أعلنت قوات الدعم السريع في السودان سيطرتها على منطقة هجليج في ولاية جنوب كردفان، بعد أيام من بسطها السيطرة على منطقة بابنوسة في ولاية غرب كردفان، وذلك عقب معارك طاحنة مع قوات الجيش في قاعدته الرئيسية من جهة، وعلى أثر حصار طويل لبابنوسة من جهة أخرى.
وعلى عكس ما حدث في بابنوسة، وبحسب ما قالته مصادر عسكرية تحدثت لـ "بي بي سي"، وأفاد به بيان صادر عن "الدعم السريع"، تمكنت هذه القوات شبه العسكرية، من السيطرة على هجليج بسهولة ودون خوض قتال، بعد انسحاب الجيش من مقر اللواء 90، وتوجه عناصره نحو دولة جنوب السودان.
ولم يعلق الجيش على الفور رسمياً على إعلان "الدعم السريع" السيطرة على هجليج، بينما أفاد بيان قوات الدعم، بأن عناصرها تسلمت تلك المنطقة بعد "هروب الجيش". وقالت مصادر من "الدعم السريع" كذلك، إنها شكلت قوة خاصة لحماية المنشآت النفطية فور السيطرة على حقول النفط، وإنها ستحافظ على هذه المنشآت والحقول النفطية.
وأضافت هذه المصادر بالقول: "سنقوم بالتنسيق والتعاون مع السلطات في دولة جنوب السودان، من أجل حماية المنشآت النفطية، والمحافظة عليها، وضمان استمرار الإنتاج في المستقبل".
تقع منطقة هجليج على بعد نحو 250 كيلومتراً جنوبي بابنوسة، وكذلك إلى الشمال من منطقة أبيي المتنازع عليها بين السودان وجنوب السودان، وإلى الشمال الشرقي من مدينة كادقلي عاصمة ولاية جنوب كردفان، فضلاً عن كونها منطقة حدودية مع دولة جنوب السودان.
وتمثل سيطرة قوات الدعم السريع على هجليج، في حال تأكيد ذلك، "انتصاراً عسكرياً كبيراً" و"قفزة ميدانية هائلة"، طبقاً لتعبير الخبير العسكري السوداني اللواء المتقاعد عبد الله أبو قرون، الذي قال لـ "بي بي سي" إن هذه الخطوة تعطي لقوات الدعم السريع، فرصة كبيرة لقلب الموازين العسكرية، في محاور القتال في إقليم كردفان.
ومضى قائلا: "بعد سيطرتها على هجليج وقبلها بابنوسة، ستتمكن قوات الدعم السريع من التواصل بأريحية مع حليفتها الحركة الشعبية في جنوب كردفان، للقيام بعمليات عسكرية يمكن أن تستهدف عاصمة الولاية مدينة كادقلي، وخاصة إذا تمكنت من الحصول على المزيد من الإمداد العسكري من جنوب السودان".
وأضاف بالقول: "بالنظر إلى الصورة العسكرية الكاملة، فإن قوات الدعم السريع باتت الآن في وضع ميداني أفضل، وربما يهدد وجود الجيش في مناطق شمال كردفان. ومع ذلك لا أعتقد أن الدعم السريع سيفكر في مهاجمة مدينة الأبُيِّض في الوقت الحالي، نظراً لوجود عدد كبير من قوات الجيش والقوات المشتركة في المدينة وما حولها".
أكثر ما يميز منطقة هجليج، كونها تحتوي على عدد كبير من حقول النفط وعددها 75 حقلاً، وأهمها حقل "مربع 6"، وهو الأكبر من حيث إنتاج النفط في الوقت الحالي.
وطبقاً لمعلومات رسمية حصلت عليها "بي بي سي"، فإن هذه المنطقة كانت تنتج أكثر من 65 ألف برميل يومياً، قبل أن يتقلص الإنتاج إلى 20 ألفاً فحسب، بسبب الحرب التي اندلعت في السودان قبل أكثر من عامين ونصف العام.
ورغم أن إنتاج النفط ظل مستمراً بالتوازي مع تواصل المعارك، فإنه توقف نهائياً قبل يوم واحد من إعلان قوات الدعم السريع السيطرة على المنطقة.
وقال أحد المهندسين الذين كانوا يعملون بالحقل، إنهم تلقوا توجيهات بالخروج الآمن حفاظاً على سلامتهم.
وأضاف قائلا "كنا نحو 150 فرداً من المهندسين والعاملين والفنيين في هجليج، نعمل في ظروف صعبة. الجيش كان داخل المدينة، وقوات الدعم السريع كانت في الخارج، وكان هناك تفاهم على استمرار العمل. لكننا تلقينا أوامر بالخروج، فخرجنا جميعاً بعد أن أوقفنا جميع الأجهزة والآبار عن العمل، وتوجهنا إلى منطقة بانتيو في دولة جنوب السودان".
ولا تعد حقول النفط مهمة بالنسبة للحكومة السودانية وحدها، بل إن الأمر يتعدى ذلك إلى حكومة جنوب السودان أيضا، التي تملك وحدة لمعالجة النفط الخام تبلغ سعتها 130 ألف برميل يومياً، ويُجرى تصدير النفط إلى الخارج عبر خط أنابيب يمتد من هجليج إلى ميناء بشائر في مدينة بورتسودان في أقصى شرقي البلاد بطول 1506 كيلومترات.
وعلى ضوء تدهور الأوضاع الأمنية في المنطقة، طلبت شركة النفط الوطنية الصينية التي تدير حقول النفط في هجليج، من الحكومة السودانية عقد اجتماع طارئ لإنهاء شراكتها النفطية مع السودان.
وقالت في خطاب معنْون إلى وزارة النفط السودانية، وتم تسريبه إلى وسائل الإعلام، إن السبب في ذلك هو حالة "القوة القاهرة" الناجمة عن تدهور الأوضاع الأمنية.
وفصّلت في خطابها الأسباب لذلك، وأشارت إلى تدهور الوضع الأمني منذ اندلاع الحرب في إبريل/نيسان 2023، وانهيار سلاسل الإمداد، والخسائر المالية الناتجة عن قلة الإيرادات وزيادة المصروفات.
وطلبت أن يُعقد الاجتماع الطارئ، الذي دعت لأن يلتئم، في مدينة جوبا عاصمة جنوب السودان منتصف ديسمبر/كانون الأول الحالي، حتى تتمكن الأطراف المعنية، من إنهاء الشراكة القائمة بينها في هذا الصدد، قبل نهاية العام الجاري.
ووقعت الحكومة السودانية في عهد الرئيس المعزول عمر البشير، اتفاقية مع الشركة الصينية قبل ثلاثة عقود، تنص على أن تتولى هذه الشركة عمليات الاستكشاف والإنتاج، وبناء أنابيب النقل مقابل تقاسم عائدات النفط.
وكانت حقول النفط في هجليج، هي الأكثر إنتاجاً للنفط في عموم السودان، في حقبة ما قبل إعلان استقلال دولة جنوب السودان عام 2011، وذلك بطاقة كانت تصل آنذاك إلى نصف مليون برميل يومياً. وفي الفترة التالية لذلك، باتت الدولة الجديدة تتلقى 75 في المئة من الإنتاج النفطي الذي يخرج من هذه المنطقة.
المصدر:
بي بي سي
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة