آخر الأخبار

البحر الأحمر من السعودة إلى التدويل | الحرة

شارك

لم تعد السفن التي تجوب البحر الأحمر تجارية كما كان الأمر في العقود الماضية. اليوم، جرت عسكرة هذا البحر، وتدفقت سفن وأساطيل دول بعيدة إليه.

ومع الزج بالبحر ومضائقه في الصراعات، بما في ذلك الهجمات التي شنّها الحوثيون ضد سفن تجارية فيه خلال الأشهر الماضية (توقفت لاحقاً)، وإقامة قواعد عسكرية على سواحله في أكثر من دولة، تحوّل البحر الأحمر إلى ما يشبه حلبة صراع دوليّ وإقليميّ على النفوذ.

وبذلك تغيّرت خريطة الأدوار في هذا البحر، وجاء الجزء الأكبر من هذا التغيير على حساب السعودية.

في السنوات القليلة الماضية، عملت الرياض على تكريس معادلة مهمة: البحر الأحمر عربي. ولعبت دوراً كبيراً في تأسيس “مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن”، في 6 يناير 2020، ودفعت باتجاه تعزيز التعاون الأمني والاقتصادي بين هذه الدول للحفاظ على أمن هذا البحر ومواجهة التحديات المختلفة فيه.

وقد طرحت هذه التبدلات بين الماضي والحاضر تساؤلات حول مدى قدرة السعودية على الحفاظ على مصالحها في هذا البحر، وتنفيذ رؤيتها لدوره كمعبر لصادراتها النفطية وشريان لتجارتها وركيزة لتنفيذ برامجها التنموية والسياحية، وأبرزها مشروع مدينة “نيوم”.

الطموح السعودي والتدويل

جاء دفع الرياض باتجاه تأسيس “مجلس دول البحر الأحمر” كمحاولة لإعادة إنتاج إطار إقليمي يتيح للدول الساحلية تنسيقاً جماعياً في قضايا الأمن البحري وحماية الملاحة ومواجهة التهديدات العابرة للحدود.

وتعزز هذه الخطوة فكرة أن إدارة أمن البحر الأحمر ينبغي أن تنطلق من داخله لا من خارجه.

وعلى المستوى التنموي، استثمرت الرياض بكثافة في الساحل الغربي، ضمن “رؤية السعودية 2030″، عبر مشاريع استراتيجية كبرى مثل “نيوم” ومشروع البحر الأحمر، وهي مشاريع تنظر إليها الرياض على أنها محركات نمو وسياحة وتجارة عالمية.

غير أن هذه الرؤية واجهت خلال السنوات الأخيرة بيئة جيوسياسية متحولة فرضت واقعاً أكثر تعقيداً. فقد تزايدت عسكرة البحر الأحمر وتوسّع الحضور العسكري للقوى الدولية عند مداخل ومخارج البحر.

ووفق قراءة الكاتب فيصل الشمري، فإن “عودة روسيا إلى الضفة الأفريقية عبر بورتسودان وتنامي الأدوار الإسرائيلية من خلال صوماليلاند وميناء بربرة، إلى جانب الوجود العسكري الأميركي والصيني في جيبوتي، حوّل البحر الأحمر تدريجيا من فضاء إقليمي قابل للحوكمة المشتركة إلى ساحة توازنات خارجية متشابكة”.

ويرى الشمري أن هذا الحضور العسكري الدولي، رغم ما وفره من حماية ظرفية للملاحة في فترات التوتر، أضعف فرص بناء نظام أمني إقليمي ذاتي ومستدام. ويخلص إلى أن “المقاربة السعودية تجاه الوجود العسكري الأجنبي تتسم بحذر مزدوج، فمن جهة تدرك الرياض أن هذا الوجود قد يشكل عاملاً مساعداً في ردع التهديدات قصيرة الأمد وحماية خطوط الملاحة، ومن جهة أخرى تتحسب من مخاطر تسييس البحر الأحمر وجره الى صراعات دولية لا تخدم مشاريعها التنموية ولا استقرار الإقليم”.

من يملك مفاتيح البحر الاحمر؟

خلال العامين الأخيرين، بات البحر الأحمر وممراته يداران عمليا ضمن شبكة قرارات تتوزّع بين واشنطن وموسكو وبكين، مع هوامش تأثير لطهران وتل أبيب.

ويعتبر المحلل السياسي الدكتور ظافر العجمي أن “هذا التحوّل لا يعكس تراجعا في أهمية الدول المطلة على البحر الأحمر، بقدر ما يعكس تغيّرا في طبيعة السيطرة على الممرات الاستراتيجية؛ حيث لم يعد الانتماء الجغرافي كافيا لامتلاك القرار”.

وقد شكل الثامن عشر من ديسمبر 2023 منعطفاً حاسماً في هذا المسار مع إعلان الولايات المتحدة إطلاق عملية “حارس الإزدهار” لحماية الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن.

ويشير العجمي إلى أن ضبط الممرات المائية في البحر الأحمر بات يتم بأدوات القوة النارية العابرة للحدود لا عبر ترتيبات إقليمية متدرجة في الردع، مع الضربات التي نفذتها الولايات المتحدة وبريطانيا في 11 يناير 2024 ضد أهداف للحوثيين في اليمن.

وتتضح ملامح هذا التدويل أكثر مع استضافة جيبوتي، الواقعة عند بوابة باب المندب، وجوداً عسكرياً أميركياً وصينياً وفرنسياً وإيطالياً.

وعلى الضفة الأفريقية، تسعى موسكو إلى تثبيت موطئ قدم دائم عبر تفاهمات مع السودان تمنحها وجوداً بحرياً في بورتسودان.

وفي الجنوب أدخلت تل أبيب عنصرا سياسيا جديدا الى المعادلة باعترافها بـ”صومالي لاند” قبل أيام، ما أعاد تسليط الضوء على ميناء بربرة وموقعه الحساس قرب باب المندب.

طهران، بدورها، ليست بعيدة عن هذا الواقع، مع الهجمات التي شنّها الحوثيون الذين تدعمهم في البحر الأحمر، قبل قبل أن تتوقّف منذ أشهر قليلة.

وفي ظل هذه الواقع، أصبح تعثر “مجلس الدول المطلة على البحر الأحمر” في التحول إلى قوة بحرية مشتركة نتيجة منطقية لا استثنائية، كما يرى مراقبون.

ويوضح العجمي أن المجلس ظل إطارا سياسياً بلا أدوات تنفيذية، “لا قيادة موحدة، ولا ميزانية عمليات، ولا قواعد اشتباك مشتركة، ولا منظومة إنذار ومراقبة قابلة للتشغيل، في مقابل بنى عسكرية جاهزة يملكها اللاعبون الدوليون.

ويخلص العجمي إلى أن “التفاهمات الأمنية مع فواعل مسلحة أو إدارة التصعيد معها، باتا جزءا من إدارة المخاطر لا خياراً تفضيليا، لأن مفاتيح التعطيل لا توجد في عواصم الدول النظامية بقدر ما تتمركز في بيئات نزاع مفتوحة”.

الحرة المصدر: الحرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا