آخر الأخبار

برونو روتايو.. هل تقوده محاربة الشريعة الإسلامية لرئاسة فرنسا؟

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

ليس سهلا أن تكون وزيرا للداخلية في فرنسا، لكن الأمر أصعب حين تأتي بعد وزيريْن قدّما الكثير من العمل المهم والريادي في تبني الخطاب اليميني، بل وتصديره والعمل على صياغة قوانين هدفها الحقيقي التضييق على الوجود الإسلامي في البلاد.

منذ سنوات، صرّح وزير الداخلية الأسبق كريستوف كاستانير أن علامات التطرف الإسلامي في نظره تشمل اللحية وعلامة الصلاة والاجتهاد في العبادة أثناء رمضان وعدم تقبيل النساء، ومن ثمَّ وجدت شرائح واسعة من المسلمين نفسها فجأة مُتهَمة بالأصولية والتطرف بسبب الصلاة والعزوف عن تقبيل الجنس الآخر.

اقرأ أيضا

list of 2 items
* list 1 of 2 هل أنهت فرنسا زمن الماكرونية؟
* list 2 of 2 دارمانان ابن الحرْكي الذي يريد حكم فرنسا خالية من المسلمين end of list

رحل كاستانير، وجاء بعده جيرالد دارمانان ، الرجل الذي رفع السقف عاليا، إذ وجَّه حديثه ل مارين لوبان ، سليلة العائلة اليمينية الفاشية، وابنة جون ماري لوبان ، الرجل الذي أسس مع عدد من النازيين الفرنسيين حزب الجبهة الوطنية (التجمُّع الوطني حاليا)، وقال لها إنها باتت ناعمة مع "الإسلام" ويجب عليها أن تأخذ بعض الفيتامينات للتقوية.

كان من المتوقع أن يستمر إيمانويل ماكرون في نهجه في اختيار وزراء داخلية قادرين على ضمان الخط اليميني، بشكل يحفظ قدرتهم على اللعب على أوتار عديدة، فهو من جهة يقول للجميع إنه الرجل القادر على الوقوف في وجه التيارات المتطرفة، وفي الوقت نفسه يغازل الجماهير اليمينية بسياسات تتجاوز في بعض الأحيان الوعود الانتخابية لحزب التجمُّع الوطني.

في ظل كل ذلك، كان من الطبيعي أن يقع الاختيار على شخصية مثل برونو روتايو وزيرا للداخلية في سبتمبر/أيلول 2024، وهو الرجل الذي تمكَّن من ترك بصمة واضحة في منصبه قبل أن يتركه في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ويفوز برئاسة حزب الجمهوريين، ويبدأ الاستعداد للانتخابات الرئاسية المُقبلة عام 2027.

مصدر الصورة رئيس الوزراء الفرنسي السابق فرانسوا بايرو (يمين) يتحدث بجانب وزير الداخلية الفرنسي السابق برونو روتايو (وسط) ووزير الخارجية والشؤون الأوروبية الفرنسي جان نويل بارو (شترستوك)

تيتانيك ديغول يغرق

كانت الانتخابات الرئاسية الأخيرة مؤلمة لحزب الجمهوريين، حزب ديغول الذي لم يحصل سوى على 4.78% من الأصوات في الدور الأول، بينما قدمت فاليري بيكريس أداء انتخابيا سيئا للغاية جعل الحزب يبدو وكأنه يحتضر.

إعلان

بعد ذلك تولَّى إريك سيوتي قيادة الحزب، لكنه كان يمينيا متطرفا اقترب من أطروحات إريك زمور ومارين لوبان أكثر من اللازم، لذا كان الطرد مصيره الحتمي حتى يتمكَّن الحزب من الحفاظ على مسافة الأمان واضحة بينه وبين اليمين المتطرف الذي كان حتى الأمس القريب عدوا له، ولعل خطاب جاك شيراك قبيل الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية لعام 2002 ورفضه مناظرة جون ماري لوبان، خير دليل على الأيديولوجيا الأصلية لهذا الحزب.

وصل روتايو إذن على رأس سفينة وهي تغرق وسط المحيط السياسي الفرنسي، ومن ثمَّ بدأ مشروع إنقاذ الحزب الذي عاش سنوات من التمرُّد والفضائح والفشل الانتخابي، وكان أول مؤشر إيجابي لروتايو حصوله على 74% من أصوات الحزب الداخلية.

لم يكن وصول روتايو إلى قيادة الحزب، ثم منصبه وزيرا للداخلية محض صدفة، فقد عمل الرجل لسنوات في السياسة مُتسلِّحا بنشأته في منطقة "لا فوندي"، تلك المنطقة الغارقة في التقاليد الكاثوليكية، والتي تبوح بالكثير من الذكريات الملكية.

وقد بدأ روتايو مسيرته مساعدا لفيليب دو فيلييه ، أحد أشهر الوجوه اليمينية المحافظة في فرنسا، قبل أن يشق طريقة داخل اليمين الفرنسي التقليدي، حيث انتُخِب سيناتور عام 2004 ثم صعد لقيادة كتلة الجمهوريين في مجلس الشيوخ عام 2014، إذ بنى سمعته بوصفه قائدا صارما ومُتمسِّكا بالأيديولوجيا.

وقد ساهمت هذه الصرامة في اختياره وزيرا للداخلية عام 2024 في حكومة ميشال بارنييه ، وكان من المنتظر أن يُقدم على سياسات يمينية مثل زيادة عمليات الترحيل، وتشديد شروط الحصول على الجنسية، ودفع مشروع تعديل دستوري يسمح بإجراء استفتاءات حول الهجرة.

مصدر الصورة رئيس حزب الجمهوريين السابق إريك سيوتي (يمين) ومارين لوبان (الفرنسية)

على المستوى الحزبي، حين أمسك روتايو بزمام حزب الجمهوريين، لم يكن الفشل الانتخابي هو الإشكال الوحيد الذي يعانيه الحزب، بل التشتت والموات السياسي. ففي عام 2024، عاش حزب الجمهوريين تمرُّدا عنيفا حين أعلن إيريك سيوتي، رئيس الحزب آنذاك، عن تحالف انتخابي مع حزب لوبان.

وحينها سارع المكتب السياسي للحزب إلى التصويت على طرد سيوتي، معتبرا أن ما قام به "خيانة غير مُصرح بها"، بيد أن القضاء منحه طوق النجاة بعد أن اعتبر طرده غير قانوني، فعاد إلى منصبه.

في تلك الفترة، انقسم الحزب حرفيا إلى جناحين، أولهما جناح مجموعة سيوتي الذي دخل الانتخابات التشريعية تحت راية "اتحاد اليمين من أجل الجمهورية" وقدم 62 مرشحا، وثانيهما معارضو سيوتي، الذين قدموا 400 مرشح رسمي للجمهوريين مع إدراج أنصار سيوتي على قائمة "المغضوب عليهم".

وفي هذه الظروف المتوترة ظهر روتايو ووجد نفسه أمام حزب منقسم وجماهير مُشفِقة على أكثر أحزاب فرنسا وجاهة كما يُفترض.

لم يكن وصول الجمهوريين إلى تلك الحالة وليد اللحظة، فما حدث عام 2024 كان نتيجة طبيعية لحزب نخره الفساد والفشل والإهانة الانتخابية، وقد بدأت المشاكل عام 2015 مع قرار القيادات تغيير اسم الحزب من "الاتحاد من أجل الحركة الشعبية" إلى "الجمهوريين"، وكان الهدف من إعادة التسمية أشبه بتجديد الطلاء الخارجي دون التعرُّض لمشاكل الصيانة الداخلية، التي أصبحت مع الوقت أصعب من أن تُخفى عن الرأي العام.

إعلان

وفي عام 2017، بينما كانت فرنسا تستعد كي يكون فرانسوا فيون رئيسها المُقبل، انفجرت فضيحة مالية كبيرة في وجه الرجل والحزب، ومن ثمّ آلت الرئاسة إلى الشاب المغمور حينها إيمانويل ماكرون، ومن ثم ظهرت ثنائية ماكرون ولوبان ونسفت فرص الجمهوريين في أي نجاح سياسي.

بيد أن حزب الجمهوريين لم يغرق بالكلية، والفضل في ذلك يعود جزئيا لمجلس الشيوخ، إحدى أهم المؤسسات التي تُسيِّر البلاد، والتي يعرفها روتايو عن كثب، إذ إنه قاد كتلة الجمهوريين فيها طيلة عشر سنوات كاملة، وضمن أداء متوازنا للحزب وانضباطا أيديولوجيا واضحا.

ويسيطر حزب الجمهوريين على مجلس الشيوخ اليوم بحوالي 130 مقعدا، مُحتلا بذلك مكانة في المشهد السياسي تُعوِّض غيابه عن البرلمان الفرنسي ، حيث السيطرة لليسار ولحزب ماكرون، الذي يشكّل معه الجمهوريون تحالفا حكوميا.

بيد أن روتايو من موقعه في مجلس الشيوخ يحاول فيما يبدو أن يُعيد للجمهوريين بريقهم عبر استمالة المزاج العام اليميني، ففي 30 نوفمبر/تشرين الثاني، خرج شمس الدين حفيظ، عميد مسجد باريس الكبير، منتقدا مجلس الشيوخ الفرنسي بسبب تقرير أعده الفريق الجمهوري تضمن 17 توصية لمحاربة ما يُوصف بالتغلغل الإسلاموي في المؤسسات العامة.

وقد تضمَّن التقرير أكثر من 100 صفحة، وجاءت فيه مقترحات تشي برغبة في مواصلة تقييد أي حضور إسلامي في البلاد، مثل منع ارتداء الفتيات دون 16 عاما الحجاب في الفضاء العام، ومنع صيام اليافعين الذين تقل أعمارهم عن 16 سنة تحت ذريعة حماية الطفل.

وأوصى التقرير أيضا بتقييد ارتداء الحجاب من قِبل المرافقات المدرسيات بهدف ضمان "الحياد التربوي".

مصدر الصورة شمس الدين حفيظ: تقرير مجلس الشيوخ يخلط بين الإسلام كدين والإسلاموية كأيديولوجيا (الجزيرة)

لنُسمي الأشياء بمسمياتها

هناك خصلة جيدة في السياسيين الفرنسيين هو أن كلامهم وأفكارهم باتت مع مرور الوقت أوضح وأقل مواربة، ولهذا السبب مثلا باتت مارين لوبان تائهة وهي متشبثة بخطاب يميني قديم يحاول إحداث التباس بين الإسلام السياسي المتطرف وبين الإسلام الذي ينعكس على مستوى عادات الناس اليومية وتقاليدهم الثقافية والاجتماعية.

وفي هذا السياق، جاء برونو روتايو أشبه بـ"هدية" من الرئيس ماكرون للجمهور اليميني، ليخلف جيرالد دارمانان في التعبير عن هذه النزعة، ففي برامج "التوك شو"، حيث يناقش بعض الإعلاميين مع ضيوفهم مؤخرا الحق في الشعور بالإسلاموفوبيا أو رهاب الإسلام.

أتى روتايو يوم 26 من مايو/أيار الماضي في ندوة كاشفا سياسته في مواجهة التطرف الإسلامي، وقال إن "الإسلاموفوبيا" كلمة اختلقتها جماعة الإخوان المسلمين ، ومن ثمّ فإنه يرفض استعمالها لوصف التمييز ضد المسلمين.

يستعمل اليسار -وليس كل اليسار في الحقيقة- كلمة الإسلاموفوبيا لانتقاد ما يحدث من تصرفات وسياسات تهدف لخنق المسلمين، في حين بدأ الخطاب السياسي والإعلامي لكثيرين داخل فرنسا يعتبر أن الخوف من الإسلام حق مشروع، حيث يرى أصحاب المزاج اليميني أن ما يمكن انتقاده هو "العنصرية ضد المسلمين" كأفراد لا أكثر، وعلى المنوال نفسه يفكر روتايو.

بيد أنه وفي سبيل أن يكون هناك تغيير في الطرح، وتجديد في المضمون لتبرير التضييقات التي يريدها وزير الداخلية الأسبق، كان من الضروري إيجاد عدو جديد، يمكنه لعب دور الفزاعة بطريقة تجعل أي قرارات جديدة منطقية ومقبولة.

كما سيكون من الجيد أن تساهم هذه القرارات في رفع منسوب شعبية روتايو الذي يرغب في استعادة الكتلة الانتخابية اليمينية، والتي باتت في العقد الأخير مُشتَّتة بين ماكرون ولوبان.

وقد خلص روتايو إلى العدو الجديد، الذي يتفق على عدائه المشرق والمغرب في البلاد، وهو "جماعة الإخوان المسلمون ". ففي مايو/أيار الماضي طلب الرئيس الفرنسي من حكومة فرانسوا بايرو صياغة مقترحات جديدة لإعداد تقرير عن جماعة الإخوان المسلمين والخطر الذي يشكّله الإسلام السياسي في البلاد. وفي غضون ذلك، خرج روتايو مؤكدا أنه سيعمل على تنظيم الدولة بطريقة أفضل لمواجهة الإسلاميين.

إعلان

وقد أتى التقرير الذي أشرفت عليه وزارة الداخلية مُسلِّطا الضوء من جديد على المساجد المُنهكَة أصلا، والتي تعتبر العدو الأول لفرنسا في الفترة الأخيرة. وحسب الأرقام الرسمية، صُنِّف 139 مسجدا على أنها مساجد مرتبطة بالإخوان المسلمين ، بينما صُنِّف 86 مكانا آخر على أنها قريبة من الجماعة.

ويقول التقرير إن 280 جمعية خيرية ترتبط بالجماعة، إذ تنشط هذه الجمعيات في قطاعات متعددة، كما يستهدف التقرير المدارس الخاصة، فقد صُنّف 21 مؤسسة تعليمية بوصفها مدارس مرتبطة بالإخوان المسلمين. ولم ينسَ التقرير منصات التواصل ودور المؤثرين "الإسلاميين" الذين يلعبون دور تعريف الناس بالإسلام، مما يشكّل خطرا على الشباب الأوروبي وفقا للتقرير.

جاءت ردود أفعال المسلمين في فرنسا غاضبة من التقرير الذي بدا هدفه واضحا، وهو المزيد من التقييد وكسب روتايو لبعض النقاط التي تعينه على الانتخابات الصعبة القادمة، ولم يكن المسلمون وحدهم من اعترضوا على فحوى التقرير، بل جاء موقع "ميديا بارت"، وقال إن التقرير بعيد كل البعد عن الصورة المقلقة التي حاول روتايو بثَّها، لأن الأرقام تقول إن فرنسا مثل دول كثيرة أخرى، تشهد تراجعا كبيرا لتأثير الإخوان المسلمين.

وقد أوضح موقع ميديا بارت أن التقرير يناقض كلام روتايو، الذي قال إن الهدف النهائي لجماعة الإخوان المسلمين هو إخضاع المجتمع الفرنسي للشريعة، مُحذرا من أن القانون الإسلامي الكبير -كما يُسميه- سيحل محل قوانين الجمهورية.

في حين يقول التقرير إنه لا توجد أي وثيقة حديثة تُظهِر أن مسلمي فرنسا يريدون إقامة دولة إسلامية في فرنسا أو تطبيق الشريعة فيها، كما لا يذكر التقرير في أي موضع أن الحركة الفرنسية تسعى لإقامة خلافة، على عكس التصريحات "النارية" لوزير الداخلية.

يضيف ميديا بارت أيضا أن التقرير ليس دقيقا في تناوله للتمازج بين السلفيين والإخوان المسلمين، حيث يبدو الأمر بعيدا على أرض الواقع وحتى على المستوى الأكاديمي، إذ يعيش السلفيون والإخوان المسلمون تنافسا شديدا في فرنسا، كما هو الحال في العالم العربي، ويدافع كل طرف منهما عن تأويله الخاص للدين الإسلامي.

وقد منح هذا الخلط التقرير حرية الانتقال بسلاسة ودون منطق واضح بين انتقاد أفكار الإخوان المسلمين والممارسات السلفية المعروفة.

وقد حوى التقرير العديد من المغالطات والتحليلات البعيدة عن الموضوعية، من قبيل تضخيم مشاركة المرشحين المسلمين في الانتخابات التشريعية، والشك الدائم في الجمعيات الإسلامية، حتى تلك التي لم تعترض يوما على ما طالبت به فرنسا من احترام لقوانينها عبر توقيع اتفاقيات عدة، كان أشدها "ميثاق مبادئ الإسلام في فرنسا"، الذي أنهى مساحات الحرية لهذه الجمعيات، وهو تحرُّك اعتبره التقرير مجرد "تقية".

فلسطين.. وجه روتايو المرتبك

في الوقت الذي أخذ فيه ماكرون يستعد للاعتراف رسميا بدولة فلسطين، كان وزير داخليته روتايو يطلق العنان لتصريحات مُعادية للمتضامنين مع الفلسطينيين. وفي الفترة نفسها، وفي الوقت الذي كانت فيه الإبادة الجماعية على أشدها في قطاع غزة ، كان روتايو منشغلا بمنع البلديات من رفع الأعلام الفلسطينية فوق مبانيها يوم الاعتراف، حسب برقية نشرتها "فرانس برس".

يجد روتايو دائما تلك الوصفة السحرية لأي قرار سياسي، وهو اتباع مبدأ الحياد في المساحة العامة، الذي يمنع تزيين المباني الحكومية بأعلام فلسطين وفقا لوجهة نظره.

ولذلك وجَّه روتايو المحافظين باللجوء إلى القضاء الإداري ضد قرارات رؤساء البلديات الذين رفضوا التخلي عن مبادرة رفع الأعلام الفلسطينية.

في فرنسا، يُدمِن التيار اليميني فلسفة الكيل بمكيالين، فلم يسبق أن صدرت هذه التعليمات بخصوص الأعلام الأوكرانية مثلا، التي تزيَّنت بها العديد من البلديات بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، حيث اعتبرت المحكمة الإدارية بفرساي في ديسمبر/كانون الأول 2024 أن "وضع العلم الأوكراني على واجهة مبنى عام لا يشكّل تعبيرا سياسيا، بل رمزا للتضامن مع أمة ضحية عدوان".

لم يُبدِ روتايو أي ترحيب بقرار رئيس جمهوريته الاعتراف بفلسطين، وقال إنه قرار رئيس الجمهورية وليس قراره. وهذا التحفُّظ يمكننا البحث عما وراءه في مكان آخر، وهو البيان الرسمي الذي أصدره حزب الجمهوريين، وقال إن العائلية "الديغولية" (نسبة إلى ديغول) دائما ما كانت مع الاعتراف بدولة فلسطينية، حيث سبق لديغول أن قال متحدثا عن الفلسطينيين: "هناك شعب لديه قصة وآلام وحقوق".

إعلان

بيد أن البيان يقول إن الاعتراف لا يمكن أن يتم إلا في إطار تسوية شاملة، وهو ما لا يتوفر اليوم، فقبل 3 أشهر وضع ماكرون شروطا واضحة للاعتراف بدولة فلسطينية، منها: إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، وإبعاد حماس عن قطاع غزة، وإعادة هيكلة السلطة الفلسطينية، واعتراف الدولة الجديدة بحق إسرائيل في الوجود، وإعادة هندسة الأمن في المنطقة.

وبما أن أيا من هذه الأمور لم تحدث، فإن فرنسا تكون قد تخلَّت عن دورها المتوازن، لأن الاعتراف بفلسطين لا يجب أن يكون على حساب أمن إسرائيل.

ماذا عن إسرائيل؟

في فجر 13 يونيو/حزيران الماضي، شنَّت إسرائيل ضربات جوية على منشآت عسكرية ونووية داخل إيران، وكان الهدف منها توسيع نطاق الحرب وجعلها مفتوحة مع جميع أعدائها في المنطقة، ولم تكن إيران هي البادئة بالحرب، لكن رغم ذلك فإن لسان روتايو أفصح عن نواياه، وهو الرجل الذي أخذ يُقدِّم رجلا ويؤخر رجلا وبدا مُترددا في حديثه عن اعتراف بلاده بفلسطين.

ثم صار فجأة فصيح اللسان واضح الأفكار حينما قال في لقاء له على قناة "سي نيوز" إن النظام الإيراني تسبَّب في الكثير من الأذى بالمنطقة، وإن لإسرائيل الحق الكامل في الدفاع عن نفسها.

ورغم أن إسرائيل هي التي بدأت الهجوم، فإن وزير الداخلية الفرنسي أشار إلى كلام آية الله علي خامنئي الذي وصف فيه دولة الاحتلال بأنها ورم سرطاني في المنطقة، ثم أضاف روتايو قائلا: "خامنئي يقول إن إسرائيل لن تكون موجودة بعد 25 سنة، وهذا يعني أن النظام الإيراني يشكّل تهديدا وجوديا لها".

ثم ختم روتايو تصريحه بقوله إنه لو كانت فرنسا في مكان إسرائيل، لتصرَّفت بالطريقة ذاتها، ولواجهت إيران بالشجاعة نفسها.

علاوة على ذلك، لم يتأخر روتايو عن حضور مؤتمر "من أجل الجمهورية، فرنسا ضد الإسلاموية"، الذي شارك فيه مع وزير آخر معروف بدعمه الكبير لإسرائيل، مانويل فالس ، وهو مؤتمر نظَّمته منظمة الضغط المؤيدة لإسرائيل "إلنِت".

مصدر الصورة برونو روتايو (يسار) ومانويل فالس (شترستوك)

وقد كشف موقع ميديا بارت في وقت سابق أن ما لا يقل عن مئة نائب وسيناتور من حزب الجمهوريين سافروا على حساب "إلنِت" إلى إسرائيل منذ عام 2017، مما يجعل هذا اللوبي من بين الأقوى تأثيرا داخل أروقة الحزب.

وقد تفاخر المدير التنفيذي للمنظمة آريه بنسمحون بأنه قدم أكثر مما كان يُطلَب منه لدعم إسرائيل، وضمان دعم "الغالبية الساحقة" من الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ لإسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وتُعَد منظمة بنسمحون من القوى الناعمة التي تخدم إسرائيل، بل وتخدم نتنياهو شخصيا، وتُسلِّط كل قواها لمهاجمة الشعب الفلسطيني على اعتبار أنه متواطئ مع حماس، حيث كان مدير "إلنت" قد قال عبر إذاعة "راديو جي" اليهودي في فرنسا: "نحن نتعامل مع مجتمع من البرابرة الذين ارتكبوا أسوأ الجرائم، وكلهم يتحملون بطريقة ما مسؤولية جماعية. كل الأطباء، كل الصحافيين، كل العاملين الإنسانيين، كل موظفي المنظمات الدولية في غزة عملاء لحماس، جميعهم".

رغم كل هذا التصعيد الكبير، وتلك الدعوات والتصريحات التي تدعو للكراهية، لم يكن روتايو يرى إشكالا في حضور هذا النوع من المناسبات، وكان تبريره دوما هو الحياد، إذ إن إسرائيل ليست هي من يُموِّل الجمعية، بل متبرعون مستقلون من داعميها.

في الأخير، يُمثِّل برونو روتايو خطا يمينيا كلاسيكيا واضحا، يُعادي الإسلام، ويغازل الشارع اليميني، بينما يَعُد العدة كي يكون رئيسا للجمهورية عام 2027، فقد بات مُقرّبا من مليارديرات اليمين المتطرف الذين يبحثون عن خليفة لماكرون في حال فشل الشاب جوردان بارديلا في تحقيق ما يسعى إليه.

ليس غريبا أن ينال بارديلا ثقة اليمين الشعبوي أكثر من روتايو، إذ إن الأخير مُحافظ في المقام الأول ويحاول مغازلة اليمين وتقديم مشروع أقل شعبوية من مشروع لوبان، فهو قادم من خلفية محافظة، حيث عمل أحد جدوده في خدمة التحالف الأرستقراطي المناوئ للثورة الفرنسية في نهايات القرن الثامن عشر، ويحتوي منزل والدته على شهادة تقدير من الملك لويس الثامن عشر، وهي شهادة تدل على ولاء الأسرة للملكية آنذاك.

ورغم ما سبق، فإن روتايو يمتلك تصورا واضحا عن أيديولوجيته السياسية، إذ قال ذات مرة عن الثورة الفرنسية إنها أمكن أن تكون أكثر ليبرالية وتمدُّنا، بدلا من النظام الشمولي الذي أطلقت له العنان وألهم في الأخير الشيوعيين في روسيا، ثم الإسلاميين في العصر الحالي، على حد وصفه.

وهي رؤية لربما لا يُشاركه إياها كثيرون في فرنسا، إذ إنه يمزج بين خلفيته المحافظة، المُستلهمة من المفكر البريطاني إدموند بورك وتحفُّظاته على الثورة الفرنسية، والنزعة المُعادية للإسلاميين الرائجة حاليا في صفوف اليمين الفرنسي، وإن كان اليمين الفرنسي هو الآخر له جذور تعود إلى الحنين للنظام الملكي والاعتزاز بالثقافة الكاثوليكية.

وحدها الأيام ستكشف ما إن كان بارديلا قادرا على الوصول إلى ما لم تصل له لوبان، والتأكيد على أن اليمين الشعبوي، الذي رفض شيراك مناظرته قبل حوالي ربع قرن، وهُزِم أكثر من مرة في صناديق الاقتراع نتيجة تطرُّفه الشديد؛ قد أصبح تيارا رئيسيا في غير حاجة إلى تحالفات وسيطة، أم أن الرأي العام الفرنسي سيكون منجذبا أكثر إلى نُسخة روتايو، المحافظ ذو الهوى اليميني، القادم من حركة سياسية أسسها شيراك نفسه للمفارقة، وإن كانت أفكاره تشترك في جذورها مع الجذور التاريخية لليمين الفرنسي.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا