مع اقتراب انتهاء المهلة المحددة لتنفيذ بنود اتفاق العاشر من آذار/مارس بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) بحلول نهاية العام الحالي، عاد الحديث عنه إلى الواجهة مجدداً، وسط تبادل الاتهامات بين الطرفين بشأن عرقلة تنفيذه والتلكؤ في تطبيقه، وذلك بالتزامن مع تجدّد الاشتباكات بين الطرفين في ريف الرقة في الأسابيع الماضية.
ورغم الضغوط الإقليمية والدولية على الجانبين، للتوصل إلى اتفاق وحل سلمي، إلا أن المفاوضات لا تزال متعثّرة.
الرئاسة السورية كانت قد نشرت في 10 مارس/آذار، بياناً وقعه الطرفان، يشمل عدة بنود وجب تنفيذها في مدة لا تتجاوز نهاية العام الحالي.
نص اتفاق العاشر من مارس/آذار 2025 بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية، والذي توسط فيه مسؤولون أمريكيون، على البنود التالية:
تقول فوزة يوسف، الرئيسة المشتركة لهيئة تفاوض الإدارة الذاتية مع دمشق لبي بي سي عربي: "إن بند وقف إطلاق النار بين الطرفين تم تطبيقه بالفعل، رغم وقوع بعض التجاوزات والمناوشات الأخيرة بين الحين والآخر، وأن الطرفين توصلا إلى تفاهمات أولية بشأن آليات دمج المؤسسات العسكرية والمدنية وكيفية عودة سكان عفرين المهجرين إلى مناطقهم"، مشيرة إلى أن النقاشات لا تزال مستمرة حول عدد من الملفات الأخرى.
لكن الخلاف الجوهري بين الطرفين بحسب يوسف، يكمن في نظام الحكم اللامركزي في سوريا، الذي تطالب به الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، والذي يتم رفضه باستمرار من قبل حكومة دمشق متمثلة برئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني، على حد تعبيرها.
يقول غريغوري أفتانديليان، وهو زميل غير مقيم في المركز العربي في واشنطن: "لعلّ مظلوم عبدي رأى في بطء تنفيذ اتفاق مارس/آذار خطوةً حذرة بعد أن شهدت سوريا حوادث عنف طائفي واسعة النطاق بحق العلويين في اللاذقية، ولاحقاً بحق الدروز في السويداء".
أكدت الحكومة السورية الانتقالية في بيان لها نقلته وكالة الأنباء السورية (سانا) في شهر تموز/يوليو الماضي، على "ترحيبها بأي مسار من شأنه تعزيز وحدة وسلامة الأراضي السورية"، وشددت في بيانها على "تمسكها الثابت بمبدأ سوريا واحدة وجيش واحد وحكومة واحدة، وترفض رفضاً قاطعاً أي شكل من أشكال التقسيم أو الفيدرالية التي تتعارض مع سيادة الجمهورية العربية السورية ووحدة ترابها، وترحب بانضمام المقاتلين السوريين من قسد إلى صفوفها، ضمن الأطر الدستورية والقانونية المعتمدة".
تتبادل الحكومة السورية الانتقالية وقسد الاتهامات بالتباطؤ والتلكؤ في تنفيذ بنود الاتفاق وعرقلته. ففي مؤتمر صحفي مشترك عقد مع وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في أنقرة في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول، حثّ وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، قوات قسد على الالتزام باتفاق 10 آذار/مارس، واتهمها بالمماطلة والبطء في تنفيذ الاتفاق قائلاً: "إن بطء استجابة قسد، يعرقل مصالح شعبنا وجهود مكافحة الإرهاب"، مضيفاً أن الاتفاق "ما زال حبراً على ورق" بسبب تردد قسد في اتخاذ الخطوات اللازمة.
لكن القيادية في الإدارة الذاتية فوزة يوسف، تقول إن من يعرقل الاتفاق ويماطل في تنفيذ بنوده هي الحكومة الانتقالية، لأنها على سبيل المثال وليس الحصر، "لم تطبق المادة التي تنص على ضمان حقوق الشعب الكردي في الدستور".
وتضيف: "تصرّ دمشق على إدماج قوات سوريا الديمقراطية كأفراد متفرقين داخل الجيش، وهو ما لن تقبل به قسد، فهي قوة منظمة تمتلك خبرات واسعة وتدريبًا عاليًا، ومن الضروري أن تحافظ على بنيتها العسكرية التي تضم مختلف مكونات سوريا من عرب وسريان وأكراد وغيرهم، كي تتمكن من أداء دورها بفاعلية داخل الجيش السوري".
طلبت بي بي سي من وزارة الداخلية السورية التعليق على الاتهامات الموجّهة إليها بالعرقلة في تنفيذ الاتفاق، غير أنّ الوزارة امتنعت عن الإدلاء بأي تصريح.
لكن الكاتب الصحفي والباحث السياسي السوري عبدالله الحمد، يقول لبي بي سي عربي: "تحاول قسد الانقلاب على الاتفاق وإدخال بنود لم تكن موجودة"، في إشارة منه إلى المطالبة باللامركزية في الحكم.
إلا أن يوسف تقول: "الاتفاق شمل بعض الخطوط العريضة فقط ولم يتطرق إلى التفاصيل، وإذا كان الحديث عن عدم وجود بند حول نظام الحكم اللامركزي في الاتفاق، فيجب الإشارة بالمثل إلى أن الاتفاق لم يتضمن بنداً ينص على نظام الحكم المركزي في البلاد. فسوريا اليوم بحاجة إلى نظام ديمقراطي يأخذ التنوع الإثني والثقافي والديني في الاعتبار، و يتمثل ذلك في اللامركزية".
يتهم مسؤولون في الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، ومن ضمنهم فوزة يوسف، تركيا بلعب "دور سلبي للغاية في تأجيج الخلاف بين الأطراف السورية، وممارسة ضغوط على دمشق كما لو كانت الأخيرة إحدى ولايات تركيا"، وأكدت يوسف أنه "ليس لدى دمشق أي مبررات واضحة في تباطؤها."
طلبت بي بي سي من المتحدث بإسم الخارجية التركية، أونجو كجالي، التعليق على الاتهامات الموجّهة لأنقرة، لكنه لم يجب.
إلا أن الكاتب والخبير السياسي التركي والعضو في حزب العدالة والتنمية، يوسف كاتب أوغلو يقول لبي بي سي عربي "إن تركيا، خلافاً لما يُروج، تؤدّي دوراً إيجابياً، وإنّ مصلحتها تكمن في تحقيق اندماج حقيقي لا شكلي. وإن الاندماج الذي وافقت عليه قسد يقضي بتسليم السلاح وتفكيك البنية التنظيمية والعسكرية لقسد والاندماج الكامل في مؤسسات الدولة السورية الجديدة دون شروط".
لكنّ قسد ــ بحسب قوله ــ تُصرّ على البقاء ككيان متكامل، محافظَةً على هيكليتها العسكرية ورتبها وضباطها وقياداتها ضمن المؤسسة العسكرية السورية، وهو ما تعتبره أنقرة أمراً غير منطقي وغير مقبول.
يضيف كاتب أوغلو: " تركيا تعتبر سوريا الحديقة الخلفية لأمنها القومي، لذلك ترى أنه يجب أن تكون سوريا دولة موحدة وترفض التقسيم بكل أشكاله سواء كان على أساس فيدرالي أو حكم ذاتي، لأن ذلك سينعكس سلباً على الوضع في تركيا أيضاً".
في حوار له مع شبكة رووداو الإعلامية، قال قائد لواء الشمال الديمقراطي، التابع لقوات سوريا الديمقراطية، أبو عمر الإدلبي: "إن قسد ستندمج ضمن الجيش السوري بعدة فرق وألوية، مشيراً إلى أن تغيير اسم القوات "سيلائم المرحلة".
وأضاف: "مبدئياً ستكون قوات سوريا الديمقراطية، ضمن تشكيلات الجيش السوري الجديد على شكل ثلاث فرق عسكرية وعدة ألوية مستقلة، بينها لواء لوحدات حماية المرأة، وفق الآلية التي سيتم التوافق عليها، حيث ما تزال هذه التفاصيل ضمن جولات التفاوض التي ستعقد تباعاً".
ويقول أفتانديليان، زميل غير مقيم في المركز العربي في واشنطن، في مقال نشره المركز: "إن الاتفاق الجديد الذي تم بين رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، في أكتوبر/تشرين الأول من العام الجاري، بوساطة أمريكية ينص على اندماج قوات سوريا الديمقراطية في الجيش السوري مع الاحتفاظ بهياكلها القيادية الخاصة، بدلاً من العمل كأفراد - وهو نموذج كان من شأنه أن يُذيب الهوية الجماعية لقوات سوريا الديمقراطية من خلال توزيع مقاتليها على وحدات الجيش النظامي الخاضعة للسيطرة الكاملة لدمشق".
عن مطلب اللامركزية من جانب قسد، يوضح أفتانديليان أنه بالنسبة لدمشق، "يُنذر احتمال اللامركزية بفتح باب التحديات أمام النخب السياسية المحلية في محافظات متعددة. أما بالنسبة لأنقرة، فلا تزال حذرة بسبب العلاقات التي تربط حزب الاتحاد الديمقراطي السوري ( PYD) وحزب العمال الكردستاني (PKK) في تركيا".
وبينما تستمر المفاوضات بين الجانبين بوساطات دولية، تبقى الأسابيع المقبلة حاسمة في تحديد ما إذا كان الاتفاق سيشكل مدخلاً لتسوية سياسية أوسع، أم مجرد محطة أخرى في مسار التعقيدات المستمرة للأزمة السورية.
المصدر:
بي بي سي
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة