في ليلة صيفية من عام 1889، رسم فان جوخ لوحته الشهيرة "ليلة النجوم"، حيث تدور السحب في السماء مثل أمواج البحر، ويضيء القمر الهلالي الزاوية العليا من اللوحة، وبعد أكثر من قرن، اقترن هذا المشهد البديع باكتشاف فريد من نوعه في عالم الفيزياء الكمومية.
ودار هذا الاكتشاف الذي تم الإعلان عنه في دورية "نيتشر فيزكس"، حول الظاهرة الفيزيائية المعروفة باسم "عدم استقرار كلفن-هلمهولتز"، والتي تحدث عندما تنزلق طبقتان من الموائع (سواء كانت غازات أو سوائل، وهي المواد التي تنساب وتأخذ شكل الوعاء وتشمل السوائل والغازات) فوق بعضهما بسرعات مختلفة.
يسبب ذلك تموجات تشبه الأمواج البحرية، وهذه التموجات تظهر في الغيوم، وفي الغلاف الجوي للكواكب، وحتى في الفضاء حول الكواكب والنجوم.
وفي المختبر، تساءل فريق من جامعة أوساكا متروبوليتان باليابان والمعهد الكوري المتقدم للعلوم والتكنولوجيا، حول ما إذا كان من الممكن أن تتكرر هذه الظاهرة التي نراها في الغيوم أو أمواج البحر داخل عالم الذرات والجسيمات.
وبدلا من الماء أو الهواء، استخدم العلماء غاز الليثيوم، وقرروا تبريده إلى درجة قريبة من الصفر المطلق، حتى أصبح "سائلا كموميا" فائق الغرابة (يسمى تكاثف بوز-آينشتاين)، ثم جعلوه يتدفق في تيارين بسرعات مختلفة، وعند التقاء التيارين بدأت القصة، حيث ظهرت تموجات صغيرة، ثم تحولت إلى دوامات كمومية غريبة الشكل.
والمفاجأة التي أدهشت الباحثين أن هذه الدوامات كانت على شكل هلال، يشبه تماما قمر لوحة "ليلة النجوم"، وأطلق عليها العلماء اسم "سكيرميونات كسرية غريبة الشكل"، وهي نوع جديد من الأنماط الفيزيائية لم يره أحد من قبل.
ولشرح هذا الاكتشاف، تخيل أنك ترسم دوامة صغيرة على سطح ماء، فهذه الدوامة عادة تكون متناسقة ومنتظمة، مثل دائرة أو حلقة متكاملة.
في عالم الفيزياء، هناك أشياء تشبه هذه الدوامات تُسمى "سكيرميونات"، وهي أنماط دوامية صغيرة جدا موجودة في بعض المواد، وتعتبر مهمة لأنها مستقرة ويمكن استخدامها في تقنيات مستقبلية مثل أجهزة الكمبيوتر والذاكرة.
لكن العلماء الآن، اكتشفوا نوعا جديدا من هذه الدوامات، ليس له شكل دائري منتظم، بل يشبه الهلال، لأنها ليست لفة كاملة، وإنما كسر من اللفة، ولذلك سميت "سكيرميونات كسرية غريبة الشكل".
وهذا الاكتشاف جديد لأنه يضيف نوعا جديدا من الدوامات في عالم الجسيمات الصغيرة جدا، ويفتح الباب أمام فهم أعمق لكيفية تصرف المواد الكمومية.
ويقول هيروميتسو تاكيوتشي، الأستاذ المشارك في كلية الدراسات العليا للعلوم بجامعة أوساكا متروبوليتان، وأحد المؤلفين الرئيسيين لهذه الدراسة في بيان نشره الموقع الإلكتروني للجامعة إن "السكيرميونات مهمة في التكنولوجيا الحديثة، خاصة في تطوير أجهزة الكمبيوتر وتقنيات الذاكرة".
ويرجع تاكيوتشي أهمية تلك الأنماط إلى استقرارها وحجمها الصغير وحركتها الفريدة، مضيفا أن اكتشاف نوع جديد منها في سوائل كمومية قد يفتح آفاقا جديدة في التكنولوجيا وفهما أعمق لأنظمة الكم".