بينما اختفت الديناصورات من على وجه الأرض قبل نحو 66 مليون سنة، بسبب ما يعتقد العلماء إنه ضربة مذنب أو كويكب قوية طالت الأرض، كانت هناك كائنات زاحفة تشق طريقها بصمت عبر ذلك الدمار، لقد تفوقت على الديناصورات في قدرتها على التكيف مع تلك الكارثة الكبرى.
لم تكن هذه الكائنات ديناصورات، ولكنها انتمت إلى عائلة غامضة تعرف باسم "الديروصوريدات"، وهي مثال حيّ -أو بالأحرى أحفوري- على قدرة الطبيعة على النجاة في أحلك الظروف.
ظهرت هذه الكائنات في أواخر العصر الطباشيري واستمرت حتى بدايات عصر الإيوسين، أي أنها عاشت ما بين 80 إلى 40 مليون سنة مضت تقريبا. وقد اكتُشفت بقاياها في مناطق متعددة من العالم، أبرزها أفريقيا (خاصة في مصر والمغرب ومالي والنيجر)، إلى جانب أمريكا الجنوبية وآسيا وأوروبا.
والآن، أضاف فريق بحثي مصري من مركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية عضوا جديدا لهذه العائلة، بحسب دراسة نشرت في دورية "ذا زولوجيكال جورنال أوف لينيان سوسايتي".
تمثلت هذه الإضافة في مفترس مائي أطلق عليه العلماء اسم "واديسوكس كسّابي"، وبحسب الدكتور هشام سلام، أستاذ الحفريات الفقارية بجامعة المنصورة ومؤسس مركز الحفريات الفقارية وقائد الفريق البحثي في تصريحات حصلت الجزيرة نت على نسخة منها "يحمل اسم واديسوكس كسّابي جذورا مصرية عميقة، فكلمة وادي تشير إلى موقع الاكتشاف في محافظة الوادي الجديد، في حين أن سوكس يرجع إلى اسم الإله المصري القديم سُبِك، إله القوة والخصوبة ذي رأس التمساح".
ويضيف "أما كسّابي فتكريما للعالم الراحل أحمد كسّاب، أحد رواد الجيولوجيا والحفريات في مصر، الذي ألهمت جهوده أجيالا من الباحثين".
قبل نحو 80 مليون عام، كانت ما تُعرف اليوم بمحافظة الوادي الجديد منطقة مائية تعجّ بهذه الوحوش القديمة، وعلى خلاف التماسيح المعاصرة التي تفضل الأنهار والمستنقعات العذبة، عاشت الديروصوريدات في المياه الساحلية والبحار الضحلة.
وقد امتلكت هذه الكائنات تكيفات مذهلة ساعدتها على البقاء، حيث امتلكت خطما طويلا نحيلا، وأسنانا حادة متشابكة تمكنها من اصطياد الأسماك والسلاحف البحرية بإحكام، مانعة فرائسها من أي فرصة للهروب، وكانت بطول يتراوح بين 3.5 و4 أمتار.
تلك السمات المورفولوجية الفريدة كانت مفتاح نجاتها من الانقراض الجماعي الذي أنهى عصر المخلوقات العملاقة، لتغدو الديروصوريدات حلقة أساسية في قصة استمرار الزواحف بعد انهيار النظم البيئية القديمة، وشاهدا على قدرة الحياة على إعادة التشكل في وجه الفناء.
ورغم أنها كانت ماهرة في السباحة، فإن تركيب أطرافها يدل على أنها كانت قادرة أيضا على التحرك فوق اليابسة عند الحاجة، لتصطاد أو لتدفن بيضها مثل الزواحف المعاصرة.
وبحسب الدراسة، تشمل الحفريات التي استخرجها العلماء جمجمتين جزئيتين وأجزاء من خطمين لـ3 أفراد في مراحل نمو مختلفة، ويقول سلام "مكّنتنا تقنيات التصوير المقطعي الدقيق ثلاثي الأبعاد من كشف تفاصيل تشريحية لم تُرَ من قبل، وفتحت نافذة جديدة على البنية الداخلية لهذه الكائنات القديمة".
وتوضح سارة صابر، المدرسة المساعدة في كلية العلوم بجامعة أسيوط، وعضو الفريق، والمؤلف الأول للدراسة "تبين لنا أن واديسوكس يمتاز عن أقاربه بامتلاكه 4 أسنان أمامية بدلا من 5، وفتحات أنف تقع أعلى الخطم لتساعده على التنفس من سطح الماء، إضافة إلى تجويف عميق عند التقاء الفكين".
ومع دراسة تلك الحفريات، ومقارنتها مع أخرى لهذا الكائن، تبين للفريق البحثي أن أفريقيا كانت المهد الأول لظهورهذه العائلة، ومنها انتشرت فروعها إلى بقية أنحاء العالم.
ومن ثم تضع النتائج الجديدة واديسوكس في موقع أساسي على جذع شجرة نسب هذه المجموعة، مما يجعله أقدم أفرادها المعروفين حتى الآن، وأكثرهم بدائية.
ويختتم الدكتور هشام سلام بقوله هذا الكشف لا يبين فقط قدر أهمية هذه المجموعة من التماسيح، بل يكشف أن الصحراء الغربية المصرية ما زالت تخفي كنوزا تحفظ أسرار الماضي السحيق لكوكبنا.
ويضيف "مهمتنا لا تقتصر على اكتشاف هذه الكنوز، بل أيضا حمايتها من الزحف العمراني والزراعي، لأنها إرث للأجيال القادمة".
 المصدر:
        
             الجزيرة
    
    
        المصدر:
        
             الجزيرة
        
    
 مصدر الصورة
 
   مصدر الصورة 
   مصدر الصورة
 
   مصدر الصورة 
   مصدر الصورة
 
   مصدر الصورة