بين تشكيل حكومة جديدة بعد مخاض طويل، واستحقاقات سياسية وإدارية طال انتظارها، وقرارات مالية أعادت إشعال الجدل حول مصير الودائع والقطاع المصرفي، عاش لبنان على وقع محطات داخلية حساسة، ترافقت مع تداعيات حرب لم تنتهِ فصولها بالكامل.
فيما يلي، عرضٌ لأبرز الأحداث التي شهدها لبنان خلال عام 2025، من التحولات السياسية والمالية، إلى التطورات الأمنية والدبلوماسية، محطات شكّلت ملامح عام مضطرب، وأرست واقعًا لا لم ينجح بعد في استعادة توازنه.
في 8 شباط 2025، تمّ تشكيل حكومة جديدة من 24 وزيرًا برئاسة نواف سلام ، بعد مشاورات سياسية استمرت أكثر من ثلاثة أسابيع مع القوى والأحزاب الممثَّلة في البلاد. وجاءت الولادة الحكومية نتيجة مسار تفاوضي معقّد، واجه خلاله سلام عقبات متعددة قبل التوصل إلى الصيغة النهائية للتشكيلة.
وفي أولى مواقفه بعد التشكيل، حدّد سلام أولويات حكومته ببناء دولة القانون والمؤسسات، وإطلاق مسار إصلاحي يواكب جهود الإنقاذ الاقتصادي. وأكد أن الحكومة ستباشر تنفيذ إصلاحات تتيح للبنان الاقتراب من استحقاقات إعادة الإعمار وجذب الاستثمارات، إلى جانب التزام تنفيذ قرار مجلس الأمن 1701 واتفاق وقف إطلاق النار.
الأحد 4 مايو 2025، انطلقت الجولة الأولى من الانتخابات البلدية، في أول استحقاق محلي تشهده البلاد منذ نحو عشر سنوات، بعد سلسلة طويلة من التأجيلات التي فرضتها الأوضاع الأمنية. وشكّل هذا الاستحقاق محطة سياسية وإدارية لافتة، كونه الأول في عهد رئيس الجمهورية جوزيف عون وحكومة نواف سلام.
امتدت العملية الانتخابية على مدى أربعة أسابيع متتالية شملت مختلف المحافظات، لتُختتم في 24 مايو في محافظة الجنوب. ورغم المخاوف المستمرة من الاستهدافات الإسرائيلية، أُجريت الانتخابات في مواعيدها. وفي عدد من المناطق، أدلى الناخبون بأصواتهم في محيط أبنية مدمّرة جرّاء الغارات الجوية الإسرائيلية.
هذا العام، عاد ملف الودائع والقطاع المصرفي إلى صدارة المشهد السياسي والمالي، مع إقرار مجلس الوزراء، في 26 كانون الأول/ديسمبر، مشروع قانون الانتظام المالي واستعادة الودائع، بأغلبية 13 وزيرًا مقابل تسعة معارضين. خطوة اعتُبرت من أكثر المحطات حساسية منذ الانهيار المالي، لما تحمله من تداعيات مباشرة على المودعين والمصارف والدولة.
القانون، المعروف بقانون الفجوة المالية، شكّل أحد الشروط الأساسية لأي مسار تفاوضي مع صندوق النقد الدولي، واضعًا للمرة الأولى إطارًا رسميًا لمعالجة الخسائر وإعادة هيكلة المصارف، غير أن إقراره فجّر اعتراضات واسعة، تُرجمت بتحركات احتجاجية قرب السراي الحكومي وانتقادات نقابية، في مشهد عكس عمق الانقسام حول مقاربة أزمة تعود جذورها إلى عام 2019، ولا تزال ارتداداتها المالية والاجتماعية مفتوحة حتى اليوم.
في 27 تشرين الثاني 2025، اختار حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة الخروج عن صمته، في أول ظهور إعلامي له منذ الإفراج عنه، مقدّمًا روايته لما رافق سنوات الانهيار المالي، والاتهامات التي وُجّهت إليه، وظروف توقيفه.
سلامة، الذي خرج من السجن في 26 أيلول/أكتوبر 2025 بعد نحو عام على احتجازه بتهم اختلاس وتزوير ضمن ملف يلاحقه قضائيًا في لبنان وأوروبا منذ ثلاث سنوات، قال إن هناك معطيات لا يمكنه الكشف عنها "حمايةً لمصلحة البلد"، ورأى أن ما واجهه لم يكن مسارًا قضائيًا بحتًا، بل محاولة لـ"شيطنته وتغيير صورته أمام الرأي العام"، مقدّمًا نفسه باعتباره "كبش فداء".
في 26 آب 2025، أثارت تصريحات المبعوث الأمريكي توم برّاك موجة استياء واسعة في لبنان، بعدما وصف تصرفات الصحافيين بـ"الحيوانية" خلال محاولتهم الحصول على تصريحات منه ومن المبعوثة الأمريكية مورغان أورتاغوس قبيل مؤتمر صحفي في قصر بعبدا، ملوّحًا بمغادرة الوفد إذا استمرت "الفوضى"، وداعيًا الإعلاميين إلى "التصرف بحضارة"، في كلام عُدّ إهانة مباشرة للصحافة اللبنانية وللبنانيين عمومًا.
وسرعان ما تصدّرت الواقعة الاهتمام العام، وسط ردود فعل غاضبة، إذ أصدرت نقابة محرري الصحافة اللبنانية بيانًا استنكرت فيه تصريحات المبعوث الأمريكي ووصفتها بالمستفزّة وغير المقبولة، مطالبة باعتذار علني، ومحذّرة من احتمال الدعوة إلى مقاطعة زياراته واجتماعاته ما لم يُصحَّح هذا الموقف.
زار البابا ليو الرابع عشر لبنان في الفترة الممتدة من 30 تشرين الثاني/نوفمبر إلى 2 كانون الأول/ديسمبر 2025، في زيارة تاريخية استمرت ثلاثة أيام، شكّلت أولى جولاته الخارجية منذ انتخابه بابا للفاتيكان في مايو من العام نفسه.
وحملت الزيارة طابعًا روحيًا ورمزيًا لافتًا، وتخللتها محطات مؤثرة، أبرزها زيارته إلى موقع انفجار مرفأ بيروت حيث أدى صلاة صامتة تكريمًا لضحايا الكارثة، إضافة إلى ترؤسه قداسًا حاشدًا في الهواء الطلق على الواجهة البحرية لبيروت، شارك فيه أكثر من 100 ألف شخص، وسط إجراءات أمنية مشددة.
عاش لبنان هذذا العام على وقع خروقات إسرائيلية متواصلة لاتفاق وقف إطلاق النار الذي أُبرم في 27 نوفمبر 2024 بوساطة أمريكية، وسط غارات واستهدافات طالت الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، إلى جانب خروقات جوية وبرية متكررة، مع رفض الانسحاب من خمس تلال استراتيجية في الجنوب كان يفترض تسليمها خلال مهلة 60 يومًا من بدء تنفيذ الاتفاق.
وتسببت هذه الهجمات بتدمير منازل ومدارس وبنى تحتية، في ما اعتُبر محاولة لتعطيل مسار التعافي الهش. وفي مقابلة مع يورونيوز، أكدت اليونيفيل أن تمركز القوات الإسرائيلية داخل الأراضي اللبنانية يعرقل جوهر الاتفاق القائم على الانسحاب الكامل، كاشفة توثيق أكثر من عشرة آلاف انتهاك خلال عام واحد، معظمها من الجانب الإسرائيلي.
أما بالسنبة للحصيلة الإنسانية، أفادت مصادر وزارة الصحة اللبنانية بمقتل أكثر من 340 شخصًا وإصابة نحو 1,300 آخرين، فيما لا يزال أكثر من 64,417 شخصًا نازحين داخليًا، معظمهم من بنت جبيل ومرجعيون وصور، وفق المنظمة الدولية للهجرة. وفي موازاة ذلك، واجه حزب الله ضغوطًا سياسية ودبلوماسية متزايدة لنزع سلاحه، في وقت دفعت فيه إسرائيل والولايات المتحدة في هذا الاتجاه.
ومن بين أبرز الاستهدافات الإسرائيلية المسجّلة خلال العام:
في 23 مايو 2025، عقدت اللجنة اللبنانية الفلسطينية المشتركة اجتماعها الأول، واضعةً الأسس لجدول زمني يهدف إلى سحب الأسلحة من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. وجاءت الخطوة في إطار مبادرة أوسع لتحويل المخيمات إلى مجتمعات مدنية، مع بدء الفصائل الفلسطينية تسليم جزء من أسلحتها إلى الجيش اللبناني.
وشكّل مخيم برج البراجنة على مشارف بيروت نقطة انطلاق العملية. وعلى نطاق أوسع، تمّ النظر إلى هذا المسار باعتباره تمهيدًا للملف الأكثر تعقيدًا والمتصل بسلاح حزب الله ، الذي يواجه منذ الحرب الإسرائيلية الأخيرة ضغوطًا داخلية ودولية للتخلي عن ترسانته، وهو ما يرفضه حتى الآن.
وكانت وكالة أسوشييتد برس قد نقلت عن مسؤول حكومي لبناني قوله إن جهود نزع السلاح من المخيمات قد تفتح الباب أمام منح اللاجئين الفلسطينيين في لبنان مزيدًا من الحقوق القانونية، في حال استكمال هذا المسار.
في 29 يوليو 2025، أطلقت الحكومة اللبنانية المرحلة الأولى من برنامج "العودة الطوعية المنظمة ذاتيًا" للنازحين السوريين، في محاولة لمعالجة أحد أكثر الملفات حساسية داخليًا. وتزامن ذلك مع إعلان كل من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة دعم برنامج العودة الطوعية للسوريين الراغبين بالعودة إلى بلادهم، ضمن تنسيق مع السلطات اللبنانية.
البرنامج أُدرج ضمن خطة واسعة في بلد يرزح تحت أزمة مالية خانقة ونقص حاد في التمويل الأجنبي. وقد تداخل هذا المسار مع توترات متزايدة مرتبطة بكلفة النزوح، ومخيمات النازحين، والتحديات الأمنية، ما جعل ملف العودة محاطًا بإشكاليات سياسية وإنسانية معقّدة. وفي هذا السياق، وقعت في 28 كانون الأول 2025 حادثة مأساوية على الحدود الشمالية، حيث غرق 11 نازحًا سوريًا أثناء عبورهم مجرى النهر الكبير، وسط اتهامات للجيش اللبناني بإجبارهم على العبور باتجاه سوريا في ظل منخفض جوي عنيف.
بين سوريا ما بعد الأسد، وحدود لم تُرسَّم بعد، ومحادثات غير مسبوقة مع الدولة العبرية، واتفاقيات بارزة، وجد لبنان نفسه حاضرًا على أكثر من طاولة تفاوض، محاولًا موازنة ضرورات السياسة مع تعقيدات الداخل. وأبرز محطات هذا المسار تمثّلت في الآتي:
المصدر:
يورو نيوز
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة