آخر الأخبار

شاهد.. التقاط أول صورة للضوء كموجة وجسيم في آن واحد

شارك

الضوء ببساطة نوع من الإشعاع، تشعه الشمس ويشعه المصباح عند تشغيله، مما يسمح لنا بأن نرى، فأنت ترى المصباح لأنه يشع ضوءا، وترى الجدار والكرسي والكتاب لأن أشعة الضوء القادمة من المصباح انعكست على هذه الأشياء ومرت إلى عينيك.

قد تبدو تلك معلومة بديهية، لكن أول من توصل إليها كان أبو علي الحسن بن الحسن بن الهيثم البصري قبل أكثر من ألف عام عبر تجربة نعرفها الآن باسم الحجرة المظلمة، وتمثل جهازا بسيطا مكونا من صندوق، أو غرفة مغلقة تماما، مع وجود ثقب صغير في أحد جدرانه. عندما يمر الضوء من خلال هذا الثقب، فإنه يسقط على السطح المقابل داخل الغرفة مكوّنا صورة مقلوبة للأجسام الموجودة خارج الثقب.

مصدر الصورة الحسن بن الهيثم (الجزيرة الوثائقية)

بعد ابن الهيثم، احتار العلماء والفلاسفة حول طبيعة الضوء، فمنذ قرون كان السؤال المطروح على طاولة النقاش هو: هل الضوء موجة أم جسيم؟

أثبت نيوتن أن الضوء جسيمات صغيرة تسير في خطوط مستقيمة، في حين أظهر هايجنز أنه ينتشر كموجة. ومع مرور الوقت، جاءت الفيزياء الحديثة لتقول شيئًا أكثر غرابة، وهو أن الضوء كلاهما معا: موجة وجسيم.

الموجة تشبه لحنا موسيقيا يملأ الغرفة، لا تستطيع أن تشير إلى نقطة واحدة وتقول إن "الموسيقى هنا فقط"، بل هي منتشرة في كل مكان وتستطيع أن تتداخل مع ألحان أخرى فتصبح أحيانا أقوى وأحيانًا أضعف. هذا بالضبط ما يحدث مع الموجات الضوئية، فهي تنتشر وتمتزج بطريقة تجعلها تتصرف كظاهرة ممتدة وليست شيئا منفصلًا.

أما الجسيم فهو أقرب إلى كرة صغيرة في يدك، له موقع محدد يمكن الإشارة إليه بدقة، ويمكنه أن يصطدم بأجسام أخرى أو ينقل طاقة مركزة في نقطة واحدة. الفوتون -وهو الجسيم الذي يمثل الضوء- يشبه "كرة طاقة صغيرة" تتحرك بسرعة هائلة.

وعلى الرغم من كل الأدلة النظرية والتجريبية، لم يتمكن أحد من تصوير هذه الازدواجية في مشهد واحد حتى مارس/آذار 2015، حين نجح فريق بحثي من المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا في لوزان في التقاط أول صورة للضوء يظهر فيها بوضوح كموجة وجسيم في الوقت نفسه، وسجلت هذه النتائج في دراسة بدورية "نيتشر كومينيكيشنز".

مصدر الصورة الضوء كموجة بالأعلى، وجسيم بالأسفل (المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا)

كيف التقطت الصورة؟

اعتمد الباحثون على تقنية متقدمة تعرف باسم المجهر الإلكتروني الفائق السرعة. بدأت التجربة بإطلاق نبضة ليزر نحو سلك معدني بالغ الصغر (بقطر النانو).

إعلان

هذا التفاعل أدى إلى نشوء ما يشبه موجة ضوئية واقفة على السلك، وهي موجة لم تتحرك إلى الأمام، بل بقيت "عالقة" في مكانها، مثل أوتار مشدودة تهتز. هذه الموجة جسدت الجانب الموجي للضوء، ويمكن رؤيتها في الصورة المرفقة بالمادة على شكل تموجات واضحة.

لكن الفريق لم يتوقف هنا. فقد أطلقوا أيضًا إلكترونات سريعة بالقرب من السلك، فتفاعلت مع الفوتونات (جسيمات الضوء).

بعض الإلكترونات اكتسب طاقة، وبعضها فقد، وبدا وكأنها "قفزت" بمقادير كمية، وهي من أهم خصائص الجسيمات في عالم الكم، النتيجة ظهرت في الصورة على شكل خطوط منفصلة للطاقة أو مستويات مميزة، وهي بصمة سلوك الضوء كجسيم يتبادل طاقة على هيئة فوتونات منفردة.

مصدر الصورة المجهر الإلكتروني (المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا)

موجة وجسيم معا

ولكن كيف يجمع الضوء بين سمتين مختلفتين إلى هذا الحد، أي أن يكون ذا طبيعة مزدوجة يتصرف كموجة وجسيم؟

لغرض التقريب لأن الواقع يختلف عن ذلك تماما، تخيل أن الضوء هو فتاة تدعى نورا، في جانب من شخصيتها فإن نورا تشتهر بحركات رقصها السلسة والمتدفقة (الضوء كموجة)، تحب نورا الرقص رفيقاتها في فرقة الفنون الشعبية، وتصنع أنماطًا جميلة في حلبة الرقص (خصائص الضوء الموجية).

لكن لنورا شخصية أخرى لا تظهر لنا على حلبة الرقص، إنها نورا الحازمة الدقيقة، فيمكنها إصابة الهدف بدقة في لعبة النبالة (الضوء كفوتونات)، تضرب نورا السهم بقوة، وتتخذ قرارات واضحة ومباشرة وثابتة (خصائص الضوء كجسيمات).

تجعلك هذه السمات في بعض الأحيان تتصور أنهما شخصان مختلفان، لكنهما في الحقيقة الشخص نفسه، إلا أن استجابته تختلف بحسب التجربة التي يوضع فيها، ولو دققت قليلا لوجدت أن هناك مزيجا مدهشا بين نورا الراقصة ونورا ضاربة السهام.

الضوء كذلك، يظهر بصفته الموجية في بعض التجارب، وبصفته الجسيمية في أخرى، لكنه في النهاية مزيج منهما، لا نفهمه بشكل كامل بعد.

والواقع أن العالم الكمومي دائما غريب بالقدر نفسه، وعن ذلك قال العالم الحاصل على نوبل في الفيزياء ريتشارد فاينمان "سأموت وأنا مطمئن أن لا أحد يفهم ميكانيكا الكم".

لا يقصد فاينمان أنها "مادة صعبة على الدراسة"، لكنه يقصد أن هذا العالم أغرب من أغرب تصوراتنا، ولا يشبه أي شيء نعرفه على الإطلاق.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار