في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
نجح العلماء في تحويل أحد عيوب "مراكز النيتروجين-الفراغ"، وهي من السمات الأساسية في الألماس الصناعي، إلى ميزة مهمة تفتح آفاقا جديدة أمام توظيفه في الحواسيب الكمية، وهي جيل جديد من الحواسيب يعتمد على مبادئ ميكانيكا الكم، التي تستخدم "البتات الكمية" القادرة على تمثيل عدة حالات في آن واحد، مما يمنحها قدرة هائلة على حل مسائل معقدة بسرعة تفوق الحواسيب التقليدية.
وخلال تصنيع الألماس الصناعي، يتم الحرص على تضمينه ما يعرف بـ"مراكز النيتروجين-الفراغ"، وهي خاصية لا تقدر بثمن لأنها تساعد على التحكم في "اللف المغزلي للإلكترونات"، وهو أساس بناء الحواسيب الكمية، لكن لهذه الخاصية جانبا سلبيا، إذ تصدر ضوءا "فوضويا" وغير منتظم، ظل يعتبر عيبا كبيرا في هذه المادة.
وتغلب فريق بحثي من قسم الفيزياء بجامعة مدينة نيويورك على هذه المشكلة، بالتوصل لآلية مكنتهم من "ترتيب" هذا الضوء وتنظيمه، ليتحول إلى مصدر قوة، بدلا من كونه مشكلة، وهو ما قد يدفع بعجلة الحوسبة الكمية خطوة إلى الأمام، وتم الإعلان عن تفاصيل هذا الإنجاز في دورية "نيتشر نانوتكنولوجي".
ولفهم ما فعله الباحثون، نذهب بعيدا إلى مفهوم الألماس الصناعي، والذي يصنع في المختبر أو المصانع باستخدام تقنيات متطورة، ويتكون من ذرات الكربون مثل الألماس الطبيعي تماما، غير أن الميزة الأساسية أنه يمكن التحكم في خواصه أثناء التصنيع، بما في ذلك إدخال ما يعرف بـ"مراكز النيتروجين-الفراغ".
وفي بناء الألماس المتكون من شبكة الكربون، تكون هذه المراكز عبارة عن ذرة نيتروجين تحل محل ذرة كربون، مع وجود فراغ ذري بجوارها، مما يخلق "بقعة مضيئة" يمكن التحكم فيها بالضوء والمجالات المغناطيسية، فإذا تخيلنا شبكة مربعات متساوية (شبكة الكربون في الألماس)، وتم قطع انتظامها بوضع مربع مختلف اللون (النيتروجين) بجانبه مربع فارغ، ففي هذه الحالة نحصل على قطعة مضيئة مميزة.
وتجعل هذه الإضافة الألماس الصناعي مثاليا لتطوير الحوسبة الكمية وأجهزة الاستشعار فائقة الدقة، حيث يُستخدم اللف المغزلي للإلكترونات داخل "مراكز النيتروجين-الفراغ" كوحدة معلومات كمية قادرة على حل مسائل معقدة أسرع من الحواسيب التقليدية.
واللف المغزلي للإلكترون، هو خاصية تمكن الإلكترون من الدوران لكن هذا الدوران يكون له اتجاه، إما أعلى أو أسفل، وعندما يتغير الاتجاه، يمكن أن تولد تأثيرات ضوئية أو مغناطيسية صغيرة يمكن رصدها، ويكون ذلك مفيدا في الحوسبة الكمية وأجهزة الاستشعار فائقة الدقة.
ورغم الوظيفة الإيجابية لـ"مراكز النيتروجين-الفراغ" في تصميم الألماس، كان هناك عيب كبير، وهو أن الضوء الذي تصدره فوضويا وغير منتظم، لذلك وبالرغم من استخدامها بالفعل للتحكم في اللف المغزلي للإلكترونات، لتطوير "كيوبت" في الحوسبة الكمية، كان عيب الضوء الفوضوي وغير المنتظم يحد من كفاءة التحكم والدقة.
لذلك كان هناك طموح في استخدام طرق مبتكرة لتحويل هذا الضوء الفوضوي إلى مصدر موجه ومنظم يمكنه دعم تطبيقات أكثر تقدما في الحوسبة الكمية وأجهزة الاستشعار فائقة الدقة، وهو ما نجح فيه باحثو جامعة نيويورك أستاذ الفيزياء الدكتور كارلوس ميريليس.
واستطاع ميريليس ورفاقه الاستفادة من الضوء الفوضوي الذي تصدره مراكز النيتروجين-الفراغ، عبر استخدام أداة دقيقة جدا تتحكم في موقع تلك المراكز داخل الألماس، وبدعم من هياكل ضوئية مصممة خصيصا، نجحوا في توجيه الضوء وجعله منظما وقابلا للتحكم فيه، ويتيح هذا التعديل تحويل الضوء الفوضوي إلى أداة قوية لتحسين وحدات المعلومات الكمية (كيوبت) في الحوسبة الكمية، وإنتاج إشارات دقيقة جدا لأجهزة الاستشعار فائقة الدقة.
ولتقريب ما فعله الباحثون، تخيل مصباحا صغيرا يصدر ضوءا متناثرا، وما تم إنجازه، هو وضع المصباح داخل أنبوب توجيه دقيق ليصبح الضوء موجها بدقة نحو هدف محدد، جاهز للاستخدام العلمي.
ويوضح ميريليس، في بيان أصدرته جامعة مدينة نيويورك، أن "هذا الإنجاز يفتح آفاقا واسعة في الحوسبة والاتصالات الكمية، حيث يسمح بتحكم أفضل في الـ(كيوبت) وتحقيق اتصالات ضوئية مستقرة، كما يساعد على رسم صور دقيقة للموجات الضوئية، كما سيكون له مستقبل واعد في الطب والبيولوجيا، من خلال المساعدة في اكتشاف الجزيئات الحيوية المهمة بالعمليات الحيوية بدقة غير مسبوقة".