قلّة من التقنيات الجديدة قادرة على توليد ضجة عالمية وزخم حولها مثل الذكاء الاصطناعي، إذ ينظر إليه البعض على أنه التقنية الأهم في العصر الحديث التي تغير شكل الحياة للأبد، والبعض الآخر يراه أمرا معتادا لا يستحق كل هذه الضجة.
ورغم هذا التباين الواضح في الآراء، كان لقطاع الأعمال وجهة نظر مختلفة، فمثلما حدث مع العملات الرقمية منذ عدة سنوات، اتجهت العديد من الشركات إلى قطاع الذكاء الاصطناعي طمعا للاستفادة من الضجة المحيطة به وبناء شركات ناجحة، ومن بينهم شركة "كوهير" (Cohere) التي كان أيدان جوميز، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لها ضيفا في إحدى جلسات قمة الويب 2025 في يومها الأول.
دارت الجلسة النقاشية بين أيدان جوميز وجينيفر سترونج منتجة تنفيذية ومضيفة برنامج "شيفت" (SHIFT) مع جينيفر سترونج، وفي مستهل الجلسة، وصفت جينيفر شركة "كوهير" بأنها "أوبن إيه آي" للشركات العملاقة، وذلك في محاولة منها لتقريب آلية عمل الشركة والخدمات التي تقدمها.
وعزز جوميز هذا الوصف قائلا إن شركته تركز أكثر على حلول الأعمال وتيسير عملية تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي من قبل الشركات العملاقة بشكل آمن وفعالة، وذلك من أجل تعزيز الإنتاجية في الشركات ورفع معدلات الكفاءة.
واسترسل جوميز في وصف شركته والفارق بينها وبين شركات الذكاء الاصطناعي الأخرى، مؤكدا أن "كوهير" تتبنى معايير الشركات المختلفة وتحاول تحقيقها عبر الذكاء الاصطناعي، وأشار إلى مشاكل الخصوصية المتعلقة بنماذج الذكاء الاصطناعي المعتادة، إذ إن البيانات عند استخدام "شات جي بي تي" كمثال يتم تخزينها في خوادم "أوبن إيه آي"، ولكن مع "كوهير" يتم تخزين كافة البيانات المتعلقة بالشركة في خوادمها الخاصة، فضلا عن أن شركته تعمل على تخصيص نموذج الذكاء الاصطناعي بشكل يتناسب مع كل شركة، إذ يحتاج فريقه دوما لفهم متطلبات كل شركة لبناء نموذج قادر على تلبية احتياجاتها.
أضاف جوميز أن أحد الاختلافات البارزة بينه وبين شركات الذكاء الاصطناعي الأخرى هو تكلفة تدريب وتطوير نموذج الذكاء الاصطناعي، فبدلا من إنفاق عشرات المليارات من الدولارات لتدريب نموذج الذكاء الاصطناعي بشكل منفرد لكل شركة، فإن "كوهير" تنفق أقل من ذلك كثيرا، مؤكدا أن ظهور "ديب سيك" ونجاحها عزز من مفهوم الشركة وسياستها في تطوير النماذج بكلفة منخفضة، إذ أثبت النموذج قدرته على منافسة النماذج ذات الكلفة الأكبر.
وعند سؤاله عن القطاعات التي يعمل معها والتي ساعدتها شركته، قال جوميز إنه يعمل مع العديد من القطاعات والشركات التي تقدر خصوصية وأمن المعلومات، بدءا من الشركات المالية وحتى شركات الهواتف المحمولة والاتصالات، ولكن نجاح الشركة كان متساويا بشكل كبير في العديد من القطاعات.
كما أشارت جينيفير سترونج إلى القضايا التي تواجه شركة "كوهير" من قبل الصحف والعديد من المواقع الكبيرة في الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي رفض جوميز التعليق عليه منتقلا للحديث عن دعم الشركة لمفهوم البيانات المفتوحة ومشاركتها في واحدة من أكبر حملات البيانات المفتوحة باللغات المتعددة حول العالم، بما فيها اللغة العربية، ومحاولة تقديم هذه المعلومات واللغات العالمية إلى الشركات في مختلف بقاع العالم.
كان أيدين جوميز واحدا من أعضاء فريق "غوغل" الذي ابتكر مفهوم "المحولات" (Transformers)، وهي التقنية التي مكنت نماذج الذكاء الاصطناعي من الظهور بشكلها المعروف حاليًا، لذا قامت جينيفر سترونج بسؤاله بشكل مباشر حول التقنيات التي يترقبها في الأعوام المقبلة.
جاءت إجابة جوميز واضحة، إذ قال إن نماذج الذكاء الاصطناعي القادرة على التفكير المنطقي هي الأكثر تشويقًا في السنوات المقبلة، كونها قادرة على التعامل مع المشكلات والأسئلة المقعدة بشكل أبسط وأكثر سهولة من بقية النماذج المنافسة.
كما أضاف أن النماذج القادرة على التفكير المنطقي هو انعدام المعلومات المغلوطة التي يقدمها النموذج للمستخدمين أو كما تعرف باسم "هلوسة الذكاء الاصطناعي" فضلا عن أن النماذج القادرة على التفكير المنطقي تستمر في التعلم والتطور بعد طرحها، وهي قدرة تقنية ما زالت قيد التطوير حتى الآن.
واستمر جوميز في وصف تقنيات الذكاء الاصطناعي القادرة على التفكير مشبها إياها بالعلماء القادرين على التفكير العلمي والبحث عن النتائج بشكل معقد ومقارنة النتائج والبحث عن أفضل النتائج، وهو ما يستطيع الذكاء الاصطناعي الاستفادة منه بشكل سريع والوصول إلى النتائج المثالية في خلال وقت قياسي.
وفي ختام حديثه، أكد جوميز أن التحدي الأكبر أمام تبني الذكاء الاصطناعي هو خصوصية البيانات وأمن المعلومات، وبينما تظن الشركات أن مشاركة هذه المعلومات والبيانات ضرورية للاستفادة من قدرات الذكاء الاصطناعي الخارق، فإن الواقع أبعد عن هذا، إذ يمكن تثبيت النموذج بشكل محلي في الخوادم الشركة وجعله قادرا على قراءة بيانات المستخدمين دون الحاجة لمشاركتها مع الشركة المطورة أو مغادرة خادم الشركة.