آخر الأخبار

ذكرى الثورة في تونس.. النظام يحتفل والمعارضة تضرب عن الطعام

شارك
تطوي تونس الذكرى الـ15 للثورة بين احتفالات السلطة، احتجاجات المعارضة، واستمرار البطالة كأحد جراح الانتقال المفتوحة.صورة من: Tarek Guizani/DW

تقف يسرى ناجي المتحدثة باسم تنسيقية العاطلين الذين تجاوزت بطالتهم عشر سنوات في تونس، بحالة ترقب مع بضع مئات امام مبنى البرلمان التونسي الذي ينظر في نفس اليوم في مشروع قانون يجيز منحهم الأولوية للتوظيف في الوظيفة العمومية والقطاع العام بحسب السن وسنة التخرج.

تحمل يسرى شهادة جامعية في تخصص الفنون الجميلة، لكنها تقول في افادتها لـDW عربية أنها تعاني من البطالة منذ 16 عاما، وهي فترة يمكن ان تتجاوز 20 عاما لدى عاطلين آخرين تخطوا سن الأربعين والخمسين عاما.

وتقدر تنسيقية العاطلين أعداد هؤلاء إجمالا بما بين 20 ألف و30 ألف. ويمثل القانون الذي صادق عليه بالفعل البرلمان عشية إحياء الذكرى 15 لاندلاع الثورة في تونس في 17 ديسمبر/ كانون الأول، بارقة أمل لهم لنيل أحد أبرز مطالبهم التي رفعت قبل سنوات في احتجاجات ضد حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي قبل سقوط النظام في 14 يناير/كانون الثاني عام 2011.

ولكن على الرغم من مصادقة النواب، ينتظر العاطلون الآن الخطوة التالية لتطبيق القانون. وتقول يسرى ناجي وسط المرابطين امام البرلمان "مطالبنا اجتماعية لحفظ كرامتنا"، في رجع صدى لشعار الثورة قبل 15 عام "شغل حرية كرامة وطنية".

عاطلون عن العمل يحتجون أمام البرلمان التونسي (17/12/2025)صورة من: Tarek Guizani/DW

سباق نحو المشروعية

يصنف علي زغدود النائب في البرلمان المنتخب في 2022 أي بعد إعلان الرئيس قيس سعيد التدابير الاستثنائية في 25 تموز/ يوليو 2021، وهو أيضا احد المبادرين لقانون تشغيل العاطلين لمن طالت بطالتهم أكثر من عشر سنوات، عطالة الشباب بـ"جريمة دولة" على الرغم من أنهم مثلوا وقودا للثورة أيام اندلاعها في المناطق الداخلية الفقيرة وعنصرا فاعلا ومحوريا في نجاحها، لكن وفق تقديره لـDW عربية تم التنكر من قبل كل الحكومات إلى مطالبهم فيما تم فتح الباب لانتداب الآلاف من المحسوبين على الأحزاب السياسية في الحكم بعد 2011.

ويشير بدوره حسام أحمد عضو المكتب السياسي لحركة 25 جويلية (يوليو) الداعم للرئيس قيس سعيد، إلى معركة يقودها الرئيس لمكافحة الفساد في الإدارة وما سماه أيضا بالعراقيل التي تعترض تحقيق أهداف الثورة، لافتا إلى القرار الذي أصدره بإلغاء قانون المناولة والذي أنهى معاناة الآلاف من العمال العرضيين مع التشغيل الهش.

ويقول أحمد لـDW عربية "لا زلنا نؤمن بالثورة ومخرجاتها ومبادرات الرئيس سعيد تتطابق مع أهداف الثورة". ومع ذلك فإن واقع الحال اليوم وبعد أكثر من أربع سنوات على سيطرة الرئيس قيس سعيد بشكل كامل على السلطة، لا يختلف كثيرا عن السنوات السابقة في قطاع التشغيل.

فحتى مع مصادقة البرلمان على قانون توظيف من طالت بطالتهم، فإنه من غير المتوقع ان يفضي إلى انهاء ازمة البطالة في صفوف خريجي الجامعات الذين يمثلون حوالي ثلث الباحثين عن فرص شغل، في ظل تدني نسبة نمو الاقتصاد، وهو ما أدى بالنتيجة إلى تفاقم الهجرة إلى خارج البلاد، حيث يقدر "المرصد الوطني للهجرة" في تونس عدد المغادرين من الكوادر والعاطلين بنحو 30 ألف سنويا، تاركين وراءهم أحلام لم تتحقق.

بن رمضان: خيبة الأمل الكبرى تكمن في التراجع الكبير لأثر المجتمع المدني والأحزاب السياسية في ذكرى الثورة "تحت وطأة القمع"صورة من: Tarek Guizani/DW

ويوضح الخبير في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر في تحليله لـDW عربية، أن السلطة تسوق لصورتها كجهة شرعية مدافعة عن أهداف الثورة وفي نفس الوقت تعدد العراقيل التي تعترضها مثل "الاحتجاجات والمؤامرات وتدفع بجماعات في الشارع للاحتفال في ذكرى الثورة لمنح سياساتها المشروعية"، في المقابل تسيطر حالة الإحباط على الأغلبية الصامتة المقموعة اقتصاديا واجتماعيا والمثقلة بهمومها وخيبات الأمل.

ويضيف الخبير في تحليله "هناك نواة مقاومة مصغرة ومعزولة، ولكنها مازالت متمسكة بالثورة مثل احتجاجات المعطلين في سيدي بوزيد مهد الثورة في 2010 واحتجاجات مدينة قابس المتواترة ضد التلوث البيئي". لكن خيبة الأمل الكبرى وفق بن رمضان هو التراجع الكبير لأثر المجتمع المدني والأحزاب السياسية في ذكرى الثورة "تحت وطأة القمع"، كما يقول.

ثورة و"ثورة مضادة"

بعيدا عن الشارع الرمز الحبيب بورقيبة الذي ضج يوم الاحتفال بذكرى الثورة بأنصار الرئيس سعيد، كانت هناك دعوات من داخل سجن المرناقية من سياسيي المعارضة والنشطاء الموقوفين في قضايا التآمر على أمن الدولة وملفات أخرى، من أجل شن إضراب جماعي عن الطعام احتجاجا على ظروف محاكماتهم والأحكام المشددة التي صدرت ضدهم في جلسات لقيت انتقادات من منظمات حقوقية حول مدى توفر معايير المحاكمة العادلة.

ويعكس النداء مفارقة مع زخم النشاط المجتمعي والحزبي الذي ساد عقب الثورة بعد 2011، لكن خفت جذوته تدريجيا بعد إعلان التدابير الاستثنائية في 2021. وتنظر المعارضة لهذا التحول كصعود لما تسميه "ثورة مضادة" و"شعبوية" من نظام حكم الرئيس قيس سعيد.

ومما جاء في بيان لـ"جبهة الخلاص الوطني" المعارضة في تقييمها لانتكاسة الانتقال السياسي في تونس "أنه رغم منجزات سنوات الانتقال الديمقراطي المتعثر في مجال البناء الدستوري والمؤسساتي وحرية التعبير والإعلام والتنظيم والتنافس الانتخابي الحر، فقد تسلل الخطاب الشعبوي إلى الوعي الجمعي مستغلا الأخطاء والصعوبات والخلافات والتعثر في تجسيد قيم الثورة وتحصينها من خطر الثورة المضادة والنزعات الانقلابية".

تكافح الأصوات المعارضة من أجل إسماع صوتها واثبات وجودها في الشارع وتحدي قرارات السلطة في مسيرات أسبوعية متكررة خلال شهري نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول 2025صورة من: Tarek Guizani/DW

ويرجع مسعود الرمضاني الكاتب والناشط الحقوقي أسباب هذه الانتكاسة في تحليله لـDW عربية، إلى برنامج السلطة اليوم القائم على تغييب المجتمع المدني والأحزاب السياسية وإسكات الصحافة، وهو ما يلغي تماما في تقديره الثورة التي أشعلها الشباب ويعود بالبلاد إلى المربع الأول قبل 14 يناير/ كانون الثاني 2011.

مع ذلك تكافح الأصوات المعارضة من أجل إسماع صوتها واثبات وجودها في الشارع وتحدي قرارات السلطة في مسيرات أسبوعية متكررة خلال شهري نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول في مسعى لإعادة الزخم إلى الشارع. ويقول الرمضاني "المطلوب استفاقة ليس فقط من القوى المدنية والسياسية، ولكن أيضا من الشعب من أجل فرض حقوقه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وهي الحقوق التي أتت بها الثورة".

"موت الصحافة"

تنفي السلطة وجود تضييق على الحريات العامة، ويستدل في ذلك حسام بن أحمد القيادي في حركة 25 يوليو، باحتجاجات المعارضة في الشارع التي تؤمنها الشرطة ولا يمنعها النظام. لكن الأزمة تبدو أعمق من ذلك، حيث تحذر نقابة الصحافيين في تونس ورابطة الدفاع عن حقوق الإنسان من خطر "موت الصحافة" ومنع التعددية بسبب القيود على حرية التعبير التي تمثل المكسب الرئيسي للثورة، وانحسار الاستقلالية في وسائل الإعلام العمومية.

ويقول زياد دبار رئيس النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين لـDW عربية "عندما نتحدث عن الحريات فإننا بالضرورة نتحدث عن التشريعات. وهذا مكسب حرية التعبير اليوم بات مهددا إلى درجة خطيرة بالنظر الى التشريعات الحالية".

ويقصد من وراء ذلك بالخصوص، المرسوم 54 المثير للجدل الذي أصدره الرئيس قيس سعيد في 2022 لتنظيم الجرائم المرتبطة بأنظمة الاتصال والمعلومات، وكان سببا في عدة اعتقالات لصحفيين ونشطاء بتهم مثل نشر أخبار غير صحيحة أو التشويه.

ويوضح دبار بشكل أدق "السلطة لا تريد تطبيق المرسوم 115 (صدر في 2011) الذي يفترض أن ينظم قطاع الصحافة، وفي المقابل هناك نزعة قضائية لتطبيق ما جاء في المرسوم 54، فضلا عن صعوبة النفاذ إلى المعلومات صعوبة النفاذ إلى المعلومة وغياب أي مشروع للحكومة لإصلاح الإعلام العمومي". وتابع في تعليقه "ما يزيد الوضع تعقيدا أنه لا يوجد جهة رسمية يمكن التعامل معها".

تحرير: عادل الشروعات

DW المصدر: DW
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا