طولكرم- تبكي سمر المهر بحرقة، وهي خارجة من مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم شمال الضفة الغربية ، حين سمح لها الاحتلال الإسرائيلي بدخوله مع شقيقتها وشقيقها، صباح الأربعاء، لنقل أغراضهم من منزلهم الذي أخطر الاحتلال بهدمه بداية الأسبوع الجاري.
"ليتني لم أدخل، ولم أر ما رأيت" تقول سمر (40 عاما) وهي تمسح دموعها، في حين تحاول شقيقتها لملمة بعض الأغراض التي استطاعت إخراجها من المنزل، لترتبها في كيس أزرق كبير، لينقلوها إلى منزل سمر في نابلس شمال الضفة، الذي نزحت إليه كل من والدتها وعائلة شقيقها وشقيقتها، منذ قرابة العام.
وتضيف سمر للجزيرة نت، "ذكرياتنا في منزل أهلي، كل تجمعاتنا وسهراتنا وصورنا، كلها انتهت، المنزل عبارة عن رماد، كل شيء محطم ومحروق، حتى منزل شقيقتي حاولنا الدخول إليه، وإخراج بعض الأغراض، لكن كل شيء مكسر، المنزل عبارة عن روث للحيوانات، ونفايات، الأجهزة الكهربائية مكسرة".
وأمام المدخل الشرقي للمخيم، وقف عدد من الأهالي ينتظرون السماح لهم بالدخول إلى منزلهم، الذي ستبدأ جرافات الاحتلال بهدمه صباح اليوم الخميس، في حين سمحت قوات الاحتلال لدخول عدد آخر منهم إلى المنطقة الجنوبية من المخيم مساء أمس.
تتحدث سمر عن ما شاهدته "الدمار في المخيم لا يمكن وصفه بالكلمات، المنازل مهدمة أو محروقة، الشوارع مجرفة، والاحتلال أنشأ شوارع جديدة وقام بتعبيدها على أنقاض منازلنا، لا أحد منّا يعلم كيف ستحل مشكلتنا، وإلى متى سنبقى من دون مأوى".
وتضيف للجزيرة نت، "الأزمة طالت لدرجة كبيرة، وطوال هذه الأشهر كلها لم نسمع أي خبر مطمئن عن مصير كل هذه العائلات التي هجرت من مخيماتها، العودة بهذه الطريقة لمنازلنا هو فقط لوداعها، ماذا يمكن أن نأخذ معنا، غالبية النازحين يسكنون اليوم في غرفة واحدة، كيف يمكن أن ننقل المنزل المكون من طابقين إلى غرفة؟ هل تتسع!".
على الجانب الآخر من الشارع، كان أحمد المصري (59 عاما) يقف متحسرا بعدما منعه جنود الاحتلال من دخول المخيم، على الرغم من حصوله على تنسيق للدخول، ويقول "منزلي من ضمن المنازل المخطرة بالهدم، وحصلت على تصريح الدخول، لكنّ الجنود الموجودين عند البوابة منعوني، بنايتي كلها سيتم هدمها، وهي مكونة من 5 طوابق، لا مرارة أكبر من هذه".
ويصف للجزيرة نت حاله بعد نزوحه مع عائلته منذ قرابة 11 شهرا، فيقول "نزحت مع 30 فردا إلى ضاحية شويكة، أعيش مع زوجتي في منزل لا يصلح للسكن، كما تشتت بقية أفراد العائلة، على مواقع مختلفة، أولادي الشباب مع عائلاتهم، ومنذ بداية الأزمة لا يجدون عملا، وإيجارات المنازل مرتفعة، كنت آمل نقل بعض الحاجيات من المنزل قبل هدمه لكنني منعت".
وكان الاحتلال الإسرائيلي أعلن نيته هدم 25 وحدة سكنية إضافية في مخيم نور شمس، ما يعني فقدان قرابة 100 عائلة جديدة منازلها في المخيم.
بالنسبة للأهالي، فإن استمرار عمليات الهدم تمثل إنهاء فعليا لمخيم نور شمس ومخيمات شمال الضفة، خاصة مع وجود تسريبات باشتراط إسرائيل عدة أمور للانسحاب من المخيمات وإنهاء عملية "السور الحديدي" التي بدأتها أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، ومنها حذف مسمى "لاجئ"، وإنهاء دور وكالة غوث وتشغيل اللاجئين " أونروا " فيها.
وبين فترة وأخرى، كان عدد من الأهالي يعودون من عمق المخيم حاملين معهم أكياسا بلاستيكية صغيرة، تحوي بعض الملابس، في حين حمل بعضهم الآخر صورا لأحبابهم وأفراد عائلاتهم، كانت معلقة على جدران المنازل المهددة بالهدم.
لكن ضيق الوقت الممنوح للعائلات حال دون تمكنهم من نقل أجهزتهم الكهربائية وأثاث غرف نومهم وأغطيتهم من داخل المنازل، فلم يكن أمامهم سوى ثلاث ساعات فقط، كما أن كثرة الخراب في المخيم يعيق دخول الشاحنات التي كان من الممكن أن تنقل الأثاث الثقيل.
ومن بين الأهالي المنتظرين كانت عضو مركز خدمات مخيم نور شمس نهاية الجندي، تحاول الوصول إلى منزلها الذي نزحت منه ولم تدخله مرة أخرى منذ اللحظة التي أجبرت فيها على تركه في التاسع من شباط/فبراير الماضي.
وتشرح للجزيرة نت، حالها وحال قرابة 13 ألف نسمة من سكان المخيم المهجرين، وتقول "أجبرنا على ترك المخيم ولم يسمح لنا بدخوله، حتى أوراقي الثبوتية والرسمية لم أستطع، حتى اليوم، إخراجها من المخيم، وحتى اليوم وبعد مرور 300 يوم على نزوحنا، لا يسمح الاحتلال بدخولي لتفقد منزلي ومنزل عائلتي، وضع النازحين صعب جدا وحالهم صعبة، وكل نور شمس مهدم".
وبحسب الجندي فإن 3500 عائلة باتت اليوم بلا مأوى في مدينة جنين وضواحيها، وتعيش في المساجد ومراكز الإيواء، وتقول "نكبتنا لم تنته منذ خروجنا من أراضينا عام 1948، إنها متجددة ومتكررة بأشكال مختلفة".
وتؤكد الجندي أن الجهود التي تبذلها المؤسسات الرسمية ووكالة الغوث لا تتعدى كونها إغاثية فقط، وأنه يجب تطويرها وتركيزها لإيجاد حلول لإيواء النازحين، والضغط على المؤجرين لتخفيف إيجار المنازل، أو دفع بدل إيجار للعائلات التي تسكن في شقق سكنية في المدينة.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة