في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
عادت صفقة استيراد مصر للغاز من إسرائيل إلى واجهة الجدل مجددا، بعد حسمها رسميا، لتفتح بابا واسعا للنقاش بين من ينظر إليها بوصفها قرارا اقتصاديا تحكمه معادلات العرض والطلب، ومن يراها خطوة لا تنفصل عن اعتبارات سياسية وإقليمية ودولية أكثر تعقيدا.
وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأربعاء المصادقة على اتفاق في مجال الغاز الطبيعي مع مصر، ووصفه بأنه "أكبر صفقة غاز" في تاريخ إسرائيل .
وبين تأكيدات رسمية مصرية على الطابع التجاري البحت للصفقة، وتقديرات خبراء يرون تداخلا يصعب فصله بين الاقتصاد والسياسة، تبرز تساؤلات جوهرية عن مكاسب الطرفين والمستفيد الأكبر من هذه الصفقة.
وفي محاولة لاحتواء الجدل الدائر، شدد رئيس هيئة الاستعلامات المصرية ضياء رشوان على أن صفقة الغاز مع إسرائيل تندرج ضمن إطار الصفقات الاقتصادية الخاضعة لقواعد السوق وآليات الاستثمار الدولي، ولا تحمل أي أبعاد أو توظيفات سياسية.
وأكد رشوان -في بيان رسمي- أن أطراف الاتفاقية شركات تجارية بحتة، من بينها شركة "شيفرون" الأميركية، إلى جانب شركات مصرية متخصصة في استقبال الغاز ونقله وتداوله، دون تدخل حكومي مباشر في إبرام هذه التعاقدات.
واعتبر أن الاتفاقية تخدم مصلحة إستراتيجية لمصر، تتمثل في تعزيز موقعها بصفتها مركزا إقليميا وحيدا لتداول الغاز في الشرق الأوسط ، مستندة إلى ما تمتلكه من بنية تحتية متقدمة ومحطات إسالة قادرة على تلبية احتياجات السوقين الإقليمية والدولية.
من جانبه، شدد الخبير الاقتصادي محمد فؤاد -في حديثه للجزيرة نت- على أن الصفقة في جوهرها قرار اقتصادي بحت، موضحا أن سوق الغاز ينقسم إلى 3 أنواع رئيسة من حيث التكلفة:
وأضاف أن البديل عن هذه الصفقة كان سيكلف الدولة ما بين 3 و3.2 مليارات دولار سنويا، بخلاف مصروفات التشغيل، مؤكدا أن الصفقة اقتصادية في المقام الأول، ولا ينبغي تحميلها أبعادا تتجاوز هذا الإطار.
في المقابل، يرى السفير معتز أحمدين، مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة سابقا، أن الفصل الكامل بين الاقتصاد والسياسة أمر غير واقعي، مؤكدا في تصريحات خاصة للجزيرة نت أن الصفقة -وإن أُعلنت اقتصادية- لا تخلو من اعتبارات سياسية واضحة.
ويعتقد أحمدين أن موافقة إسرائيل على إتمام الصفقة جاءت استجابة لضغوط أميركية "تهدف إلى تحقيق مكاسب شخصية للرئيس الأميركي دونالد ترامب وعائلته، نظرا لامتلاكهم حصة كبيرة من أسهم شركة شيفرون، المستثمر الأجنبي الرئيس في حقل ليفياثان، الذي يُستخرج منه الغاز".
كما تخدم الصفقة، حسب تقديره، مساعي واشنطن لإخراج إسرائيل من عزلتها الدولية ودمجها في الإقليم، والترويج لذلك بوصفه أحد إنجازات ترامب.
وعلى الصعيد الاقتصادي، أوضح أحمدين أن المكاسب المعلنة للصفقة تتمثل في الحصول على الغاز بسعر أقل من السوق لاستخدامه محليا، مع تصدير الفائض إلى أوروبا بأسعار أعلى، لكنه حذر من أن هذه الحسابات تبقى رهينة استمرار الطلب الأوروبي المرتبط بالحرب في أوكرانيا ، وعدم التوصل إلى تسوية سياسية.
وأضاف أن أي تغير في هذه المعادلة، وانخفاض الأسعار العالمية، قد يفقد الصفقة جانبا كبيرا من مكاسبها المتوقعة، وهو احتمال وارد بقوة في ظل تقلبات سوق الطاقة العالمية.
وأشار إلى أن المكاسب الأكبر تصب في صالح إسرائيل والشركة الأميركية، إذ تضمنان استرداد استثماراتهما في الحقل وتطويره، مع تسويق الإنتاج لفترات طويلة دون أعباء إضافية، كما أن تقلبات السوق الدولية يتحملها المشتري، أي مصر في هذه الحالة، في ظل غياب ضمانات حقيقية ضد المخاطر المستقبلية.
سياسيا، يرى أحمدين أن الصفقة تمثل تقاربا مصريا مع الولايات المتحدة ، لا سيما مع إدارة ترامب، لكنها لا تحقق مكاسب سياسية تذكر لمصر في علاقتها مع إسرائيل، وعلى العكس، فإن المستفيد سياسيا هو إسرائيل التي تستخدم الصفقة دليلا على اندماجها الإقليمي وخروجها من العزلة.
وأضاف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي سيستثمر الصفقة ضمن سجل إنجازاته خلال حملته الانتخابية المقبلة، معتبرا أن تل أبيب استغلت اللحظة السياسية الراهنة لتحقيق أكبر قدر من المكاسب، قبل أي تغيير محتمل في الموقف المصري.
وأكد أن القرار بالنسبة لمصر محسوب اقتصاديا في إطار علاقتها مع إسرائيل، وسياسيا في سياق علاقتها مع الولايات المتحدة، لكنه اعتبر أن الحسابات الاقتصادية قد تكون غير دقيقة، نظرا للتقلبات المتوقعة في سوق الغاز عالميا، وضخامة المبالغ الملتزم بها، التي تتجاوز ملياري دولار سنويا حتى عند توزيعها على 15 عاما.
وأشار أحمدين إلى أن هذه المبالغ كان يمكن توجيهها للحصول على شروط أفضل من دول عربية، أو للاستثمار في استيراد الطاقة النظيفة من إثيوبيا، ضمن مقاربة أشمل للتعامل مع ملف الطاقة وقضية سد النهضة .
من جانبه، يرى الدكتور حسام عرفات، أستاذ البترول والتعدين، أن صفقة الغاز الإسرائيلي تحمل بُعدين متلازمين: سياسيا واقتصاديا، متسائلا: "إذا كانت الصفقة اقتصادية بحتة، فلماذا أوقفتها إسرائيل منذ أغسطس/آب الماضي، رغم الانتهاء من الاتفاق ومذكرات التفاهم قبلها بأشهر؟".
وأوضح عرفات أن التأخير الإسرائيلي كان وسيلة ضغط سياسي على مصر، على خلفية تطورات القضية الفلسطينية وقمة شرم الشيخ ، مشيرا إلى أن ضغوط الشركاء والولايات المتحدة هي التي أعادت الصفقة إلى مسارها بعد أشهر من التجميد.
اقتصاديا، يؤكد عرفات أن إسرائيل هي المستفيد الأكبر من الصفقة، رغم استفادة مصر منها أيضا، فإسرائيل -حسب قوله- لا تملك خيارات متعددة لتصدير غازها سوى مصر والأردن؛ نظرا لاعتمادها على نظام الأنابيب، وعدم امتلاكها بنية تحتية للإسالة، على عكس القاهرة التي تمتلك محطتين جاهزتين لهذا الغرض.
وأشار إلى أن مصر ستستفيد بتغطية جانب كبير من احتياجاتها المحلية من الغاز، وهو الهدف الأهم، قبل التفكير في التصدير، لكنه حذر من الرهان على أسعار التصدير، في ظل تسعير دولي متغير، واتفاق يمتد على مرحلتين حتى عامي 2030 و2040، وسط تساؤلات حول استقرار الأسواق العالمية على المدى الطويل.
وأكد عرفات أن مصر تمتلك بنية تحتية غير مسبوقة في قطاع الغاز، تشمل محطتي إسالة في إدكو ودمياط شمالي البلاد، إلى جانب عدة محطات لتحويل الغاز المسال إلى حالته الغازية، مما يمنحها أفضلية واضحة في شرق المتوسط.
وأضاف أن القاهرة تنتج حاليا نحو 4.2 مليارات قدم مكعبة من الغاز، مقابل احتياج فعلي يناهز 6 مليارات قدم مكعبة، موضحا أن مصر، بعد تغطية احتياجاتها، تقوم بإسالة الفائض وتصديره إلى أوروبا، مستفيدة من الأزمة التي خلفتها الحرب الروسية الأوكرانية .
وأشار إلى أن القاهرة سبق أن صدّرت شحنات كبيرة عام 2022 وحققت عوائد معتبرة، إلى جانب شحنات حديثة إلى تركيا واليابان، مؤكدا أن هذه المعطيات تعزز من موقع مصر مركزا إقليميا للطاقة في شرق المتوسط، حتى وإن ظلت صفقة الغاز مع إسرائيل محاطة بتساؤلات سياسية واقتصادية لا تزال مفتوحة على الجدل.
وبين طموح مصر في التحول إلى مركز إقليمي للطاقة، والتحديات السياسية المرتبطة بمصدر هذا الغاز، تبقى صفقة الاستيراد من إسرائيل ملفاً مفتوحاً على كل الاحتمالات؛ فهل تنجح الحسابات الاقتصادية في تحييد الضغوط السياسية؟ أم أن تقلبات أسواق الطاقة العالمية ستفرض واقعاً جديداً يغير موازين القوى في المنطقة؟
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة