخرى، وتحديدًا شركات الخوادم والحوسبة السحابية، لتندرج شركات العالم في أحد النوعين، إما شركات مؤجرة تحصل على خدماتها من شركات أخرى، أو شركات تؤجر خدماتها للشركات الأخرى.
وهذا الأمر ينطبق أيضًا على تقنيات الذكاء الاصطناعي التي استبدلت الحوسبة السحابية، فالآن أصبح بإمكان الشركات تأجير خدمات الذكاء الاصطناعي من الشركات التي تعمل على تطويره، وربما يكون المثال الأوضح على ذلك هو نماذج الذكاء الاصطناعي المبنية على خدمات "أوبن إيه آي"، ولكن تم تعديلها لتلائم استخدام الشركات المختلفة.
في العادة، عندما تسعى الشركات لبناء نماذج ذكاء اصطناعي أو تقنيات خاصة بها، فإنها تحتاج إلى النظر لمجموعة من العوامل والمعطيات لتتمكن من النجاح في مسعاها، وذلك مثل الشرائح والتقنيات المستخدمة لبناء الخوادم أو تأجيرها فضلا عن التقنية المستخدمة للبناء ومصادر الطاقة والبيانات التي يتعامل معها هذا النموذج، ولكن من وجهة نظر طارق كريم، فإن هناك معطيات أخرى يجب النظر إليها وهي المعطيات السياسية وكيف تتأثر الشركات بها.
استرسل طارق في حديثه وأشار بشكل واضح إلى رحلة صناعة الشرائح كجزء واضح من المعطيات السياسية، فرغم أن الشريحة في النهاية تحمل اسم شركة واحدة من دولة واحدة، فإن الرحلة ذاتها لبناء هذه الشريحة تمثل تضافر العديد من الدول، بدءًا من توريد المكونات اللازمة لصناعة الشرائح وأشباه الموصلات وحتى توريد المعدات اللازمة لها ثم المخططات وأخيرًا مرحلة السبك نفسها وصناعة الشريحة، وهي جميعًا تتم في دول مختلفة، لذا كلما تغيرت العلاقة السياسية بين الدول المساهمة في بناء هذه الشرائح، فإن المنتج النهائي قد يتوقف.
أشار طارق كريم في محاضرته إلى ما أطلق عليه لحظة "ديب سيك" أو منهجية "ديب سيك"، وهي المنهجية التي مكنت الشركة الصينية من تقديم نموذج ذكاء اصطناعي قوي بكلفة أقل وبالاعتماد على موارد محلية قدر الإمكان، وهو الأمر الذي تستطيع أي دولة تملك الموارد اللازمة القيام به الآن.
وتابع طارق حديثه مشيرًا إلى أن كل ما تحتاج إليه الآن لبناء نموذج ذكاء اصطناعي وطني أو محلي الصنع هو خوادم محلية مستضافة داخل الدولة مع نموذج ذكاء اصطناعي مفتوح المصدر وآلية تدريب محلية لتمتلك نموذج ذكاء اصطناعي مثالي ومبني محليًا دون وجود الخبرات اللازم لبناء نموذج الذكاء الاصطناعي من الصفر.
ينطبق هذا الأمر أيضًا على كافة الشركات، إذ يمكن لكل شركة اتباع الأسلوب ذاته لبناء ذكاء اصطناعي خاص بها تتحكم في كافة تفاصيله بدءًا من الخوادم التي يتم الاستضافة عليها وحتى تدريب النموذج، ويمكن أيضًا اتباع الطريقة ذاتها لبناء ذكاء اصطناعي منزلي بالكامل.