آخر الأخبار

كيف واجه ميلانشون اتهامه بمعاداة السامية والتحيز للمسلمين؟

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

باريس- في جلسة برلمانية اتسمت بالتوتر وتقاطعت فيها السياسة بالهوية، مثُل زعيم حزب " فرنسا الأبية " اليساري الراديكالي جان لوك ميلانشون أمام أعضاء التحقيق البرلماني في الروابط المزعومة بين الحركات السياسية والشبكات الإسلامية.

الجلسة التي عُقدت السبت الماضي، والتي تحولت إلى درس علني، جاءت في وقت يتصاعد فيه الجدل بشأن قضايا الهوية والدين والعلمنة، وفي ظل اتهامات متكررة لليسار الراديكالي بأنه يقترب أكثر مما ينبغي من الناخبين المسلمين وينشر خطابا متعاطفا مع غزة .

وعلى خلاف ما كان ينتظره خصومه، خرج ميلانشون منها مقنِعا وواضحا، حاول فيها إعادة تعريف موقع حزبه في مسألة العلمانية، مؤكدا أن التغلغل الديني لا يمكن أن يجد مكانا داخله. ورغم هذا الدفاع الحاد، لا تزال أسئلة معلقة: هل مثلت هذه الجلسة نهاية الاستجواب أم بداية فصل جديد من الاتهامات؟

مصدر الصورة ميلانشون (وسط) يصل إلى جلسة استماع أمام لجنة التحقيق في الجمعية الوطنية (غيتي)

محاكمة فاشلة

قد لا يكون ميلانشون رياضيا، لكنه يمارس في السياسة قاعدة أساسية في الجودو، وهي استخدام قوة الخصم لإسقاطه أرضا. فعندما وُجهت له اتهامات بمعاداة السامية، أعرب عن "انزعاجه من اضطراره الدائم لإثبات جدارته أمام هؤلاء المفتشين الذين نصَّبوا أنفسهم". وأكد "لم تكونوا قد وُلِدتم بعد؛ كنتُ أساعد اليهود على مغادرة الاتحاد السوفياتي ".

ومستشهدا بمراجع تاريخية عديدة، دافع مطولا عن رؤيته للعلمانية التي وصفها بأنها "حماية لحرية العبادة" ويضمنها قانون عام 1905. وأوضح أنه "تطوّر" في هذه القضية و"تخلى عن معاداة رجال الدين".

وأصر على الدفاع عن أستاذ جامعة ليون الثانية، الموقوف عن العمل لوصفه 20 شخصية، معظمهم من اليهود، بـ"مرتكبي إبادة جماعية يجب مقاطعتهم"، مؤكدا أنه "ليس معاديا للسامية".

وقد اعتبر توماس غينولي، الأستاذ المشارك في العلاقات الدولية في مدرسة "سنترال سوبيليك"، أنه تم التلاعب بتحقيق برلماني من قِبَل نواب اليمين و اليمين المتطرف لإجراء محاكمة كارثية للحزب اليساري حول موضوع التواطؤ المزعوم مع الإسلام السياسي والإرهاب.

إعلان

وأوضح للجزيرة نت أن الغرض هو تقديم ميلانشون إلى قفص الاتهام، لكنه تمكن من إزاحة المدعين العامين الذين نصّبوا أنفسهم، وتبعثرت اتهاماتهم، و"حتى أكبر وسائل الإعلام اليمينية المتطرفة في فرنسا قالت إنهم كانوا غير أَكْفاء وأنه كان بارعا ومقنعا".

أما عن سبب اختيار ميلانشون، يعتقد المحلل السياسي إيف سنتومير أن الهدف الأول كان تشويه سمعته وانتقاد حزبه "فرنسا الأبية" ومواقفه، سواء تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أو التمييز المنهجي ضد المسلمين في فرنسا. "لكن ذلك ارتدّ عليهم في آخر المطاف، وقدّم أداء رائعا كبح جماح هذا التلاعب المُحتمل إلى حد كبير".

وأضاف سنتومير للجزيرة نت "لا أتفق دائما مع تصريحات ميلانشون لكنني أعتقد أنه وجد الكلمات المناسبة خلال الجلسة وبدأ أيضا نقدا ذاتيا لماضيه عندما كان مناهضا لرجال الدين، وخاصة للكاثوليك وللمسلمين أيضا"، معتبرا أن هذا النقد كان حركة ذكية في هذه القضية.



الوهم الفرنسي

من أبرز التصريحات التي صرح بها ميلانشون في الجلسة كان إعلان رفضه أي محاولة لاختراق حزبه من قِبل جهات دينية، قائلا "لا نقبل أبدا بالتسلل الديني".

وتابع "لقد أصدرت لجنتكم بالفعل وثائق تُبرئنا تماما، إذ لم يصرح أي من مسؤولي الاستخبارات الذين استمعتم إليهم بوجود أي صلة بيننا وبين الإسلاميين"، داعيا إلى التمييز بين "الإسلام والإسلاموية" و"الإسلاموية والإرهاب".

كما حذّر من "إغراء" اليمين واليمين المتطرف بتنظيم الممارسات الدينية ومنع الصيام أو ارتداء الحجاب في الشوارع. وقال "بالطبع، هناك من يرتديه كرمز ديني. في فرنسا، الدولة علمانية، وليس الشارع، والكبار يرتدون ما يحلو لهم". وفيما يتعلق بالقاصرين، أكد أن "القانون يعترف بحق كل والد في نقل قيمه إلى أبنائه"، متسائلا "ماذا عن الختان؟".

وتعليقا على ذلك، لفت سنتومير إلى وجود "وهم فرنسي" بأن الإسلاموية تُشكل تهديدا، وأن الإسلاميين يحاولون التغلغل في السياسة الفرنسية، معتبرا أن تصويرها على أنها الخطر الذي يهدد البلاد اليوم أسهل بكثير من معالجة التحديات الحقيقية التي تواجه المجتمع الفرنسي.

كما لفت إلى ما أشار إليه ميلانشون وهو أن "الشخص المسلم لا يعني بالضرورة أنه إسلامي، بل إن مصطلح إسلامي ليس واضحا تماما، هل هو إسلاموية متشددة وعنيفة؟ أم ببساطة تأكيد قوي على أهمية الدين الإسلامي؟".

ويعتقد المحلل سنتومير أن الزعيم السياسي فكك عددا من الأمور وبدد أي شكوك حول التعاطف المُحتمل بين حزبه والتيارات الإسلامية، سواء كانت "متشددة أو مُخربة للدستور الفرنسي أو متورطة في أعمال عنف". وبالتالي، نجح في تبرئته و"تبديد هذا الوهم الفرنسي الذي تتلاعب به النخب السياسية الآن".

رهانات سياسية

أُطلقت لجنة التحقيق برئاسة عضو حزب الجمهوريين كزافييه بريتون، وتم الاستماع إلى شهادات حوالي 30 شخصا، من بينهم أكاديميون، وخبراء استطلاعات رأي، ورئيس جهاز المخابرات في مقر شرطة باريس، ووزير الداخلية لوران نونيز.

إعلان

ويُواجه مكتب لجنة التحقيق انتقادات لاذعة لعدم ضمه أي أعضاء برلمانيين من جماعات يسارية، على الرغم من أن القواعد تنص على أن هذه التعيينات يجب أن "تعكس التركيبة السياسية للجمعية الوطنية". وتشمل صلاحيات اللجنة إصدار استدعاءات تُلزم الأفراد بالمثول أمامها، وإجراء التحقيقات، وعقد جلسات استماع تحت القسم.

ويرى سنتومير أن ما حدث لا يمكن فهمه إلا في السياق السياسي الحالي، موضحا "هناك انتخابات بلدية قادمة، وأخرى رئاسية حاسمة. ومع احتمال إجراء انتخابات تشريعية مبكرة إذا لم تُعتمد الميزانية، أو إذا سقطت الحكومة، تلعب جميع هذه الحسابات السياسية قصيرة المدى دورا في هذه القصة".

وتابع "فرنسا غارقة في أزمة هيكلية عميقة للغاية، لذا من الأسهل بكثير إيجاد مواضيع أخرى لتشتيت الانتباه والتركيز على الإسلام والهجرة. أما ميلانشون، فقد اتخذ نهجا معاكسا وراهن على قاعدة شعبية تشمل سكان الضواحي الذين يشكل المسلمون نسبة كبيرة منهم. إنها مقامرة انتخابية قد تنجح أو تفشل".

بدوره، يعتقد أستاذ العلوم السياسية توماس غينولي أن "هناك جانبا مُدبّرا لمحاولة إضعاف مرشح رئيسي، لكنْ هناك أيضا نوع من عقلية القطيع تصر على ضرورة إسقاط ميلانشون بأي طريقة".

وأضاف "ينتهي بنا المطاف في هذا المناخ المُقزز الذي يُحوّل الساحة العامة إلى مكب نفايات وهذه العدوى الحقيقية التي تلهث وراء الكراهية، وهي أهوال نراها اليوم في عدد من الدول التي وصل فيها اليمين المتطرف إلى السلطة".

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا