في نظام نجمي بعيد، كشف علماء يدرسون قزما أبيض اسمه "دابليو دي 1647+375″، عن أدلة قوية تشير إلى أن هذا النجم يبتلع حطاما من كوكب أو كويكب جليدي غنيّ بالمتطايرات مثل الماء والنيتروجين.
الأقزام البيضاء هي المرحلة النهائية لحياة معظم النجوم، بما في ذلك شمسنا مستقبلا. فعندما ينفد وقود النجم النووي، ويتوقف اندماج الهيدروجين والهيليوم في قلبه، يفقد توازنه ويتمدد إلى عملاق أحمر ضخم، ثم يطرد طبقاته الخارجية في شكل سديم كوكبي ملون، ولا يبقى في المركز سوى قلب النجم، وهو ما نعرفه باسم "قزم أبيض".
عادة ما تتكون أغلفة النجوم القزمة البيضاء من الهيدروجين أو الهيليوم بعد أن ينتهي الوقود النووي في النجم، لذلك وجود عناصر مثل الكربون، الأكسجين، والكبريت، وكذلك كمية كبيرة من النيتروجين في الغلاف الجوي للنجم يُعدّ دليلا على أن هذا النجم يجمّع مادة من جرم تحطّم قريبا منه.
من خلال استخدام الأشعة فوق البنفسجية عبر مرصد هابل الفضائي، تمكن الباحثون من تحليل الطيف الكيميائي للغلاف الجوي للنجم. وقد وجدوا أن نسبة النيتروجين في المادة التي تُمتص من الكوكب المبتلع تقارب 5% من الكتلة، وهو أعلى مستوى نيتروجين تم رصده من قبل في حطام يُمتصّ من جرم فلكي في محيط نجم قزم أبيض.
كما أن كمية الأكسجين تفوق ما يُتوقع إذا كان الحطام صخريا فقط، مما يؤكد طبيعته الجليدية واحتوائه على مواد متطايرة، بحسب الدراسة التي نشرها الفريق في دورية "مونثلي نوتيس" التابعة للجمعية الملكية الفلكية في بريطانيا.
ومن الحسابات التي أجروها، يقدر العلماء أن الجرم الجليدي كان يزود النجم بمادة بمعدل حوالي 200 ألف كيلوغرام في الثانية على الأقل خلال السنوات الـ13 الأخيرة التي راقبها العلماء.
الأهمية العلمية لهذا الاكتشاف كبيرة لعدة أسباب. أولا، إنه يوفر دليلا واضحا على وجود أجسام جليدية وثروات مائية في نظم كوكبية خارج نظامنا الشمسي، ما يدعم فكرة أن الماء والمركبات الضرورية للحياة قد تكون شائعة في الكون، لا محصورة على نظامنا وحده.
ثانيا، الكشف عن أجرام غنية بالنيتروجين يساعدنا على فهم مكونات المواد المتطايرة التي تكون الكواكب الصغيرة أو المذنبات في أجرام بعيدة، ويسهم في رسم خريطة تنوع الكواكب الصغيرة بين النجوم المختلفة.
وأخيرا، فالنجوم القزمة البيضاء تعمل في هذه الحالة كـ"مسرح جرائم كوني"، عندما تبتلع أجساما قربها، تترك بقاياها الكيميائية في غلافها، ما يتيح للعلماء "إعادة بناء" طبيعة تلك الأجسام التي تحتوي على الماء أو الغازات المتطايرة.
مع ذلك، تبقى هناك أسئلة مهمة: هل هذا الجرم الجليدي كان جزءا من نظام كوكبي سابق للنجم؟ أم أنه جاء من خارج النظام، مثل مذنب بين النجوم تم التقاطه بجاذبية النجم؟ وما عملية تحطمه وامتصاصه التي أدّت إلى انتشار هذه المواد في الغلاف النجم؟
كما يضيف الباحثون من جامعة ووريك التي قادت الدراسة، في بيان صحفي رسمي، أنه من الضروري مواصلة المراقبة والتصوير الطيفي لاكتشاف مزيد من الحالات المماثلة، سواء حول نجوم قزمة بيضاء أخرى أو حول نجوم في مراحل أخرى من تطورها.