في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
مع اقتراب الصراع في أوكرانيا من عامه الرابع، يواجه الغرب إستراتيجية تهديد مزدوجة من موسكو، صُممت لاستغلال الانقسامات الداخلية ونقاط الضعف النفسية.
وتحذر الكاتبتان ماري ديفسكي وكاتيا غلود، في مقالين تحليليين نُشرا في اليوم نفسه بصحيفتي إندبندنت وآي بيبر البريطانيتين على التوالي، من أن أوروبا تقف عند لحظة مفصلية في مواجهتها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين .
فمن زاويتين مختلفتين، ترى كل من ديفسكي وغلود أن روسيا تستغل تردّد الغرب "قانونيا وماليا وإستراتيجيا" لإضعاف وحدة الأوروبيين، وإعادة تشكيل النظام الأمني في القارة.
وترسم المقالتان صورة لكرملين يحوّل كلا من الأصول الروسية المجمّدة والحرب الهجينة إلى أدوات لزرع الفُرقة بين الحلفاء وتحقيق مكاسب بعيدة المدى.
وتسلط ماري ديفسكي، كاتبة العمود لدى صحيفة إندبندنت، الضوء على أزمة تلوح في الأفق داخل الاتحاد الأوروبي بشأن ما إذا كان ينبغي مصادرة الأصول التي تبلغ قيمتها 210 مليارات يورو (226.8 مليار دولار أميركي) المجمدة منذ الحرب الروسية على أوكرانيا عام 2022.
ديفسكي: مصادرة أصول دولة أجنبية قد تقوّض الثقة بالمؤسسات المالية الأوروبية، وتُعرِّض دول الاتحاد لدعاوى قضائية مكلفة
فرغم أن الاتحاد حافظ إلى حدّ كبير على وحدته في الدعم السياسي والعسكري لكييف، فإن هذا التماسك -وفق تحليل إندبندنت- بات مهددا مع احتدام النقاش بين الدول المثقلة ماليا حول استخدام تلك الأموال لتمويل المجهود الحربي الأوكراني وضمان استمرار عمل الدولة.
وتشير ديفسكي إلى أن المعارضة لم تعد مقتصرة على دول مثل المجر وسلوفاكيا، المعروفتين بتحفّظهما، بل تشمل بلجيكا وإيطاليا ومالطا وجمهورية التشيك وبلغاريا، مع تلميحات إلى تحفّظ فرنسي أيضا.
وترى أن ما هو على المحك يتجاوز أوكرانيا ليطال مبادئ أساسية في النظام المالي الدولي وسيادة القانون، إذ إن مصادرة أصول دولة أجنبية قد تقوّض الثقة بالمؤسسات المالية الأوروبية، وتُعرِّض دول الاتحاد لدعاوى قضائية مكلفة.
وتكتسب بلجيكا أهمية خاصة في هذا الجدل، نظرا لاحتضانها شركة "يوروكلير" المستحوذة على حصة الأسد (150 مليار يورو) من هذه الأصول، وتخشى بروكسل أن تفوز موسكو بدعاوى قانونية محتملة، مما قد يحمّل المؤسسات البلجيكية ديونا باهظة.
أما المحاولات الرامية إلى الالتفاف على المأزق القانوني -سواء عبر استخدام الأصول كضمانات قروض أو تعليق قواعد التصويت الأوروبية بدعوى "الطوارئ"- فلن تؤدي -بحسب ديفسكي- إلا إلى تعميق الانقسامات السياسية وكشف هشاشة الأساس القانوني للمقترح.
وتضيف الكاتبة أن بوتين -عبر التهديد بالانتقام القانوني- نجح بالفعل في تحويل ملياراته المجمدة من نقطة ضعف إلى سلاح قادر على زعزعة استقرار منطقة اليورو وتقويض سيادة القانون.
وتمضي ديفسكي محذرة من أن الاتحاد الأوروبي إذا ما انقسم، فقد تكون العواقب وخيمة تتمثل في اضطراب اقتصادي، وتآكل السمعة القانونية، وتصعيد محتمل مع روسيا، بل ربما انهيار مالي لأوكرانيا إذا لم تتوافر مصادر تمويل بديلة.
أما غلود، نائبة رئيس قسم السياسة الخارجية في مركز الإستراتيجيات الأوراسية الجديدة، فتجادل في تحليلها بأن روسيا تشن موجة غير مسبوقة من الهجمات الهجينة لخلق مناخ من "المخاطر والاضطراب والقلق".
واستشهدت بأمثلة على ذلك، وتحديدا بملاحقة روسيا الغواصات في القنال الإنجليزي، والهجمات السيبرانية على البنية التحتية البلجيكية والألمانية، واستهداف طائرات سلاح الجو الملكي البريطاني بأشعة الليزر، واختراق المجال الجوي بطائرات مسيّرة.
من خلال رفع مستوى المخاطر الأمنية داخل أوروبا، تسعى موسكو إلى صرف الانتباه عن دعم كييف
وتزعم الكاتبة أن هذه الأفعال مستمدة مباشرة من أساليب جهاز الاستخبارات السوفياتي السابق ( كي جي بي )، وتندرج ضمن إستراتيجية نفسية محسوبة تهدف إلى ترهيب الحكومات الأوروبية وزرع القلق في لحظة تفاوضية حساسة حول مستقبل أوكرانيا.
ومن خلال رفع مستوى المخاطر الأمنية داخل أوروبا نفسها، تسعى موسكو إلى صرف الانتباه عن دعم كييف، وإجبار القادة الأوروبيين على المفاضلة بين حماية بلدانهم ومساندة أوكرانيا، طبقا للتحليل المنشور في آي بيبر.
وتؤكد الكاتبة أن أهداف روسيا واضحة، وهي انتزاع تنازلات أوكرانية في ما يتعلق بالأراضي وحجم الجيش، وتقليص الدعم الغربي لكييف، وإعادة تشكيل النظام الأمني الأوروبي، وتجميد توسّع حلف شمال الأطلسي ( الناتو ) وإعادة فرض مناطق نفوذ على غرار الحقبة السوفياتية.
كما تشير غلود إلى ما تسميه "تأثير الرئيس الأميركي دونالد ترامب "، معتبرة أن موسكو تحاول إظهار قوتها وكشف الانقسامات الأوروبية بما قد يؤثر في الحسابات السياسية الأميركية ويضعف التضامن عبر الأطلسي.
وتحذّر من أن تردّد أوروبا قد يفضي إلى تهميشها في مفاوضات ستحدد ملامح أمن القارة لسنوات طويلة.
وفي المحصلة، تتفق الكاتبتان على تحذير جوهري واحد، وهو أن الغرب يقف عند مفترق طرق حاسم، إذ إن تردّده يتيح فرصا ثمينة لبوتين، الذي قد ينجح في تكريس مكاسب إستراتيجية ستترك بصمتها على مستقبل أمن أوروبا لسنوات قادمة.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة