في أيام الصيف الحارة قد يبدو العرق مزعجا، لكنه في الواقع عملية حيوية تمنع جسمك من السخونة الزائدة.
ولعقود طويلة اعتقدنا أن العرق يخرج من الجسم على هيئة قطرات صغيرة تتساقط من المسام في صمت.
لكن دراسة علمية حديثة قلبت هذا التصور رأسا على عقب بعدما كشفت أنه لا "يتساقط" كما كنا نظن، بل ينساب كالأمواج الهادئة التي تغمر الجلد تدريجيا.
وخلال الدراسة المنشورة في دورية "جورنال أوف ذا رويال سوسايتي إنترفايس" استهدف الفريق بقيادة البروفيسور كونراد ريكاتشيفسكي الأستاذ في كلية هندسة المادة والنقل والطاقة بجامعة ولاية أريزونا الأميركية فهم كيفية تكوّن العرق وانتشاره بدقة على سطح الجلد.
وبدلا من رؤيته كقطرات مستقلة تخرج من كل مسام توصل ريكاتشيفسكي وفريقه البحثي إلى أنه يرتفع من داخل المسام بشكل متدرج، ويتجمع في برك صغيرة قبل أن يفيض ويندمج مع العرق القادم من المسام المجاورة، مشكلا طبقة مستمرة تشبه الغشاء أو الموجة التي تغمر الجلد، وهذا ما يفسر لماذا تتبلل قمصاننا بالكامل بسرعة في الأيام شديدة الحرارة.
ولتبسيط الأمر، يمكن تشبيه ما يحدث بقطعة إسفنج، فعندما تسكب كمية صغيرة من الماء على نقطة في الإسفنج لا يظهر الماء على السطح فورا، بل يتجمع أولا داخل الفتحات الصغيرة حتى تمتلئ، ثم يبدأ الماء بالتسرب إلى الخارج والانتشار على السطح بنفس الطريقة، ويتجمع العرق داخل كل المسام كبركة صغيرة، ثم يفيض ويغمر الجلد بطبقة رقيقة من العرق المتصل.
وللتأكد من هذه الظاهرة أجرى الباحثون تجربة شملت 6 متطوعين، حيث وُضع المشاركون داخل بدلات خاصة تتحكم بدرجة حرارة أجسامهم، مع تغطيتهم ببطانيات حرارية.
وخلال دقائق من التسخين بدأ العرق في الظهور، ليس على شكل قطرات كما هو معتاد، بل في صورة سطح مائي مسطح يظهر من المسام ثم يتوسع تدريجيا، كما لو أنه موجة صامتة تغمر الجلد.
وبعد التبريد تبخر العرق وترك خلفه طبقة رقيقة من الملح، وعند تسخين المشاركين مجددا عاد العرق للظهور بشكل أسرع، متجاوزا مرحلة "البرك"، ليخرج مباشرة على شكل غشاء واحد متصل، تماما كالموج الذي لا يمكن تمييز بدايته من نهايته.
وتفتح هذه الدراسة نافذة جديدة لفهم إحدى أكثر العمليات اليومية بساطة، والتي يتضح أنها أكثر تعقيدا مما تبدو عليه، ففي كل مرة تتصبب عرقا تذكّر أن ما يحدث ليس مجرد نقاط تسيل، بل عملية فيزيائية دقيقة تشبه تدفق الماء من الإسفنج نحو السطح، لتبقي جسمك في درجة حرارة مثالية.