آخر الأخبار

سيناريو ساعة بساعة.. ماذا يحدث لو داهمتك المجاعة في حجرتك؟

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

في بيان صدر مساء الأحد 28 يوليو/تموز، أكد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن المجاعة لا تزال مستمرة بل تتفاقم، رغم إعلان الاحتلال الإسرائيلي عن "هدنة إنسانية مؤقتة"، لكن ما دخل للقطاع من شاحنات لم يكن فقط قليلا جدا، بل إن جزءا كبيرا منها تم الاستيلاء عليه أمام مرأى قوات الاحتلال، التي تعمد إلى عرقلة وصول المعونات إلى مراكز التوزيع الرسمية، مما يؤدي إلى زيادة الضغوط على السكان وعرقلة جهود الإغاثة.

المجاعة ما زالت مستمرة، بل تتفاقم، لكن قبل أن نبحث عن أسباب المجاعة وتبعاتها السياسي ومشكلاتها المرتبطة بالعملية العسكرية في غزة يجب أولا أن نتساءل عما تعنيه المجاعة من الأساس؟

وفي هذه المادة من القسم العلمي بالجزيرة نت، نحاول أن نجيب عن هذا السؤال بأكثر الطرق المباشرة وصراحة، عبر استعراض ما يقوله العلم في تلك النقطة، لكن ما يلي لن يكون مجرد معلومات بحتة، بل سيكتب في صورة سيناريو، نطلب منك عزيزنا القارئ أن تعيش داخله لمدة 15-20 دقيقة فقط، وربما يساعد ذلك على فهم ما يحدث حقا.

وليبدأ السيناريو كالتالي: افترض معنا أنه لسبب ما، حُبست في غرفتك ولم تتمكن أبدا من الخروج، ربما بسبب زلزال لا قدر الله حدث في المنطقة، أنت بخير ولم يحدث شيء لك ولكنك لا تتمكن من الخروج أبدا بسبب كميات هائلة من الخرسانة المسلحة المتراكمة على غرفتك التي حفظها الله ولم تتحطم، ولكن هناك مشكلة حيث لا يوجد حولك إلا وجبة واحدة أخيرة تتكون من بضع قطع الخبز وقطع الفواكه وربما العصير وعليك بعد هذه الوجبة أن تستمر لأيام طويلة بدون طعام حتى تجدك قوات البحث وتخرجك مما أنت فيه من كارثة، ما الذي سيحدث في جسدك خلال تلك الفترة؟ كيف ستشعر وفيما ستفكر؟

في حالة المجاعة المطولة، حيث لا يتوفر الطعام لفترة طويلة، يخضع جسم الإنسان لتغيرات جذرية في محاولة للبقاء على قيد الحياة، تغيرات لا توصف إلا بأنها إستراتيجية ذكية جدا، لكنها قاسية وبائسة وكئيبة جدا، لاحتواء أكبر كارثة يمكن أن يواجهها جسدك، الجوع.

إعلان

الساعات الأولى: التزود بالطاقة من الوجبة الأخيرة

في الساعات القليلة الأولى بعد تناول آخر وجبة، لا يزال جسمك يعتمد على الطاقة منها، السكر المستخرج من الخبز والفواكه والعصير يدور بين خلاياك لتزويدها بالطاقة.

عادة، يستغرق إفراغ المعدة وانخفاض مستوى السكر في الدم حوالي 6-8 ساعات بعد تناول الطعام، مما يُحفز أولى نوبات الجوع الحقيقية. عند هذه النقطة، يرتفع هرمون الغريلين (الذي يُسمى غالبا "هرمون الجوع")، مرسلا إشارة إلى الدماغ بأن وقت تناول الطعام قد حان، إنها نوبة معتادة ما إن تختبرها حتى تبحث عن وجبتك التالية.

قد تسمع صوت قرقرة معدتك وتشعر بتقلصات الجوع، وقد تشعر بدوار خفيف أو صعوبة في التركيز بمجرد حضور الجوع الشديد، وربما يتدهور مزاجك، أو تغضب وتتوتر، فالجوع قد يجعلنا سريعي الانفعال.

بالنسبة للأطفال، تبدأ آثار الجوع هذه في وقت أبكر. يمتلك الرضع والأطفال الصغار احتياطيات طاقة أقل وعمليات أيض أسرع، لذلك قد يصبحون عصبيين وضعفاء بعد بضع ساعات فقط من عدم تناول الطعام.

في الواقع، يمتلك الرضع مخزونا محدودا من الطاقة المخزنة في صورة سكر في الكبد، مما يجعلهم لا يستطيعون الحفاظ على مستوى سكر الدم الطبيعي إلا لمدة 4 ساعات تقريبا إذا لم يتناولوا الطعام، هذا هو سبب حاجة الأطفال إلى وجبات متكررة.

مصدر الصورة كاحلا الشخص الجائع أو قدماه أو بطنه قد تنتفخ بالسوائل، يلاحظ هذا بشكل خاص لدى الأطفال (الفرنسية)

من 6 إلى 24 ساعة: استغلال الاحتياطيات الأولى

بمجرد أن يستنفد الجسم السكر مباشرة من الوجبة الأخيرة، فإنه يتحول إلى استخدام السكر المخزن للحصول على الطاقة، من أين نحصل على هذا السكر المخزن؟ الإجابة هي الكبد والعضلات، حيث يخزنان السكر (الغلوكوز) على شكل مادة تسمى الغليكوجين، ويصبح هذا مصدر الطاقة التالي.

خلال اليوم الأول من الصيام، يرتفع مستوى هرمون الغلوكاغون في جسمك، فيحث الكبد على تحويل الغليكوجين إلى سكر غلوكوز مرة أخرى. ويمكن لهذا التكتيك عادة تلبية احتياجات الطاقة لدى البالغين الأصحاء لمدة 24 ساعة تقريبا قبل أن ينخفض مخزون الغليكوجين بشكل كبير.

خلال هذه الفترة الزمنية التي تتراوح بين 6 و24 ساعة، تشعر بجوع شديد، ثم بعد ذلك ينحسر فلا يصبح مستمرا، بل يمر بك على شكل موجات.

جسديا، قد تشعر بالارتعاش وانخفاض الطاقة وآلام الجوع في المعدة، ومن الشائع الشعور بقرقرة في المعدة، بل حتى الصداع مع تقدم فترة الصيام المبكرة هذه.

ومع نهاية اليوم الأول الكامل من الصيام، تُستنفد احتياطيات السكر السريعة في الجسم بشكل كبير، وهنا تبدأ مستويات السكر في الدم بالانخفاض بشكل ملحوظ.

والوصول إلى هذه المرحلة لدى الأطفال أكثر خطورة، فالطفل الصغير بعد 24 ساعة من الامتناع عن الطعام، سيعاني من انخفاض حاد في سكر الدم، ولن يملك سوى القليل من الموارد الأخرى التي يعتمد عليها، ومن المرجح أن يُصاب بضعف شديد، أو ارتباك، أو حتى فقدان للوعي إذا لم يُساعد.

أما لدى البالغين، فيمكن لاحتياطيات الجسم الداخلية أن تُخفف من وطأة الـ24 ساعة بشكل أفضل، فمعظم البالغين الأصحاء، رجالا ونساء، يستطيعون الحفاظ على وظائفهم الأساسية خلال اليوم الأول، وإن كان ذلك بصعوبة واضطراب، فقد يشعرون بالبرد حيث يتباطأ التمثيل الغذائي قليلا للحفاظ على الطاقة، وتصبح ممارسة النشاط البدني الشاق صعبة للغاية مع بدء الشعور بالتعب.

إعلان

ولا يمر ذلك بدون أثر نفسي، حيث تزداد حدة الاستجابات العاطفية، وقد يتحول الانزعاج الخفيف إلى غضب وقلق وحتى اكتئاب كامن في داخلك، ويعود ذلك بشكل كبير إلى تغيرات في كيمياء الدماغ مع انخفاض إمداد الدماغ بالطاقة.

مع تحول الجسم من الغلوكوز إلى الدهون للحصول على الطاقة، يبدأ صفاؤك الذهني بالتراجع، وتشعر بصعوبة في التركيز، ومشاكل في الذاكرة، وكأن هناك ضبابا يحاوط دماغك فلا تفكر بشكل سليم.

اليوم الثاني والثالث: التحول إلى الدهون

بعد حوالي 48 ساعة من الامتناع عن الطعام، يجري جسمك تحولا جذريا في كيفية حصوله على الطاقة، لقد استنفد بحلول هذا الوقت الغلوكوز والغليكوجين، فماذا بقي للجسم؟

هنا ينتقل الجسم إلى ما يسمى "وضع المجاعة"، وهو في الأساس تكيف للبقاء على قيد الحياة، فيبدأ الجسم بحرق مخزون الدهون كوقود أساسي، وهناك منها الكثير في الجسم، في دهون البطن والفخذين والذراعين وتحت الجلد ووصولا إلى العضلات والأجهزة وحتى نخاع العظام.

يحول الكبد الدهون إلى "أجسام كيتونية"، وهي جزيئات صغيرة غنية بالطاقة يمكن استخدامها من قبل العديد من الأعضاء، بما في ذلك الدماغ.

وبحلول اليوم الثالث من الصيام التام، ترتفع نسبة الكيتونات في الدم بشكل حاد، وهنا يبدأ دماغك باستخدام الكيتونات لتلبية جزء كبير من احتياجاته.

في هذه المرحلة يكون جسمك قد بدأ في تفكيك أنسجة العضلات للحصول على أحماض أمينية معينة يمكن تحويلها إلى غلوكوز. لاحظ أن جسمك الآن في حاجة ماسة للطاقة، لكن لم تعد هناك طاقة تدخل من الخارج، فيبدأ في حرق ما هو مخزن في أعضائه، ويبدأ الأمر بالدهون، والآن يتحول الجسم إلى البروتين.

في بداية المجاعة (حوالي اليوم الثاني والثالث)، يحاول الجسم تقليل فقدان العضلات (التي تتكون من بروتين) عن طريق زيادة حرق الدهون، لكن انهيار العضلات أمر لا مفر منه، لأن بعض الأنسجة الحيوية (مثل أجزاء من الدماغ وخلايا الدم الحمراء) لا تزال تحتاج إلى كمية من الغلوكوز لا توفرها الدهون.

ومن ثم فخلال الأيام الخمسة الأولى من الصيام، يمكن أن يظهر أثر الجوع عليك، حيث ينخفض وزنك، ليس بشكل كبير في البداية.

في هذه المرحلة فجسمك لا يزال قادرا على التحمل، إلا أن جسم الطفل الذي يمتلك دهونا أقل بكثير ليعيش عليها، بحلول اليوم الثاني أو الثالث، يصبح نحيلا حقا، وضعيفا للغاية، ومعرضا لخطر فشل الأعضاء، بما في ذلك الدماغ إذا لم تقدم له بعض التغذية.

مصدر الصورة معظم البشر لا يستطيعون البقاء بدون غذاء على قيد الحياة لأكثر من شهر إلى شهرين (الأناضول)

الأيام 4-7: لا طاقة لإنفاقها

مع تقدم الأسبوع الأول، يتباطأ جسم كل شيء في جسمك، حتى أفكارك تصبح أقل ترتيبا وأبطأ وكأن العالم كله بالنسبة إليك يتحرك ببطء، تكتئب بشكل أكبر، وتنخفض تعبيراتك العاطفية إلى حد أدنى، وتنطوي على ذاتك، إنه فقط جسدك يتكيف مع هذا الظرف القاسي، في محاولة لإطالة عمرك بأي طريقة.

لأن الجسم بالفعل استنفد كل شيء متاح، لم يعد هناك إلا تكتيك واحد، وهو أن يتباطأ الأيض بشكل ملحوظ للحفاظ على الطاقة، يحاول الجسم تقليل معدل حرق السعرات الحرارية، نظرا لعدم دخول سعرات حرارية جديدة.

وإحدى طرق تحقيق ذلك هي تغيير مستويات الهرمونات. فعلى سبيل المثال، غالبا ما تتوقف الدورة الشهرية لدى النساء اللواتي لم يحصلن على طعام كافٍ لفترة من الوقت، وعند الرجال تنخفض مستويات هرمون التستوستيرون، مما يعكس تثبيط الجسم للوظائف غير الأساسية مثل التكاثر وبناء العضلات.

جسديا، تكون عواقب ما يقرب من أسبوع بدون طعام وخيمة، تشعر بضعف وبرد شديدين، يصبح من الصعب القيام بأكثر من الراحة، وفقط السكون جانبا في انتظار أي حل، فالجسم يكون في وضع توفير الطاقة.

ينخفض ضغط الدم نتيجة لانخفاض حجم السوائل، ويتباطأ نبض القلب. وعلى الجانب الآخر، يضعف الجهاز المناعي بشدة في هذه المرحلة، فبدون العناصر الغذائية الأساسية، لا يستطيع الجسم الحفاظ على دفاعاته المناعية الطبيعية. في هذه الحالة، تلتئم الجروح بشكل سيئ، وتصبح عدوى البرد العادية مميتة.

إعلان

تظهر علامات الجوع الواضحة بحلول نهاية الأسبوع الأول:

يبدو الإنسان هزيلا

تبرز الأضلاع والعظام

تنكمش العضلات نتيجة استهلاك البروتين

ويصبح الجلد رقيقا وجافا، وقد يُصاب الشخص بطفح جلدي متقشر وهي من علامات نقص المغذيات الدقيقة.

ومن المفارقات أن كاحلي الشخص الجائع أو قدميه أو بطنه قد ينتفخان بالسوائل، ويلاحظ هذا بشكل خاص لدى الأطفال الذين يعانون من شكل من أشكال سوء التغذية الحاد، حيث يسبب نقص البروتين تسرب السوائل (يُسمى تاريخيا "كواشيوركور")، ولذلك، قد يُعاني الطفل الجائع من انتفاخ البطن، حتى مع نحافة باقي الجسم.

أما نفسيا، فكل شيء منهار، الدماغ يعاني من انهيار إدراكي، وارتباك شبه كامل، مع فقدان الوعي بالذات، لم يعد الإنسان قادرا على تمييز الآخرين أو الاستجابة للمنبهات الخارجية. في هذه الحالة، قد يعاني البعض من نوبات ذهانية، حيث يتصرف بطرق غريبة وغير منطقية، معتقدين أنهم في واقع مختلف.

أنت الآن في حالة تُهدد حياتك، ستفقد نسبة كبيرة من وزن الجسم. إذ تشير المراجع الطبية إلى أن فقدان أكثر من 10% من وزن الجسم بسبب الجوع أمر خطير ويمكن أن يسبب آثارا جانبية شديدة، ولكن بحلول اليوم السابع، فقد تجاوزت هذه العتبة، بفقدان حوالي 18% من الوزن.

بعد أسبوع واحد: مستويات حرجة

إذا استمرت المجاعة لأكثر من أسبوع، يصبح الوضع أكثر خطورة، استهلك الجسم كل شيء، الآن لم يبق إلا خيار واحد وهو استهلاك أنسجة العضلات والأعضاء كوقود. ببساطة، يبدأ الجسم في "التهام" نفسه للبقاء على قيد الحياة.

يتسارع تحلل الدهون، ويشمل ذلك أهم عضلة على الإطلاق، إنها القلب. يمكن أن تضعف عضلة القلب نفسها نتيجة لاستنزاف البروتين من جميع أنحاء الجسم، كما تتفاقم اختلالات توازن الإلكتروليتات، مثل البوتاسيوم والمغنيسيوم والفوسفات، والتي تعد أساسية لوظائف القلب والعضلات، وتتعطل بسبب عدم كفاية تناولها وتدهور الأنسجة المستمر.

في الواقع، غالبا يكون السبب الرئيسي للوفاة في حالات الجوع هو السكتة القلبية، والتي غالبا ما تحدث بسبب عدم انتظام ضربات القلب الناجم عن اضطرابات الإلكتروليتات وتدهور أنسجة القلب.

إلى جانب ذلك، يعد فشل الأعضاء بأشكال أخرى من المخاطر، فقد يصاب الكبد بتغيرات دهنية حادة تؤدي إلى فشله، وقد تفشل الكلى (خاصة في حالة الجفاف)، ويفقد الجهاز الهضمي قدرته على امتصاص العناصر الغذائية بشكل صحيح، ويضعف جدار الأمعاء وتموت خلاياه.

حاليا، الجهاز المناعي في حالة من الفوضى، ومن المرجح أن تكون العدوى حتى العدوى البكتيرية البسيطة أو الفيروسات قاتلة لأن الجسم لا يملك الموارد اللازمة لمكافحتها.

من الناحية العصبية، فالفوضى مستمرة، يصاب الإنسان بالارتباك أو النوبات الاختلاجية أو الغيبوبة، ويكون فاترا وغير مستجيب لأي شيء، وفي الروايات التاريخية عن المجاعات أو الإضرابات عن الطعام في السجون، غالبا ما يرقد الأشخاص الجائعون في المرحلة النهائية بلا حراك تقريبا، مع تنفس ضحل ونبض بطيء وخافت.

بدون تدخل طبي، الموت حتمي في هذه المرحلة، والسؤال عن "كم من الوقت يمكن للإنسان أن يعيش في هذه الحالة؟" فالإنسان في هذه الحالة يكون بانتظار الموت.

يختلف الأمر من شخص لآخر، ولكن مع الحفاظ على تناول الماء، لا يستطيع معظم البشر البقاء على قيد الحياة لأكثر من شهر إلى شهرين بدون طعام، وفي حالات الإضراب عن الطعام الموثقة، تحدث الوفاة عادة بين 45 و61 يوما من الجوع التام، هذا بالنسبة لك كشخص بالغ، لكن غالبا ما يكون الأطفال هم أول من يستسلم، ربما خلال الأسبوع الأول.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار