في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في فجر 27 ديسمبر/كانون الأول 2024، كانت لقطة مصورة من شمال غزة كافية لتختصر مأساة عام بأكمله، طبيب أطفال يرتدي معطفه الأبيض يشق طريقه "منتصب القامة" بين الركام نحو آليات الاحتلال العسكرية.
كانت آليات الاحتلال لحظتها تحاصر مستشفى كمال عدوان، آخر منشأة كبرى كانت تقدّم الحدّ الأدنى من الخدمة الطبية في ذلك الجزء من القطاع.
بعد دقائق، أخذت القوات الإسرائيلية مدير المستشفى، الدكتور حسام أبو صفية (52 عامًا)، واقتادته إلى الاعتقال بلا توجيه تهمة ولا محاكمة.
ومنذ ذلك اليوم، تحوّل اسم الطبيب إلى رمز عالمي للسؤال الأخلاقي الأكبر، كيف يُعامَل من بقي لينقذ الأرواح أثناء الحرب؟، ناهيك عن أنها حرب إبادة على القطاع.
برز اسم الدكتور حسام أبو صفية طبيبا للأطفال وحديثي الولادة، ثم مديرا لمستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا منذ فبراير/شباط 2024، في وقت بدأ فيه النظام الصحي يترنّح تحت ضربات العدوان والحصار الخانق.
ورغم فرص المغادرة، قرر الطبيب وأسْرته البقاء داخل المستشفى شهورا، حيث نقلت تقارير وإفادات أنه كان يرفع السعة السريرية ويُنسّق غرف التغذية العلاجية للمصابين بسوء التغذية، ويزوّد المنظمات الإنسانية والمحلية بمعلومات ميدانية منتظمة عن النواقص الحيوية.
لكن كلفة البقاء وأداء الواجب الإنساني كانت باهظة، ففي 26 أكتوبر/تشرين الأول 2024 استُشهد ابنه إبراهيم خلال قصف استهدف محيط المستشفى، في واحدة من أشد اللحظات قسوةً على الأسرة والطاقم الطبي، كما أصيب هو نفسه لاحقًا خلال هجمات متكرّرة على المنشأة.
وعلى الرغم من الحزن الذي اعتصر قلبه، أصرّ على أداء صلاة الجنازة على نجله وسط زملائه في المستشفى، متحاملا على جراحه النفسية والجسدية، في حين استمرت أصوات القصف والانفجارات من حوله.
مع اشتداد الحصار في الساعات الأولى من 27 ديسمبر/كانون الأول 2024، اقتحمت القوات الإسرائيلية المستشفى، وأجبرت العاملين والمرضى على الإخلاء القسري، وأحرقت أجزاءً منه، ثم أخذت أبو صفية وهو بزيّه الطبي الأبيض.
وقد وثّق مشهد الطبيب وهو يتقدّم في شارعٍ مُدمّر باتجاه الدبابات، مشهدًا تحوّل إلى أيقونة تُستعاد كلما طُرح سؤال حماية الرعاية الصحية في زمن الحروب والنزاعات.
لاحقًا، أكّدت تقارير حقوقية وإعلامية أن أبو صفية نقله الاحتلال أولا إلى مركز سديه تيمان في صحراء النقب، ثم إلى سجن عوفر، حيث ظلّ محتجزًا من دون توجيه تهمة بموجب قانون "المقاتل غير الشرعي/غير القانوني".
ويعد هذا المصطلح، إطار تشريعي يسمح للاحتلال بالاحتجاز دون توجيه تهم ودون محاكمة لفترات قابلة للتجديد، مع قيود قاسية على الوصول إلى محامٍ والرعاية الصحية، وفق تقارير حقوقية.
وقد جرى تمديد اعتقاله أكثر من مرة خلال العام 2025، منها قرار في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2025 بتمديده 6 أشهر إضافية، وفق تقارير صحفية.
وقد أفادت محامية الطبيب حسام أبو صفية والمعتقل لدى إسرائيل منذ 27 ديسمبر/كانون الأول 2024 بأن حالة موكلها الصحية شهدت تدهورا خطيرا حيث فقد نحو 40 كيلوغراما من وزنه.
وأضافت محاميته -خلال الأشهر الماضية- أن الدكتور المعتقل يعاني من اضطرابات في دقات القلب دون أن يتلقى أي علاج، وأكدت أنه يتعرض للتعذيب والضرب الشديد، ويقبع في زنازين العزل تحت الأرض في ظروف اعتقال قاسية تشمل التجويع والإهمال الطبي الممنهج.
كما قالت وزارة الصحة في غزة إن أبو صفية يعاني من وضع صحي صعب وسط حرمان متعمد من العلاج، مشيرة في بيان أن محامية أبو صفية أفادت بـ"حرمانه المتعمد من العلاج"، ووصفت الانتهاكات التي يتعرض لها داخل السجون بـ"الوحشية"، مؤكدة تعرضه "للضرب المتواصل خلال التحقيق".
كما أوردت تقارير عن عائلة أبو صفية منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نقلا عن الفريق القانوني للطبيب، أن محكمة إسرائيلية "أجّلت المراجعة القانونية له لمدة 6 أشهر"، وقد أمضى أبو صفية يومها نحو 10 أشهر في الاعتقال الإسرائيلي.
وفي فبراير/شباط 2025، ظهر الطبيب أبو صفية لأول مرة في تسجيل بثّته وسائل إعلام إسرائيلية مقيّدًا داخل السجن، مما أثار موجة تنديد واسعة اعتبرت المشهد شكلا من “الإرهاب النفسي” وبثًّا متعمّدًا لإذلاله.
وسبق أن طالبت المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيزي، مرارًا بإطلاق سراح أبو صفية، ودعت المجتمع الطبي العالمي إلى قطع العلاقات مع المؤسسات الإسرائيلية احتجاجًا على "تدمير منظّم للنظام الصحي في غزة".
وفي الذكرى السنوية الأولى لاعتقال أبو صفية، نظّمت حملات ووقفات في لندن دول عدة، رفعت صور الطبيب وشعارات تطالب بإطلاق سراحه وسراح جميع العاملين الصحيين المحتجزين، إلى جانب إدانة استهداف الاحتلال الرعاية الصحية في القطاع بقتله الأطباء والمسعفين وقصفه المنشآت الطبية وسيارات الإسعاف.
المصدر:
الجزيرة