آخر الأخبار

علماء يبتكرون ترانزستورات عضوية تحاكي المشابك العصبية في المخ "تتذكر وتتعلم"!

شارك

في عالم يتسارع فيه الابتكار التكنولوجي، يبرز التطور الذي حققه باحثون في مركز "يوليش" للأبحاث وجامعة آخن الألمانية كخطوة عملاقة نحو المستقبل.

ففي دراسة حديثة نُشرت في دورية "أدفانسيد ساينس"، كشف فريق من العلماء عن فئة جديدة من الأجهزة الإلكترونية التي لا تكتفي بمعالجة البيانات فحسب، بل يمكنها أيضا الاستجابة للضوء والتعلم، محاكية بذلك القدرات الفريدة للخلايا العصبية في دماغ الإنسان.

هذا الابتكار قد يمهد الطريق لجيل جديد من الأجهزة الذكية التي تستهلك طاقة أقل وتتمتع بذكاء فطري. يقول أحمد قاسم، الباحث في قسم الكيمياء بجامعة فرجينيا كومنولث، وغير المشارك في الدراسة، في تصريحات حصرية للجزيرة نت: "طوّر الباحثون نوعا جديدا ثوريا من الأجهزة الإلكترونية يجمع بين أفضل ما في العالمين، القدرة على الاستجابة للضوء مثل أعيننا، وقدرات التعلم لخلايا الدماغ".

ويضيف: "يقدم عملهم فئة جديدة من الإلكترونيات الحساسة للضوء الشبيهة بالدماغ التي يمكنها إحداث نقلة نوعية في كل شيء، من الأجهزة الطبية المزروعة إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي".

مصدر الصورة يمكن لهذه الترانزستورات الاستجابة للضوء والتعلم، محاكية بذلك القدرات الفريدة للخلايا العصبية في دماغ الإنسان (غيتي)

رقصة الجزيئات

تعرف هذه الأجهزة باسم "الترانزستورات الكهروضوئية الكيميائية"، والترانزستور هو مفتاح دقيق يتحكم في تدفق التيار الكهربائي، قد يقطع التيار الكهربائي أو يعيده أو حتى يضخم الإشارة الكهربية لتناسب أجهزة أخرى. كما يعمل الترانزستور في الأجهزة الرقمية كالذاكرة لتخزين ونقل ومعالجة البيانات.

ما يميز الترانزستورات الكهروضوئية الكيميائية عن الترانزستورات التقليدية هو قدرتها المزدوجة على الاستجابة للضوء والكهرباء معا. هذه الخاصية الفريدة تسمح لها بمحاكاة طريقة تواصل الخلايا العصبية في الدماغ، حيث تتشكل الروابط وتتغير استجابة للمؤثرات الخارجية.

إعلان

ويعتمد الابتكار الجديد على استخدام جزيئات خاصة تُعرف باسم "الأزوبنزين". ويمكن تخيل هذه الجزيئات شديدة الدقة كالرجل المستذئب الذي يتحول برؤيته للقمر كاملا. هذه الخاصية البصرية الحركية للجزيئات، حيث تتحرك بسبب تعرضها للضوء، هي حجر الزاوية في تصميم هذا النوع من الترانزستورات.

ويشرح قاسم: "عندما ترتبط جزيئات الأزوبنزين ببوليمر موصل خاص، تَنتُج مادة قادرة على تغيير خصائصها الكهربائية استجابة للضوء". إذ تتغير قدرة المادة على توصيل الكهرباء تحديدا، أو ما يُعرف باسم الموصلية.

هذا التغير في الموصلية يسمح بتدفق تيار كهربائي أكبر أو أقل عبر المادة، مما يحولها إلى مفتاح يتحكم في تدفق التيار تماما كالترانزستور الكهروضوئي الكيميائي.

ويضيف قاسم: "لم يقتصر عمل الباحثين على نوع واحد من الأزوبنزين، بل صمموا 3 أنواع مختلفة بإضافة تعديلات كيميائية طفيفة".

هذه التعديلات الدقيقة هي التي تمنح الترانزستورات الجديدة خصائصها المتنوعة. إذ صمم الباحثون نسخة معدلة بالفلور، ونسخة أخرى معدلة بمجموعات النيترو، بالإضافة إلى النسخة الأصلية غير المُعدلة. هذه التغييرات الكيميائية الطفيفة كان لها تأثير كبير على سلوك الأجهزة النهائية، مثلما يحدث عند ضبط إعدادات أوتار الكمان لإنتاج نغمات مختلفة.

مصدر الصورة لا نبالغ عند وصف أجهزة الحاسوب التقليدية بالغبية بالمقارنة مع الدماغ البشري (بيكسابي)

الضوء.. من إشارة إلى ذاكرة

لا نبالغ عند وصف أجهزة الحاسوب التقليدية بالغبية بالمقارنة مع الدماغ البشري. يقول قاسم: "تُعالج أجهزة الحاسوب التقليدية المعلومات بطريقة صارمة، خطوة بخطوة. وتهدف الحوسبة العصبية إلى إنشاء أنظمة تُعالج المعلومات بطريقة أشبه بأدمغتنا من خلال التعرف على الأنماط، والتكيف مع المعلومات الجديدة، وربط البيانات التي تبدو غير مترابطة".

وتعتمد الأجهزة التقليدية على وحدات تخزين منفصلة تسمى الذاكرة ووحدات معالجة منفصلة تسمى المعالج. هذا الفصل يجعلها مستهلكة شرهة للطاقة وتفتقر إلى القدرة على التعلم والتكيف بشكل عفوي.

على النقيض، يعمل الدماغ البشري كشبكة عصبية متكاملة. فالخلايا العصبية تتصل ببعضها عبر نقاط تواصل تُسمى "المشابك العصبية"، وتُخزَّن المعلومات في هذه الشبكة عن طريق تقوية أو إضعاف هذه الروابط المشبكية. فكلما تكررت عملية ما، ترسخت الروابط العصبية المتعلقة بها، مما يُترجم إلى "ذاكرة" أو "تعلم". هذا النموذج هو جوهر الحوسبة العصبية التي تسعى إلى محاكاة الدماغ البشري.

إحدى الخصائص المثيرة والمميزة في هذه الترانزستورات الجديدة هي قدرتها على "التذكر". يقول قاسم: "عندما يسقط الضوء على جزيئات الأزوبنزين على سطح الترانزستور، يتغير شكلها. هذا التغير يستمر حتى بعد إطفاء الضوء، مما يُنشئ نوعا من الذاكرة. وأثبتت النسخة المُعدّلة بالفلور فعالية خاصة، حيث حافظت على ذاكرتها للتعرض للضوء لفترة أطول بكثير من الإصدارات الأخرى".

هذه القدرة على الاحتفاظ بذاكرة ضوئية هي جوهر الحوسبة العصبية، فهي تتيح للأجهزة التعلم من تجاربها السابقة، تماما كما يفعل دماغنا عندما تتشكل الروابط العصبية لإنشاء الذكريات. هذا يفتح الباب أمام أنظمة ذكاء اصطناعي قادرة على التكيف والتعلم من البيئة، وهو أمر شديد الأهمية، إذ يستهلك الدماغ البشري حوالي 20 واطا فقط من الطاقة لمعالجة كميات هائلة من المعلومات، وهو ما يقل عن طاقة مصباح كهربائي واحد. أما أجهزة الحاسوب التقليدية تتطلب ميغاواطا، أي مليون واط، لتحقيق قدرات معالجة مماثلة!

آلات ترى

إلى جانب الكفاءة في استهلاك الطاقة، تتمتع هذه الترانزستورات بمزايا أخرى مثيرة للاهتمام. يشرح قاسم: "يمكن لهذه الأجهزة تفسير أنماط الضوء مباشرة، مما قد يُحدث ثورة في كيفية رؤية الآلات بدلا من الحاجة إلى كاميرات ومعالجة صور معقدة". أي يمكن لهذه الأجهزة الجديدة أن تستشعر المعلومات المرئية وتتعامل معها بشكل مباشر.

إعلان

ويضيف قاسم: "بالإضافة إلى ذلك، فإن استخدام مواد ناعمة ومرنة تعمل بشكل جيد في البيئات المائية، يُمكن لهذه الأجهزة التفاعل بسلاسة مع الأنظمة البيولوجية". مما يفتح آفاقا واسعة للتطبيقات الطبية، مثل الأجهزة المزروعة داخل الجسم التي يمكن أن تتفاعل بسلاسة مع الأنظمة البيولوجية.

ويمتد تأثير هذا الاكتشاف لما هو أبعد من عالم الحوسبة ليشمل مجالات متعددة. ففي المجال الطبي، يمكن استخدام هذه الترانزستورات في الأجهزة التي تدمج بين الإلكترونيات والأنسجة الحية، مما يتيح مراقبة الأعضاء الداخلية أو حتى استبدال الوظائف العصبية التالفة.

وفي مجال الذكاء الاصطناعي، يمكن لهذه الأجهزة أن تُسرّع من تطوير الأنظمة التي تتعلم من البيانات الضوئية بشكل طبيعي، مثل أنظمة الرؤية الآلية والروبوتات. كما يمكن أن تُستخدم في تطوير أجهزة استشعار بيئية دقيقة قادرة على التعرف على التلوث أو المواد الكيميائية الخطرة من خلال تفاعلها مع الضوء.

ويكمن التحدي الأكبر الآن في تطوير هذه الترانزستورات على نطاق واسع، ودمجها في أنظمة معقدة. لكن الإمكانات الهائلة التي أظهرها هذا البحث تؤكد أننا نقف على أعتاب حقبة جديدة من الابتكار التكنولوجي.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار