آخر الأخبار

هل يقترب حسم ملف الضباط السوريين في لبنان؟

شارك

عاد ملف الضباط السوريين الذين فروا إلى لبنان عقب الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد إلى الواجهة بعد تسليم دمشق قائمة للسلطات اللبنانية بأسمائهم في وقت تشهد فيه بيروت سياسة داخلية هشة وغياب موقف سيادي واضح.

وفي هذا السياق، قال موقع ذا ميديا لاين الأميركي إن جدلا متصاعدا يدور حول وجود مئات الضباط والعناصر العسكريين من النظام السوري السابق داخل لبنان، وسط اتهامات بأن بيروت توفّر لهم ملاذا يتيح الإفلات من الملاحقة القضائية.

وأوضح الموقع أن دمشق سلّمت السلطات اللبنانية قائمة تضم أسماء نحو 300 ضابط، مرفقة بمعلومات دقيقة عن أماكن وجودهم وتحركاتهم، مما يعكس -بحسب الموقع- متابعة لصيقة من أجهزة الاستخبارات السورية، ويطرح تساؤلات حادة حول مدى استعداد الدولة اللبنانية للتعاون في ظل توازنات سياسية وأمنية شديدة الحساسية.

وفي حين تتباين القراءات حول خلفيات هذا التحرك ودلالاته، يتفق محللون تحدثوا للجزيرة نت على أن الملف لا يمكن فصله عن مسارات التفاوض والضغط السياسي، ولا عن واقع الانقسام الداخلي اللبناني، وضعف قدرة الدولة على اتخاذ قرارات حاسمة في ملفات تتقاطع فيها الاعتبارات الأمنية والسياسية والإقليمية.

توقيت سياسي

في قراءة سياسية للتوقيت، يرى الباحث الأمني عمار فرهود أن تحريك هذا الملف في الوقت الراهن يرتبط برغبة جهات في كلا الطرفين بإدخاله ضمن مسار التفاوض، لاستخدامه كأداة ضغط أو كملف تصعيدي، ولكن عبر الوسائل الدبلوماسية لا الأمنية.

ويضيف للجزيرة نت أن الملف قابل للاستثمار السياسي داخليًا، من خلال توظيفه في الخطاب الموجّه إلى المجتمعات الداخلية، مما يفسّر إعادته إلى الواجهة في هذا التوقيت تحديدًا.

وفي ما يتصل بمصداقية الأنباء المتداولة، يعتبر فرهود أن الحديث عن وجود ضباط من النظام السوري السابق في لبنان يحمل نسبة عالية من الصحة، في ظل تداول هذه المعلومات من شخصيات مؤيدة للنظام من داخل لبنان فضلا عن أن سقوط النظام قطع السبل أمام عدد كبير من ضباطه، وكان لبنان أحد المسارات القليلة المتاحة لهم.

إعلان

ويشير فرهود إلى أن الخلط بين الإقامة والإفلات من العدالة يطرح إشكالية حقيقية، معتبرًا أن معالجة هذا الملف قد تمنح الحكومة السورية شرعية إضافية في سياق العدالة الانتقالية، في حين أن تجاهله قد يضعف صورتها أمام شعبها.

أما على المستوى اللبناني، فيصف المشهد بأنه أكثر تعقيدًا، في ظل الانقسام الداخلي ووجود هؤلاء الضباط في مناطق خاضعة لسيطرة حزب الله، الذي يرى أن مصلحته تكمن في عدم حل الملف، خشية ما قد يكشفه تسليمهم من تعاون سابق قد يورطه أمام المجتمع الدولي.

البعد السياسي لا يُلغي الالتزامات القانونية والأخلاقية، ولبنان مطالب بالتعاون مع المجتمع الدولي بملاحقة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة للقانون الجنائي الدولي.

بواسطة المحامي نبيل الحلبي

مقاربة قانونية

وإذا كان البعد السياسي يفسر توقيت فتح الملف، فإن المقاربة القانونية تطرح أسئلة لا تقل حساسية حول التزامات لبنان الدولية وحدود صلاحياته الدستورية في قضايا التسليم والتعاون القضائي.

من زاوية قانونية، يؤكد المحامي والمدير التنفيذي للمؤسسة اللبنانية للديمقراطية وحقوق الإنسان نبيل الحلبي في حديثه للجزيرة نت أن البعد السياسي لا يُلغي الالتزامات القانونية والأخلاقية، مشددًا على أن لبنان مطالب بالتعاون مع المجتمع الدولي بملاحقة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة للقانون الجنائي الدولي.

ويشير إلى أن عدم انضمام لبنان إلى اتفاقية روما لا يبرر الامتناع عن التعاون في تسليم مطلوبين متهمين بارتكاب جرائم حرب.

ويوضح الحلبي أن غياب اتفاقية ثنائية لا يفرض التزاما قانونيًا مباشرًا بالتسليم، لكنه لا يمنع السلطات اللبنانية من اتخاذ قرار بذلك عبر مجلس الوزراء بعد مطالعة من النائب العام التمييزي.

ويرى أن قرارات التسليم في لبنان غالبا ما تكون خاضعة للتوجهات السياسية، مستشهدًا بقضايا تسليم سابقة مثل جميل حسن، الذي شغل منصب مدير المخابرات الجوية في نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد حيث لم تتعاون السلطات اللبنانية مع الإنتربول للكشف عن مكان وجوده، رغم إدراجه على لوائح المطلوبين دوليًا.

مصدر الصورة الجيش اللبناني يكثف جهوده لضبط المعابر غير الشرعية وإعادة المخالفين إلى سوريا (الجزيرة نت)

قيود الدولة

وعلى المستوى الأمني والمؤسساتي، تتقدّم الأسئلة حول قدرة الدولة اللبنانية على ترجمة أي مقاربة سياسية أو قانونية إلى قرار عملي، في ظل الانقسامات الداخلية وتعدد مراكز القرار والضغوط الإقليمية والدولية المتشابكة.

وفي هذا السياق يرى الباحث في الشؤون العسكرية العميد منير شحادة أن الأوساط اللبنانية منقسمة في مقاربتها لتسليم دمشق قائمة بأسماء ضباط سوريين موجودين داخل لبنان، بين من يتعامل معها كخطوة أمنية تقنية، ومن يقرأ فيها رسالة سياسية تتجاوز الإطار الأمني.

ويوضح للجزيرة نت أن دمشق تسعى من خلال هذا الطلب إلى اختبار استعداد الدولة اللبنانية لإعادة تفعيل قنوات تواصل أمني حساسة، أو إلى إعادة تثبيت حضور سياسي–أمني سوري بصيغة مختلفة عن مرحلة ما قبل عام 2005.

ويشير شحادة إلى أن هامش الدولة اللبنانية في التعاطي مع هذا الملف يبقى محدودا بفعل الانقسامات الداخلية والحسابات الخارجية، مما يدفعها إلى إدارة القضية بسياسة الاحتواء وتجنّب الصدام بدل اتخاذ قرارات حاسمة.

إعلان

وفي ما يتصل بدور حزب الله، يؤكد شحادة "غياب الأدلة الموثقة على تورطه المباشر"، لكنه يلفت إلى أن نفوذه الأمني والجغرافي يجعل اسمه حاضرا في النقاش العام، محذرًا من أن استمرار تداول هذه الاتهامات يضع لبنان في موقع دفاعي أمام المجتمع الدولي ويعمّق الانقسام الداخلي حول القرار الأمني.

وخلص المحللون الى اعتبار أن ملف الضباط السوريين في لبنان قضية مركّبة تتجاوز بعدها الأمني، لتلامس جوهر السيادة اللبنانية وحدود القرار السياسي والقانوني في ظل ضغوط داخلية وخارجية متشابكة.

وبحسب ما أورده موقع ذا ميديا لاين، فإن هذه القضية تضع لبنان أمام اختبار قانوني وسياسي معقّد، تتداخل فيه الضغوط السورية مع مطالب دولية، أبرزها فرنسية، لملاحقة شخصيات متهمة بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وأشار الموقع إلى أن تعقيد الملف يتزايد بفعل امتلاك بعض الضباط إقامات قانونية، إضافة إلى تقارير إعلامية وأمنية تتحدث عن علم السلطات اللبنانية بوجودهم وتقديم تسهيلات لبعضهم، في مقابل نفي رسمي لبناني يتناقض مع تحقيقات صحفية وقضائية دولية.

ومع دخول فرنسا على خط القضية بطلبات قضائية رسمية، يبقى مصير هؤلاء الضباط معلّقًا بين اعتبارات السيادة والقانون والضغوط الإقليمية والدولية، في ملف حساس يؤثر على مستقبل العلاقة بين بيروت ودمشق.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة


الأكثر تداولا اسرائيل روسيا أمريكا سوريا

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا