اعتراف إسرائيل بأرض الصومال كدولة مستقلة جاء مفاجئًا، لكنه لم يأتِ من فراغ. وترفض الحكومة الصومالية في مقديشو استقلال هذا الإقليم المنشق رفضًا قاطعًا. وحول ذلك قال الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود عبر التلفزيون الحكومي: "الصومال سيستخدم جميع الوسائل المتاحة للدفاع عن نفسه عبر القنوات الدبلوماسية ضد العدوان الإسرائيلي".
ويبدو أنَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد فاجأ حتى حليفه الأهم، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب . حيث أعلن ترامب في حوار هاتفي مع صحيفة "نيويورك بوست" أنَّ الاعتراف بأرض الصومال لا يمثل، على الأقل في الوقت الراهن، موضوعًا للنقاش بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، وتساءل: "هل يعرف أحد أصلًا ما هي أرض الصومال؟"
سنتناول فيما يلي هذا السؤال ونوضّح ما الذي يدور في هذه المنطقة، التي كانت حتى الآن غير معروفة كثيرًا في القرن الأفريقي.
أرض الصومال الحالية تعتبر من ناحية القانون الدولي جزءًا من الصومال ، وهي تطابق إلى حد كبير المستعمرة البريطانية السابقة (Somaliland) التي تحمل الاسم نفسه. وبعد إسقاط الحكومة الصومالية في مقديشو عام 1991، أعلن الجزء الشمالي من الصومال، وعاصمته هرجيسا، استقلاله.
وينص دستور "جمهورية أرض الصومال" على نظام دولة ديمقراطي قائم على الشريعة الإسلامية ، وعلى أنَّ الإسلام دين الدولة. وعلى الرغم من التنافس بين القبائل المحلية، تعتبر هذه المنطقة الجزء الأكثر استقرارًا سياسيًا في الصومال، وذلك بفضل الهياكل الحكومية القوية - مثلًا فيما يتعلق بقوات الأمن والتعليم والعمليات الديمقراطية. كما أنَّ تأثير حركة الشباب الإسلامية المتطرفة يعتبر ضئيلًا فيها.
ومن الناحية الاجتماعية الاقتصادية لا تعتبر أرض الصومال في وضع أفضل من وضع الدول المجاورة. ومعظم سكانها يعيشون على تربية المواشي التقليدية. وإلى جانب ذلك يمثل ميناء بربرة على خليج عدن والحوالات المالية من الصوماليين المقيمين في الخارج أهم عوامل اقتصادية.
"هذا الاعتراف ليس مجرد حدث دبلوماسي، بل هو أيضًا لحظة من العدالة التاريخية والوضوح الأخلاقي"، كما قال وزير خارجية أرض الصومال عبد الرحمن ظاهر آدم لقناة كان الإسرائيلية. وكذلك يؤكد خبراء السياسة والقانون الدولي على أنَّ أرض الصومال تستوفي جميع معايير الدولة المستقلة: إذ يوجد لديها سكان دائمون وأرض دولة محددة وحكومة وكذلك القدرة على إقامة علاقات مع دول أخرى. ومع ذلك ترفض تقريبًا جميع الدول الاعتراف بها بموجب القانون الدولي.
ميناء بربرة: منفذ بحري مهم للتجارة والسياسة الأمنيةصورة من: Solomon Muchie/DWويرفض أعضاء الاتحاد الأفريقي (AU) الاعتراف بأرض الصومال انطلاقاً من مبدأهم القائل بعدم جواز تغيير حدود الدول في القارة. وذلك على خلفية أنَّ حدود الدول الأفريقية تستند كثيرًا إلى التقسيم الذي وضعته القوى الاستعمارية، ونادرًا ما راعى النظام السياسي قبل الاستعمار. ولذلك فإنَّ التوترات العرقية والخلافت موجودة تقريبًا في كل مكان داخل أفريقيا، بصرف النظر عن الحدود الوطنية. وهناك خوف من أنَّ تغيير الحدود قد يؤدي إلى سلسلة من ردود الفعل.
وعلى الرغم من أنَّ حكومة أرض الصومال تعتبر موالية للغرب - على العكس غيرها من الحكومات في المنطقة، إلا أنّ دول حلف الناتو ، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية ، ترفض حتى الآن الاعتراف بها. ويعود أحد الأسباب إلى خشيتهم من أن يؤدي ذلك إلى إضعاف الحكومة في مقديشو مقابل ميليشيا حركة الشباب الإسلامية .
وبالنسبة للصين يعتبر الصومال شريكًا وقاعدة لـ"طريق الحرير البحري". وبالإضافة إلى ذلك ترفض الصين الحركات الانفصالية في جميع أنحاء العالم، بسبب خوفها من أن يشكل ذلك سابقة معيارية لمقاطعاتها الانفصالية. وحتى "جمهورية الصين" المستقلة بحكم الأمر الواقع على أراضي جزيرة تايوان - والمتحالفة مع أرض الصومال منذ عام 2020 - لا تعترف بها أية دولة ذات أهمية سياسية عالمية. وقد شدد يوم الاثنين الماضي متحدث باسم وزارة الخارجية في بكين على أنَّه: "لا يجوز لأية دولة أن تشجّع أو تدعم القوى الانفصالية الداخلية في دول أخرى من أجل مصالحها الخاصة".
بينما تحافظ روسيا على علاقات وثيقة مع الصومال منذ الحقبة السوفيتية وتتجنّب الدخول في صراعات مع الاتحاد الأفريقي. وتتعامل روسيا مع النزعات الانفصالية بصرامة؛ حسب مصالحها الخاصة. وهكذا تعترف حكومة فلاديمير بوتين بـ"جمهوريات" أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية ولوهانسك ودونيتسك.
تسعى أرض الصومال منذ إعلان استقلالها للحصول على اعتراف دولي.
تقيم أرض الصومال (صوماليلاند) أفضل علاقاتها الوثيقة مع جارتها إثيوبيا، التي تعتبر ثاني أكبر دولة في أفريقيا من حيث عدد السكان بأكثر من 130 مليون نسمة، وتكافح منذ استقلال إريتريا في عام 1993 من أجل تأمين منفذ بحري آمن. وفي كانون الثاني/يناير 2024 وقّعت إثيوبيا وأرض الصومال مذكرة تفاهم تكون أديس أبابا بموجبها مستعدة للاعتراف بأرض الصومال كدولة مستقلة مقابل حصولها على منفذا إلى البحر الأحمر.
وتقيم بعض دول الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة اتصالات سياسية غير رسمية مع أرض الصومال وتعاونها تنمويًا بشكل محدود. لكن بعد اعتراف إسرائيل بأرض الصومال، أكدت هذه الدول على الوحدة الوطنية للصومال.
علاقات وثيقة مع الجارة إثيوبيا: في 15 أكتوبر/ تشرين الأول استقبل وزير الخارجية الإثيوبي جيديون تيموثيوس رئيس صوماليلاند (أرض الصومال) عبد الرحمن محمد في أديس أبابا في مراسم عسكرية.صورة من: Ministry of Foreign affairs of Somalilandوترتبط أرض الصومال بتعاون عسكري مع الإمارات العربية المتحدة ، التي لم تنضم إلى البيان المشترك الذي أدانت فيه أكثر من 20 دولة ذات أغلبية مسلمة، من بينها تركيا والسعودية ومصر، هذه الخطوة الإسرائيلية. ويبدو أنَّ دولة الإمارات الخليجية تريد هنا بسط نفوذها في منطقة القرن الأفريقي .
ويعد خليج عدن المجاور من أهمّ طرق الملاحية في التجارة العالمية؛ كونه يعتبر مدخلًا إلى قناة السويس. بيد أنَّ الحوثيين، الذين يسيطرون على سواحل اليمن المقابلة، وبالإضافة إلى القراصنة الصوماليين، يجعلونه أيضًا من أخطر المناطق البحرية في العالم.
بحسب تعبير الحكومة الإسرائيلية؛ اعترفت إسرائيل بسيادة أرض الصومال "بروح" اتفاقيات أبراهام، التي توسط فيها الرئيس الأمريكي ترامب في عام 2020، وتهدف إلى تشجيع التقارب السياسي بين إسرائيل وعدة دول ذات أغلبية مسلمة (الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان). وكانت تريد دول عربية أخرى الانضمام إلى هذه الاتفاقيات، ولكن في ضوء حرب غزة تعرّضت اتفاقيات التطبيع لضغوطات. وقد علقت السعودية العملية رسميًا.
احتفل الناس يوم 26 كانون الأول/ديسمبر 2025 في العاصمة هرجيسا باعتراف إسرائيل بأرض الصومالصورة من: Farhan Aleli/AFP/Getty Imagesوبالنسبة لإسرائيل يمثل الحلفاء في المنطقة عوامل أمان أساسية. ويحظى هنا البحر الأحمر وخليج عدن بأهمية خاصة، لا سيما وأنَّ الحوثيين المعادين لإسرائيل لديهم نفوذ كبير هناك.
بيد أنَّ المراقبين يربطون هذا الاعتراف أيضًا بخطط إعادة توطين الفلسطينيين من أهالي قطاع غزة بشكل دائم، والتي طرحها دونالد ترامب في شباط/فبراير 2025 مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو. وبحسب تقارير إعلامية يعتبر كل من الصومال والسودان مناطق محتملة لإعادة التوطين. وفي حين صرّحت الحكومة السودانية بأنَّها رفضت طلبًا مماثلًا، أعلنت حكومتا الصومال وأرض الصومال عدم علمهما بأي شيء عن مثل هذه المبادرات. لكن وزير خارجية أرض الصومال أكد يوم الأحد الماضي على أنَّ حكومة هرجيسا لم توافق على توطين أي أشخاص من قطاع غزة في أرض الصومال.
واعتراف إسرائيل بأرض الصومال في هذا التوقيت يعتبر حساسًا جدًا، خاصة وأنَّ الصومال ستتولى في بداية عام 2026 الرئاسة الدورية لمجلس الأمن الدولي، وقد اجتمع مجلس الأمن في جلسة طارئة يوم الاثنين الماضي.
أعده للعربية: رائد الباش
المصدر:
DW